تأجيل الهجوم علي أدلب مع تصاعد التوتر بين تركيا وروسيا
يبدو أن نظام بشار الأسد أجّل مؤقتاً شنَّ هجمةٍ للسيطرة على آخر المعاقل الكبرى للمعارضة السورية في محافظة إدلب شمال غرب البلاد، فيما يتصاعد التوتُّر بين تركيا وحليفتها روسيا.
وأشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إلى أن هذا التأجيل يأتي بينما تحاول أنقرة إقناع الجماعات المسلَّحة بإخلاء محافظة إدلب، لتجنُّب نشوب معركةٍ قالت منظمة الأمم المتحدة إنَّها تُهدِّد بخلق أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.
قرار المعركة لم يأتِ بعد
وقال مسؤولٌ بوزارة الدفاع الأميركية على درايةٍ بالتطوُّرات في سوريا: «يبدو كما لو أنَّ هناك توقُّفاً ما. يسود شعورٌ بأنَّهم ليسوا متأكدين من استعدادهم للمُضيّ قُدُماً».
وبحسب تقرير لمجلة “ديلي بيست” الأمريكية، أن هنالك مؤشرات عدة على إرجاء الهجوم على إدلب، من بينها أن الأيام الأربعة الماضية لم تشهد غاراتٍ جوية ولا حوادث قصف كبرى ولا تحرُّكات مُنذرة بالخطر من جانب النظام وحلفائه.
وأضاف الموقع أنه كان هناك شعورٌ متزايد بأن التهديد الذي يُشكِّله النظام وروسيا قد توقف. وبدأ هذا التوقف على نحوٍ غير مُعلَن يوم الثلاثاء 11 سبتمبر.
كذلك خرجت تصريحات حملت شيئاً من رسائل التهدئة، حيث قال المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، إنَّ «تطهير المحافظة من المتطرفين في يد تركيا».
وأضاف في تصريحات لوكالة رويترز: «نقول إنَّ الوضع في إدلب ينبغي تسويته، ونُفضِّل حدوث ذلك بطريقةٍ سلمية، ومن الممكن عدم استخدام القوة العسكرية. فتركيا مسؤولةٌ نوعاً ما عن محافظة إدلب، وتقع على عاتقها مسؤولية فصل المعارضين المعتدلين عن المتطرفين المنتمين إلى جبهة النصرة والجماعات الإرهابية الأخرى».
ورأى لافرنتييف في وقتٍ سابق من الأسبوع الجاري أنَّه لا يزال من الممكن التوصُّل لحلٍّ سلمي في إدلب، وقال أيضاً إنه من «من الممكن الامتناع عن استخدام القوة العسكرية».
وأعطت تصريحات المبعوث الروسي نبرة مختلفة عن تلك التي استخدمها بوتين في قمة طهران، حيث رفض وهو على طاولة واحدة مع أردوغان، طلب الأخير إعلان هدنة في المحافظة السورية.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية: «لا علم لنا بأي اتفاق يتعلق بوقف إطلاق النار، لكنَّ وقف التصعيد العسكري من جانب نظام الأسد سيكون تطوراً جديراً بالترحيب».
تركيا تعزز مواقعها
وتتشارك الحكومات الغربية الرأي بأنه لا يجب أن تظل محافظة إدلب ملاذاً لمن تصفهم بـ»الإرهابيين، في إشارة إلى «تحرير الشام»، لكنَّهم يخشون من آثار الهجوم، دون أن يعرضوا بديلاً للهجمة العسكرية التي ينويها النظام. وقد أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستتدخَّل في إدلب ما إن استخدمت قوات الأسد أسلحةً كيماوية.
وفي الآونة الأخيرة كانت تركيا تقوِّي مواقعها في المحافظة بالمزيد من الجنود والدبابات وتحشد قواتها عند الحدود، بعد أن خاضت محادثاتٍ الأسبوع الماضي في طهران مع القوَّتين الرئيسيتين الداعمتين للأسد، إيران وروسيا.
وتشير صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن هنالك عدة مصالح أجنبية تُعقِّد من الحلقة الأخيرة في حرب شمالي سوريا، لكنَّ المخاطرة أعلى بشكلٍ خاص بالنسبة لتركيا، إذ يسكن في إدلب ما يقدَّر بثلاثة ملايين سوري، وينتاب تركيا قلقٌ بأنَّ شنَّ هجمةٍ عسكرية قد يدفع الكثيرين منهم تجاه حدودها. وبإبقائها على موطئ قدم في إدلب، وتهدف تركيا كذلك للاضطلاع بدورٍ في تشكيل السياسة في سوريا ما بعد الحرب وفي إعادة بناء اقتصادها المهشَّم.
والهجمة التي يُنتظَر أن يشنُّها نظام الأسد على إدلب، من شأنها أن تضع روسيا وتركيا على طرفي نقيضٍ من النزاع في سوريا، فيما يستعد سلاح الجو الروسي لاستهداف مناطق تتمركز فيها قواتٌ تركية.
ومع ذلك، يقول دبلوماسيون غربيون إنَّ نشوب مواجهةٍ عسكرية مباشرة بين روسيا وتركيا أمرٌ مستبعد بحسب ما يبدو.
وقال مسؤول تركي رفيع، لوكالة الأنباء الفرنسية، أمس الجمعة: «أعتقد أن أي هجوم لن يحصل قبل بضعة أسابيع»، فيما قال عبدالوهاب عاصي، المحلل بمركز جسور المتخصص في الشؤون السورية، إن الخلافات التي شهدتها قمة طهران «تدفع إلى استبعاد حصول هجوم وشيك، أقلّه حتى نهاية العام (2018)».
وبحسب عاصي، فإن المحادثات الروسية-التركية قد تفضي إلى تسوية باستبدال الهجوم على إدلب بـ«عملية عسكرية محدودة أو ضربات محددة الأهداف» ضد «هيئة تحرير الشام»، وتعديل حدود منطقة خفض التوتر، بهدف إبعاد الفصائل المعارضة عن بعض المناطق فيها.
علاقات أكبر من إدلب
ويوجَد بين روسيا وتركيا تعاونٌ دبلوماسي وقد أسَّسا معاً، ومعهما إيران، مناطق خفض تصعيد -كما يُطلَق عليها- عبر الأراضي السورية، ومن بينها إدلب. ولم تعزِّز تركيا عدد وعِتاد قوَّاتها المحدود في نقطتيّ المراقبة قرب جسر الشغور غربيّ إدلب المتوقَّع أن تتعرَّضا للهجوم أولاً.
وقالت أسلي أيدنتسباس، وهي خبيرةٌ بالشأن التركي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «أعتقد أنَّ الروس ليسوا راضين عن الموقف التركي، لكنَّهم كذلك يقدِّرون علاقتهم بها لدرجةٍ لا أعتقد أنَّهم يريدون المخاطرة بها كلاً».
وتقول روسيا إنَّ «مقاتلي الميليشيات المتطرِّفين في إدلب يشكِّلون خطراً على قواتها في سوريا، ومن بينها الطائرات الحربية بدون طيَّار». وكي تتطرَّق لمخاوف كتلك، عرضت تركيا خطةً لإجلاء المعارضين إلى مناطق وسيطة في عفرين وجرابلس وتشرف عليها جماعاتٌ تعتبرها أنقرة معتدلة.
مشكلة أمام الأسد
وسيكون أمام الأسد تحدٍّ كبير في حال شن الهجوم على إدلب، إذ ذكر تقرير”ديلي بيست”، نقلاً عن قادةً عسكريين في المعارضة السورية، أنَّ النظام لديه قواتٌ برية قوامها 25 ألف جندي في محيط إدلب، وحشد تعزيزاتٍ قدرها 5 آلاف جندي على الأكثر.
لكنَّ التعزيزات شملت مُجنَّدين جدداً أُخِذوا من بعض قوات المعارضة التي هُزِمت في درعا بجنوب سوريا، لذا قد يكون ولاؤهم محل شك، وقال قادة المعارضة إنَّ ثُلث المجموعة الأولى من الجنود المائة الذين أُحضَروا من درعا سرعان ما انشقوا بعد حشدهم قرب الجبهة.
وتُعَد وحدة «قوات النمر» واحدةً من أكثر الوحدات القتالية فاعلية في مؤسسة الأسد الأمنية، وتضم نُخبةً من أفضل المقاتلين تحت قيادة سهيل الحسن، وهو عميدٌ في الجيش السوري، لكنَّ هذه القوة أُعيد نشرها شرقاً في مدينة تدمر القديمة التي دمرتها الحرب.
النظام يستعين بمقاتلين قد يكون ولاؤهم محل شك لخوض معركة إدلب
مهمة صعبة لتركيا
ويرتكز في إدلب ما يقدر بـ10 إلى 15 ألف مقاتل من جماعاتٍ تعدُّها روسيا، وتركيا، والولايات المتحدة معاً إرهابية. وهي كذلك قاعدةٌ لعشرات الآلاف غيرهم من المقاتلين الأقرب للاعتدال من مناهضي الأسد المدعومين من قبل تركيا.
ولم تقل تركيا بعد كيف تنوي أن تُقنِع فصائل مناهضة للأسد، مِن أمثال هيئة «تحرير الشام» المتطرفة بنزع السلاح. قد فشلت المحاولات السابقة لتحقيق هذه الغاية، وتُسبِّب الهجمة المُحدقة احتكاكاتٍ بين المقاتلين بعضهم بعضاً.
ويقدِّر عدة مسؤولين غربيين يراقبون الوضع في سوريا أنَّ هناك بضعة آلاف من المقاتلين «رافضي المساومة» في إدلب ممَّن سيرفضون أي إخلاءٍ للمحافظة.
وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، احتجزت فصائل من المعارضة عدداً متنامياً من المقاتلين أبدوا استعداداً للتفاوض أو الإخلاء، وهذا وفقاً لناشطٍ معارض مقيمٌ بالمنطقة الحدودية قرب تركيا، تحدث لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقال الناشط إنَّ اندلاع احتجاجات شعبية نادرة الحدوث الأسبوع الماضي ضد الهجمة المرتقبة أجبر هيئة «تحرير الشام»، على تخفيف موقفها تجاه سكَّان المدينة المحليين.
وفي رسالةٍ نُشِرَت على الشبكات الاجتماعية، حثَّ قياديٌّ بالجماعة، وهو أبوعكرمة الأردني، أتباعه على أن يكونوا ألطف مع مواطني إدلب. وقالت الرسالة: «لا نريد أن يُذاع في الإعلام الغربي أنَّ الشعب يعارضنا، وأنَّ الناس أسقطوا لواءنا وداسوه بالأقدام».
وفي شهر أغسطس/آب، صنَّفت تركيا الجماعة باعتبارها منظمة إرهابية، عقب خطواتٍ مماثلة اتخذتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة في وقتٍ سابق من العام الجاري.
محاولة جديدة لتجنب الكارثة
وأمام هذا الوضع المعقد لمحافظة إدلب، سيجتمع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مرة جديدة في مدينة سوتشي الروسية يوم الإثنين المقبل 17 سبتمبر 2018.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في وقت سابق، إن أردوغان وبوتين سيجريان محادثات بشأن الأزمة السورية يوم الإثنين، دون أن يخوض في التفاصيل.
ويبدو أن هذا اللقاء يهدف إلى محاولة الطرفين التوصل إلى اتفاق يجنِّب إدلب معركة كارثية،
وقال أوغلو إن تركيا تنتهج السياسة الأكثر وضوحاً في سوريا على وجه العموم ومحافظة إدلب بشكل خاص، وهي تريد السلام والحل السياسي في سوريا.
وأوضح أن بلاده تبذل جهوداً حثيثة على مستويات مختلفة من أجل وقف الهجوم على إدلب وأنها تناقش هذه المسألة مع جهات أخرى.
وأضاف: «مستعدون للتعاون مع الجميع في مكافحة المنظمات الإرهابية، ولكن ليس من الإنسانية والصواب أن يُقتل المدنيون والنساء والأطفال دون أي تمييز، تحت ستار مكافحة المنظمات الإرهابية؛ لأنه لا يمكننا إحلال الأمن والسلام بهذا الشكل».