بومبيو يخلط بين الدبلوماسية والسياسة الحزبية في رحلته للشرق الأوسط
ربما تكون المرة الأولى التي يستغل فيها وزير خارجية أمريكي منصبه بشكل مباشر وصريح لتعزيز فرص إعادة انتخاب الرئيس فترة ثانية، والحديث هنا عن مايك بومبيو وترامب؛ فما قصة تلك الزيارة لإسرائيل والإمارات والسودان وعلاقتها بمؤتمر الحزب الجمهوري؟
نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية تقريراً بعنوان: “في رحلة إلى الشرق الأوسط، بومبيو يخلط بين الدبلوماسية والسياسة الحزبية”، تناول ذلك الخلط “غير الأخلاقي” بين العمل الدبلوماسي والمصالح الحزبية.
زيارة أثارت جدلاً
مع هبوط طائرة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في إسرائيل الإثنين، 24 أغسطس، في بداية جولة في الشرق الأوسط وُصِفَت بأنها محاولةٌ لتعزيز السلام والأمن الإقليميين، كانت الزيارة تثير جدلاً بالفعل.
وأعلن بومبيو أنه سوف يستخدم القدس كخلفية لخطابٍ يلقيه في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، مخالفاً بذلك أحد المحظورات القديمة التي تمنع الخلط بين المهمات الدبلوماسية والسياسة الحزبية.
بالنسبة للرئيس ترامب، ولا سيما أنصاره من المسيحيين الإنجيليين، هناك القليل من الأماكن التي تحمل صدى مدينة القدس التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 والتي تنص القرارات الدولية على أنها أراض محتلة ويطالب الفلسطينيون بأن يكون الشطر الشرقي منها عاصمة لدولتهم.
كتب بومبيو على تويتر: “أتطلَّع لمشاركتكم كيف تتمتع أسرتي بمزيد من الأمان والأمن بفضل الرئيس ترامب”. وأضاف: “أراكم جميعاً ليلة الثلاثاء!”، واختتم منشوره برمزٍ تعبيري للعلم الأمريكي، وبعد وقت قصير من هبوطه في إسرائيل، اجتمع بومبيو برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
ترامب انتهك القانون الدولي والسياسة الأمريكية
كان أحد إجراءات السياسة الخارجية للرئيس ترامب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل في عام 2017، ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إليها بعد بضعة أشهر، في انتهاك لعقود من السياسة الأمريكية والإجماع الدولي.
ونظراً لظهور تساؤلات حول مدى ملاءمة الخطاب المقرر الذي سيلقيه بومبيو في المؤتمر الذي بدأ أمس الإثنين 24 أغسطس، في مدينة شارلوت بولاية نورث كارولينا، أوضحت وزارة الخارجية أن بومبيو سوف يلقي خطاباً في المؤتمر “بصفته الشخصية”.
وقالت وزارة الخارجية: “لن تستخدم أي مصادر من وزارة الخارجية. ولا يشارك الموظفون في إعداد هذه التصريحات أو في الاستعدادات الخاصة بظهور وزير الخارجية بومبيو. ولن تتحمل وزارة الخارجية أي تكاليف مقترنة بهذا الظهور”.
استغلال القدس في الانتخابات الأمريكية
يأتي ذلك بينما وصفت ويندي ر. شيرمان، التي شغلت منصب وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية في إدارة أوباما، خطة تسجيل الخطاب في القدس بأنها “غير مسبوقة وخاطئة”.
كتبت شيرمان على تويتر: “في وقت أصبح فيه السلام والأمن في الشرق الأوسط على هذا القدر من الصعوبة، لا ينبغي أن تكون القدس بمثابة دعامة للمؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، ولا ينبغي لوزير الخارجية أن يشوّه سمعة منصب وزير الخارجية”.
تصرف “غير أخلاقي”
ووصفت هالي سويفر، المديرة التنفيذية للمجلس الديمقراطي اليهودي في أمريكا ومستشارة الأمن القومي السابقة للسيناتور كامالا هاريس المرشحة الديمقراطية لمنصب نائب الرئيس، التصريحات المقرر إلقاؤها بأنها “غير مسبوقة وغير أخلاقية إلى حد كبير”، مضيفةً في تصريح لها أن “ترامب يستخدم إسرائيل مجدداً لتحقيق مكاسب سياسية”.
بالنسبة لكلٍّ من بومبيو ونتنياهو، ستسلط هذه الزيارة الضوء على الضربة الدبلوماسية الأخيرة الناجحة التي أسفرت عن التوصل إلى اتفاق، نجح بوساطة إدارة ترامب، لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية، للموافقة على إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل.
وفي خطاب تلفزيوني مساء الأحد، 23 أغسطس، ظهر نتنياهو في وضع الاستعداد لخوض الحملة من أجل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، التي قد تجري في غضون بضعة أشهر، وقال إن هذه الاتفاقية قد أتاحت “حقبة جديدة من السلام في الشرق الأوسط” وإنه سيناقش “توسيع دائرة السلام”، في اجتماعه مع بومبيو.
قال نتنياهو، رئيس حزب الليكود المحافظ: “نحن نعمل على تحقيق السلام مع دولٍ أخرى”، مضيفاً: “وفي تقديري، سوف تكون هناك دول أخرى. في المستقبل غير البعيد، سوف ننعم بالسلام مع دولٍ أخرى”.
تتضمن جولة بومبيو التي تستغرق أربعة أيام محطات مخطط لها في الإمارات العربية المتحدة، إضافةً إلى السودان والبحرين، وهما دولتان أخريان أظهرتا دلائل تشير إلى تحسن العلاقات مع إسرائيل.
قالت وزارة الخارجية في بيان لها إن بومبيو سوف يلتقي في السودان برئيس الوزراء عبدالله حمدوك وعبدالفتاح البرهان، القائد الأعلى للبلاد، من أجل مناقشة الدعم الأمريكي المستمر للحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون، ومن أجل “الإعراب عن دعمه لتعميق العلاقات بين السودان وإسرائيل”.
وورد في البيان أن: ” التزام الولايات المتحدة بتحقيق السلام والأمن والاستقرار في إسرائيل والسودان وتحقيقه بين دول الخليج لم يكن أبداً أقوى مما هو عليه في ظل قيادة الرئيس ترامب”.
وفي القدس، قال بيان لوزارة الخارجية إن بومبيو سوف يناقش “القضايا الأمنية الإقليمية المرتبطة بالنفوذ الإيراني الخبيث، وتأسيس وتعميق علاقات إسرائيل في المنطقة، إلى جانب التعاون في حماية الاقتصادين الأمريكي والإسرائيلي من المستثمرين السيئين”. ومن المقرر أن يجتمع بومبيو أيضاً بوزير الدفاع بيني غانتس ووزير الخارجية جابي أشكنازي، وكلاهما من ائتلاف أبيض أزرق الوسطي.
تحركات لأغراض انتخابية ولا عزاء للسلام
يمكن أن يكون التداخل بين السياسة الأمريكية والإسرائيلية محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لكلا الجانبين، ويمكن أن يوجِّه خطاب بومبيو في مؤتمر الحزب الجمهوري ضربة أخرى للعلاقات الدولية، بالإضافة إلى إضعاف الدعم الذي تحصل عليه إسرائيل من الحزبين وتعتبره منذ فترة طويلة أحد أصولها الاستراتيجية.
منذ البداية، كانت علاقة نتنياهو بالرئيس باراك أوباما متوترة، كما اتُّهم بالتدخل في الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2012 من خلال دعم المنافس الجمهوري ميت رومني في القدس.
قبل اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل، كانت الولايات المتحدة تصرّ لفترة طويلة على تسوية وضع المدينة في المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. يطالب الفلسطينيون بأن يكون النصف الشرقي من المدينة، الذي احتلته إسرائيل من الأردن عام 1967، عاصمةً مستقبلية لدولة مستقلة. لكن نتيجة لخطوة الاعتراف، حدّ الفلسطينيون من علاقاتهم مع إدارة ترامب ورفضوا خطة ترامب لحل الصراع في الشرق الأوسط، والتي يرون أنها منحازة لإسرائيل.
وفي تجمع انتخابي حاشد جرى مؤخراً في مدينة أوشكوش بولاية ويسكونسن، شجع ترامب نقل السفارة إلى القدس، قائلاً: “هذا من أجل المسيحيين الإنجيليين”، وأضاف: “الإنجيليون متحمسون لذلك أكثر من الشعب اليهودي نفسه، هذا صحيح، إنه أمر لا يصدق”.