“بيل جيتس صنع كورونا”.. لماذا يمثل الرافضون للقاحات خطراً علينا جميعاً، ومن أين جاؤوا بهذه الأفكار؟
حين أنجبت سوزان طفلةً، لم تكن تُخطِّط لإعطائها اللقاحات، ولم ترَ الأمر غير طبيعي، فأغلب الأمهات في دوائرها لم يلقحن أطفالهن أيضاً، إنها جزء من تيار مجتمعي متزايد في العديد من الدول يقوده مناهضو اللقاحات.
قالت: “كان لديّ أصدقاءٌ يؤمنون بالشفاء الطبيعي، والطعام الصحي، وأن نكون نباتيين، ونأكل طعاماً نيئاً دون طهي. لم أكن أعتقد أن اللقاحات ضرورية”، ولم تكن وحدها في ذلك.
وبينما تتسابق فِرَق البحث حول العالم لاختراع لقاحٍ من فيروس كورونا المُستجَد، يتسابق المناهضون للقاحات أيضاً لإقناع الناس أنه سيكون خطيراً، حسبما ورد في تقرير بصحيفة The Guardian البريطانية.
20% من الأستراليين تلقوا لقاح إنفلونزا الخنازير
تتمتَّع أستراليا على سبيل المثال بسجلٍ متميِّز في التحصين المناعي. تتجاوز مُعدَّلات التغطية الوطنية في الأطفال نسبة الـ90% في المتوسِّط، مع بعض المناطق ذات التغطية المنخفضة. لكن هذا المُعدَّل أقل بين البالغين -حصل أقل من 1 من كلِّ خمسة أفراد على لقاح إنفلونزا الخنازير في 2009- والبالغون أكثر عُرضةً للإصابة بفيروس كورونا المُستجَد.
لذا فإن هناك مخاوف حقيقية من أن إقناع الناس بخطورة اللقاح سوف يعرقل الجهود المبذولة لإعطائه للناس. وبينما تواصل الجائحة التي أصابت الملايين وقتلت مئات الآلاف من الناس في التصاعد، تستغل حركة مناهضة اللقاحات الخوف والارتباك الناجمين عن الجائحة لنشر دعايتهم على نطاقٍ واسع.
مناهضو اللقاحات يولون اهتماماً خاصاً ببيل غيتس
تتضمَّن بعض نظريات المؤامرة فاقدة المصداقية التي وصلت إلى الإعلام السائد أن بيل غيتس، مؤسِّس شركة مايكروسوفت، هو جزءٌ من عصبةٍ عالمية، تشتمل على منظمة الصحة العالمية وكبرى شركات الدواء، وهي التي دشَّنَت فيروس كورونا المُستجَد من أجل السيطرة الاجتماعية، ويُروَّج أيضاً إلى أن الجيل الخامس لشبكات الهواتف المحمولة مسؤولٌ أيضاً عن فيروس كوفيد-19، وهي ادِّعاءاتٌ مفضوحة تماماً.
جَمَعَ فيلمٌ بعنوان Plandemic، يضم عالِمة فاقدة المصداقية تُدعَى جودي ميكوفيتس، العديد من نظريات المؤامرة اليمينية المُتطرِّفة والمناهضة للقاحات والتي تدَّعي أن مجموعةً من النخب كانت تستخدم كوفيد-19 ولقاحه المُحتَمَل لجني أرباحٍ من الناس والتحكُّم فيهم. انتَشَرَ الفيلم عبر العالم بسرعةٍ مُقلِقة، إذ وصل إلى 8 ملايين مشاهد على يوتيوب وتويتر وإنستغرام في غضون أكثر قليلاً من أسبوع.
لكن اللقاح قد يكون تذكرة خروج العالم من هذه الجائحة. تذكرة الخروج من أجل إعادة تشغيل الاقتصاد، والسفر، ومعانقة الناس بعضهم بعضاً. ماذا يحدث إن لم يأخذ ما يكفي من الناس اللقاح وإن بطلت هذه التذكرة؟ أصدر البروفيسور ستيفان ليفاندوفسكي، عالم النفس الأسترالي الذي يعمل بجامعة بريستول البريطانية، “كتيب نظرية المؤامرة – The Conspiracy Theory Handbook”، من أجل المساعدة في معركة “الصعود الضار لنظريات المؤامرة الرائجة بشأن كوفيد-19”.
من تأتي هذه الأفكار، ولماذا تشكل خطراً على بقية المجتمع؟
قال إنه ليس من قبيل المفاجأة أن الجائحة الحالية تمخَّضَت عنها نظريات مؤامرة تُبعِد بعض الناس عن اللقاح إذا ظهر بالفعل.
وأضاف: “حين يكون الناس خائفين ولديهم شعورٌ بفقدان السيطرة، وقتها تظهر أشياء مثل هذه لأن بعض الناس يُصدِّقون نظريات المؤامرة التي تمنحهم شعوراً بالارتياح. إنها أسهل نفسياً”.
هناك أكثر من 100 لقاح مُحتَمَل قيد التطوير. وسوف يحتاج على الأقل 60% من الناس لأخذ اللقاح للوصول إلى مستوى متدنٍ من “مناعة القطيع” -وهو حدٌّ حرِج للإبقاء على الفيروس في إطار عددٍ يمكن التحكُّم به. وهناك عوائق أمام كلِّ ذلك.
الدكتور رود بيرس هو رئيس ائتلاف التحصين المناعي، وهو منظمةٌ غير ربحية تقوم بإعداد نقاشاتٍ لتحديد كيفية التأكُّد من أن الأستراليين مُتقبِّلون للقاح. قال بيرس: “هل سيثق الناس به؟ هناك الكثير من القصص الزائفة حول ما سيتضمَّنه الأمر. هناك الكثير من الجدل والتعقيد”.
ماذا لو احتجت ثلاث جرعات من اللقاح حتى يتمَّ تفعيل عمله؟ ماذا لو لم تدُم المناعة واحتجت جرعة اللقاح مرتين سنوياً؟ ماذا لو لم يكن فعَّالاً تماماً؟ من سيأخذ اللقاح أولاً؟ وهل سيسعد الناس بإعطائه لأطفالهم؟ هل ستحصل عليه الدول الغنية أولاً، أو العاملون في الخطوط الأمامية في مواجهة الفيروس؟ هل هناك حتى ما يكفي من الجرعات التي يمكن إعطاؤها للناس؟
قال بيرس: “حتى الآن حصلنا على جميع الأسئلة، لكن في المقابل عدد قليل جداً من الإجابات”. رغم ذلك يرى بيرس طريقاً يمكن المُضيّ فيه قُدُماً.
قال: “نعتقد أنها استراتيجية تمتد من 12 إلى 18 شهراً… دعونا نأمل أن تحصل أستراليا على لقاحٍ بحلول ذلك الوقت”.
وأضاف: “ما الذي يتعيَّن علينا لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ؟ نحن بحاجةٍ إلى شفافيةٍ واستعدادٍ للمشاركة. نحتاج أيضاً أن نُشجِّع الناس على طرح الأسئلة”.
هناك مشكلة أكبر من مناهضي اللقاحات
البروفيسورة جولي ليسك من أبرز خبراء أستراليا في مجال توزيع اللقاحات. وتُعَدُّ جولي، وهي عالمةٌ اجتماعية بجامعة سيدني، جزءاً من محادثاتٍ وطنية وعالمية عن قبول ورفض اللقاحات.
تقول إنه بينما تُعتَبَر المعلومات المُضلِّلة على الإنترنت مشكلةً، يُعَدُّ الواقع أعقد بكثير.
تتحدَّث جولي عن قبول اللقاح باعتباره هرماً من خمس طبقات. في القاعدة، هناك الجزء الأوسع، حيث الناس الذين سيأخذون اللقاح. ثم هناك طبقات أصغر بشكلٍ متصاعد، لكنها أكثر مقاومةً لأخذ اللقاح. هناك “المُتقبِّلون الحذِرون”، ويتبعهم “المُقبِّلون الانتقائيون”، الذي ربما يقبلون بعض اللقاحات لكن يرفضون أخرى. وفي القمة الحادَّة لهذا الهرم، هناك الرافضون، أي أولئك الذين لن يقبلوا أخذ اللقاح. جزءٌ من هذه المجموعة الصغيرة هم نشطاءٌ مناهضون للقاحات.
تضم هذه المجموعة الفرعية أشخاصاً مثل بِت إيفانس، نجم برنامج My Kitchen Rules، الذي انهالت عليه انتقاداتٌ شديدة بسبب معارضته غير العلمية للقاحات. وهناك “أشخاصٌ مؤثِّرون”، بمن في ذلك مشاهير ونجوم رياضة ونشطاءٌ على الشبكات الاجتماعية يستخدمون شهرتهم من أجل زرع الشكوك حول اللقاحات.
قالت جولي: “إنهم محاربون من وراء لوحة مفاتيح أجهزتهم الحاسوبية، يكتبون عليها ليلاً ونهاراً”. لكنها أضافت أنهم يمثِّلون جزءاً بسيطاً من المشكلة.
تقلق جولي بشكلٍ أكبر بشأن العوائق التي تحولُ دون وصول اللقاحات للناس، وبالأخص العائلات التي تكافح من أجل الحصول على اللقاحات، لأنهم في بلدةٍ ريفيةٍ بدون أطباء، أو الآباء الذين يكافحون من أجل أن يجري أحد أبنائهم عمليةً جراحية. هناك الكثير من الناس المُستبعَدين اجتماعياً، أو الذين يمثِّل فقرهم مشكلةً أكثر إلحاحاً. وتقلق جولي أيضاً من أن يصبح التركيز على الحركة المُتطرِّفة المناهضة للقاحات بمثابة إلهاءٍ عن الأسباب الأعمق وراء عدم حصول العائلات على اللقاحات.