بين مكالمتين مع أردوغان.. ترامب “ينسحب من سوريا” ثم يتراجع
في غضون شهرين، تحول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من مرحلة “الانتصارات التاريخية ضد تنظيم داعش وإعادة شبابنا العظماء” من سوريا إلى حديث عن أمور أكثر تعقيدا.
ومؤخرا، خرجت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، في تحول جزئي مفاجئ، تتحدث عن إعلان الولايات المتحدة قرارها إبقاء 200 جندي أمريكي في سوريا.
وتم إعلان القرار الأمريكي الجديد بعد أن تحدث ترامب هاتفيا إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال بيان للبيت الأبيض إن الزعيمان اتفقا على “مواصلة التنسيق بشأن إقامة منطقة آمنة محتملة (..) ستبقى مجموعة صغيرة لحفظ السلام من نحو 200 في سوريا لفترة من الوقت”.
وتذكَر هذه المكالمة الهاتفية التي سبقت الإعلان الأمريكي الأخير بمكالمة شبيهة سابقة، أجريت في ديسمبر الماضي، وأعلن بعدها رئيس الولايات المتحدة سحب القوات الأمريكية الموجودة هناك، وعددها 2000 جندي، قائلا للرئيس التركي جملة “هي لك”، في إشارة إلى سوريا.
وما بين المكالمتين، يبدو أن إعلان النصر القريب أو طويل المدى على تنظيم داعش بعيد المنال.
فبعد أن كان من المتوقع مغادرة جميع القوات الأمريكية سوريا بحول نهاية أبريل المقبل، تغيرت الخطة.
وقال مسؤول بالإدارة الأمريكية إن بلاده ستبقي على نحو 200 جندي في قاعدة التنف في سوريا، إضافة إلى قوة لحفظ السلام من 200 جندي بشمال شرق سوريا.
وقال ترامب للصحفيين، الجمعة، إن قراره بالإبقاء على عدد محدود من القوات في سوريا لا يعني تغييرا فيما أعلنه في ديسمبر.
وهذا الأمر أكده جنرال أمريكي، بقوله: “لا تغيير في الحملة الرئيسية في سوريا، لكن جرى تعديل الموارد بسبب تغير التهديد”.
في المكالمة الأولى بين ترامب وأردوغان، التي جاءت بتاريخ 14 ديسمبر، اتفق الرئيسان على أن تنظيم داعش قد هُزم.
وأضاف أردوغان “الجيش التركي قوي بحيث يمكن أن يتولى أي جيوب مسلحة متبقية. لماذا لا يزال حوالي 2000 جندي أميركي هناك؟”، في إشارة إلى المنطقة الواقعة شرق الفرات في سوريا.
فقال ترامب “تعرف ماذا؟ هي (سوريا) لك، أنا سأغادر”.
لكن ما يحدث على أرض الواقع حاليا يغاير حديث أردوغان، فقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أميركيا، تخوض وحدها معركة آخر جيوب داعش في بلدة الباغوز.
وفي المقابل، لم يفعل أردوغان شيئا تجاه الخطر الداعشي الذي لا يزال قائما، بل لم يمل ومسؤولوه من إطلاق التهديد والوعيد باتجاه وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية.
وأمام هذه التهديدات القائمة، وعلى خلفية دعم تركيا لصعود داعش ووصفها بـ”طريق الإرهاب السريع”، بعد تسهيلها لدخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق للانضمام لداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، دعا قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى بقاء قوة دولية، يتراوح عدد أفرادها بين ألف و1500 جندي، للمساعدة في قتال داعش.
وفي نفس الوقت، عبرت تركيا عن رغبتها في إنشاء منطقة آمنة بدعم لوجيستي من حلفائها من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة، وتقول إنه يجب تطهيرها من وحدات حماية الشعب الكردية التي تعدها تنظيما إرهابيا.
وبالفعل، أكد بيان البيت الأبيض أن مكالمة ترامب وأردوغان الثانية تطرقت إلى “مواصلة التنسيق بشأن إقامة منطقة آمنة محتملة”.
ويضرب ترامب بموافقته على المنطقة الآمنة عصفورين بحجر واحد، فهو يلبي دعوة حليفه في القتال ضد داعش (قوات سوريا الديمقراطية) لحمايتهم من تركيا، وفي نفس الوقت يتغلب على الانتقادات التي وجهت له بأنه أمر بانسحاب مفاجئ من سوريا يمكن أن يؤدي إلى أن يستعيد تنظيم داعش المتشدد قوته.
ومن شأن الإبقاء على مجموعة صغيرة من الجنود الأميركيين في سوريا أن يمهد الطريق ليتعهد حلفاء أوروبيون بالمساهمة بمئات الجنود للمساعدة في إقامة منطقة آمنة محتملة في شمال شرق سوريا ومراقبتها.
ونقلت رويترز، الجمعة، عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية تعليقه على قرار ترامب الأخير، بقوله: “هذا توجيه واضح لحلفائنا وأعضاء التحالف إلى أننا سنظل موجودين بدرجة ما”.
وبالإضافة إلى شمال شرق سوريا تحدث مسؤولون عن أهمية الإبقاء على قوات في قاعدة التنف الاستراتيجية على الحدود مع العراق والأردن، حيث رصدت تقارير أميركية هروب مقاتلين لداعش من سوريا إلى العراق.
وقال مسؤول أميركي، طلب عدم نشر اسمه، إن الخطة الأولية هي الاحتفاظ بقوات في شمال شرق سوريا والتنف. وأضاف أن التخطيط لا يزال جاريا وقد تطرأ تغييرات.
وأنشئت قاعدة التنف حين سيطر مقاتلو داعش على شرق سوريا المتاخم للعراق. لكن منذ إخراج المتشددين أصبح للقاعدة دور ضمن الاستراتيجية الأميركية لاحتواء التوسع العسكري الإيراني.