بومبيو وبولتون.. آخر المنضمين لإدارة ترمب يعاديان المسلمين، ومحللون: الخارجية ستُصنِّف الإخوان جماعةً إرهابيةً
بعد ما يقرب من شهرين من تفجير ماراثون بوسطن، وقف مايك بومبيو، الذي كان حينها عضواً في الكونغرس عن ولاية كانساس، ليدين قادة المسلمين الأميركيين، لما سمَّاه “صمتهم” في وجه هذا الهجوم الإرهابي البشع.
وقال بومبيو حينها، وهو يقرأ من ملاحظاتٍ مكتوبة: “الصمت يشي بإمكانية توتر هؤلاء القادة المسلمين في أنحاء أميركا في تلك الهجمات”.
ورغم مزاعم بومبيو، كانت أكثر من 6 منظمات إسلامية في أميركا قد أصدرت بياناتٍ أدانت فيها التفجير خلال ساعات من الهجوم. وفي الأيام التي أعقبت الهجوم، نظَّمت مجموعات إسلامية مؤتمرات صحفية، وحملات تبرع بالدم وصلوات. وقد أُخطِر بومبيو مباشرة بأنه مخطئ في استنتاجه، ولكنه لم يعتذر أو يرد على المجموعات الإسلامية التي ساءتها ملاحظاته، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.
وقد اختار الرئيس الأميركي بومبيو، الذي يرأس حالياً وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ليحل محلَّ ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية. ويواجه بومبيو ما يتوقع أن يكون جلسة استماع سهلة نسبياً في مجلس الشيوخ. غير أن العديد من الأصوات قد تصاعدت، مُحذِّرةً مما يقولون إنه سجل بومبيو الحافل بالتصريحات المناهضة للمسلمين وصلاته بجماعات معادية لهم. ومن بين الأصوات التي تدعو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس إلى إمعان النظر في تعيين بومبيو جماعات حقوقية أميركية مسلمة ومسيحية ويهودية، مثل الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، وكذلك مسؤولون سابقون في الخارجية الأميركية.
سجل من التصريحات المثيرة ضد المسلمين
وفي هذا السياق قال شون كيسي، المدير السابق لمكتب الخارجية الأميركية للشؤون الدينية والدولية في إدارة أوباما: “ما يقلقني هو أن بومبيو لديه سجل من التصريحات المرعبة وغير الدقيقة والمُتعصِّبة، وكذلك صلات بجماعات مناهضة للمسلمين في أنحاء العالم”.
وتساءل كيسي عما إذا كان بومبيو بما لديه من سجل حافل يمكن أن يعد “ممثلاً ذا مصداقية” لعشرات الدول ذات الأغلبية المسلمة، التي سيكون عليه أن يتواصل معها على الصعيد الدبلوماسي، بحسب الصحيفة الأميركية. وقد أثارت جماعاتٌ مسلمة ويهودية مخاوفَ مشابهة حول جون بولتون، الذي وقع عليه اختيار ترامب ليشغل منصب مستشار الأمن القومي، الذي كان سفيراً سابقاً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة.
ولكل من بولتون وبومبيو صلاتٌ بأفرادٍ وجماعاتٍ تروِّج لمنظورٍ عالمي يعتبر الإسلام أيديولوجيا سياسية، تتغلغل في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، بغرض تطبيق الشريعة الإسلامية، أكثر من كونه مجرد دين. وتؤمن تلك الجماعات أن المحرك لهذه الحركة هو جماعة الإخوان المسلمين، وتزعم أن المساجد الأميركية وكل ما هو مسلم من المنظمات والقيادات المدنية الأميركية، بل حتى المسؤولون الحكوميون محل اشتباه لأن يكونوا عملاءً لجماعة الإخوان، بحسب الصحيفة الأميركية. وحين كان بومبيو عضواً في الكونجرس، نظَّم جلسة استماع لإحدى هذه الجماعات وتُسمى “آكت فور أميركا” في الكونغرس، وقد سبق أن احتجت الجماعة على إنشاء المساجد، وكذلك على المناهج المدرسية التي تحتوي معلومات عن الإسلام، وروَّجت لِسنِّ تشريعات “مناهضة للشريعة” في الولايات المختلفة.
وقد كتبت بريجيت غابرييل، مُؤسِّسة الجماعة، أن “الجوهر الصافي” للإسلام هو الذي يقف خلف الهجمات الإرهابية: “هذا ليس الإسلام الراديكالي، وإنما جوهر الإسلام نفسه”، بحسب الصحيفة الأميركية. أما بولتون فيرأس معهد جيتستون، وهو منظمة فكرية تنشر بانتظام مقالاتٍ على موقعها، تروِّج لفكرة أن الدول الأوروبية المذعنة، وخصوصاً بريطانيا، تنقاد خلف “الأسلمة” التي يُنفِّذها المهاجرون المسلمون العدائيون. وحين سُئِلَ بومبيو في جلسة تعيينه في منصب مدير الاستخبارات المركزية، في يناير/كانون الثاني الماضي، عما إذا ينوي التمييز ضد المسلمين، بسبب تصريحاته السابقة، كان رده أنه يؤمن بضرورة تنوُّع القوى العاملة في الوكالة، وبالتعاون مع الدول الإسلامية التي تقدم معلومات استخباراتية للولايات المتحدة. وفي بعض الأحيان بدا بولتون وكأنه يعبِّر عن رؤى أكثر تبايناً. ففي مقابلة له مع إذاعة هيرالد عام 2015، قال إن المقترح الذي قدَّمه ترامب، الذي كان آنذاك لا يزال مرشحاً للرئاسة، لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة “في غير محله على الإطلاق”، بحسب الصحيفة الأميركية.
“جهاد مقنَّع” من أجل “أسلمة” أميركا!
وقد ظهر بومبيو وبولتون مراراً في البرنامج الإذاعي لفرانك غافني، رئيس ومؤسس مركز سياسات الأمن، وهو مركزٌ فكري يرى أن المساجد والمسلمين في أرجاء أميركا جميعها مشاركة في “جهاد مقنع”، بهدف “أسلمة” البلاد من خلال استغلال التعددية والديمقراطية في أميركا. وفي بعض الأحيان كان بولتون يتفق مع غافني في بعض ما يورده من مغالطات. وحين اتُّهِمَت هوما عابدين، الأميركية المسلمة التي عملت مساعدة لهيلاري كلينتون، ظلماً، بأنها عضوةٌ سرية في تنظيم الإخوان.
قال بولتون في برنامج غافي، إنه لم يجد أيَّ مشكلة في إثارة الموضوع، حتى مع معارضة بعض أعضاء مجلس الشيوخ لذلك، بحسب الصحيفة الأميركية. وفي حلقةٍ أخرى عام 2015، قال غافني إن الرئيس باراك أوباما قد أبدى “نوعاً من الوداعة تجاه القضية التي ينخرط فيها المسلمون، وفيها يذبحون المسيحيين ويشوِّهون جثثهم؛ إن لم يكن مع هذه الممارسات نفسها”. ويرفض أغلب الخبراء فكرة أن المسلمين الأميركيين طابورٌ خامس من المخربين. فالمسلمون يشكلون أقل من 1% من سكان الولايات المتحدة وبعض المهاجرين يأتون إلى الولايات المتحدة هرباً من أنظمة الحكم الشمولية في الدول المسلمة؛ ومسألة تطبيق الشريعة ليست ضمن أجندتهم.
وقد أدان قادة المسلمين الأميركيين تنظيم الدولة، الذي هدَّدَهم بالقتل. وقال وائل الزيات، الذي عمل خبيراً في شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، وكبير المستشارين السياسيين لسامانثا باور، السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة، عن تعليقات بومبيو: “تخيل لو أن هذا الكلام قيل عن اليهود، أو عن الأميركيين من أصول إفريقية أو صينية. ومع ذلك، نحن نعيش في ظل حكم إدارة تكافئ الناس على رؤاهم، أو صلاتهم العنصرية، بأعلى المناصب في الحكومة”، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقد كتب بولتون، الذي كان أحد أشرس نقاد أوباما، مقدمة لكتاب من تأليف باميلا غيلر، وروبرت سبنسر عام 2013، يحمل عنوان The Post American Presidency: The Obama Administration’s War on America”. وقالت غيلر إن العلمانيين المسلمين فقط هم المعتدلون، وإن السماح للمصلين بالصلاة في المدارس الحكومية أو أماكن العمل يمكن أن يؤدي إلى “تحويل الولايات المتحدة إلى مسجد”. وقد قادت الحرب ضد بناء مسجدٍ بالقرب من موقع مركز التجارة العالمية. وقد أصدرت ست منظمات يهودية ليبرالية، الأسبوع الماضي، بياناً يحذر من تعيين بولتون ويصفه بالخطير. ومن بين نقاط الاعتراض لديها كان: “إن هذا الاستعداد لدعم التعصب ضد المسلمين ينتهك المبادئ الأساسية لليهودية والديمقراطية، التي تقوم على التسامح والمساواة والاحترام”، بحسب الصحيفة الأميركية.
احتمالية تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية
وتوقَّعَ العديد من المحللين أن يدفع بومبيو وبولتون في سبيل أن تعلن الخارجية الأميركية جماعةَ الإخوان جماعةً إرهابية أجنبية، وهو تصنيف يمكن أن يعني أن أي فرد أو منظمة يُتهم بالارتباط بها يمكن أن يخضع للتحقيق، ومصادرة الأصول، وغير ذلك من الإجراءات القانونية. وقد شارك بومبيو في رعاية التشريع الذي يصنف الإخوان جماعةً إرهابية، حين كان عضواً في مجلس الشيوخ. وحين أصبح مديراً للاستخبارات المركزية الأميركية، حذَّر محللون في الوكالة من أن تصنيف كهذا يمكن أن يكون مشورةً سيئة، حسبما نقل موقع Politico.
غير أنه كان لا يزال متحمساً لاتخاذ خطوة كهذه. وقال بولتون في البرنامج الإذاعي لغافني، في شهر يوليو/تموز الماضي: “لماذا لا تمضي الولايات المتحدة قدماً في إعلان الإخوان جماعةً إرهابيةً أجنبية؟”. وقال أرسلان سليمان -المبعوث الخاص بالوكالة لدى منظمة التعاون الإسلامي في ظل إدارة أوباما- إن إعلان الإخوان جماعة إرهابية سيكون أمراً مضللاً، لأن الجماعة باتت لها أشكال مختلفة في مدن متعددة. ففي مصر أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي الجماعة إرهابية، بعد أن استولى على السلطة من رئيس من أبنائها. أما في الأردن فلا تزال الجماعة تشارك في الحياة السياسية عبر الانتخابات، بحسب الصحيفة الأميركية. ويقول قيادات للمسلمين الأميركيين ومحللون سياسيون، إن حركة كهذه يمكن أن تستخدم لاستهداف المجموعات والجماعات الخيرية الإسلامية، حتى تلك التي تعمل لحماية الحقوق المدنية وضحايا جرائم الكراهية. وتصنف المجموعات المعادية للمسلمين في الولايات المتحدة مثل أيه سي تي، ومركز السياسات الأمنية، العديد من كبريات المنظمات الإسلامية الأميركية بأنها “جبهات” لجماعة الإخوان. غير أن التيار الرئيسي من الخبراء، الذين يتناولون المسلمين الأميركيين، يرون أن أياً من هذه الصلات مع الجماعة إما ضعيفة أو قديمة، عفى عليها الزمن، وأن ما يُبذل من جهد لتصنيف تلك المنظمات باعتبارها تابعة للجماعات الإرهابية يرقى إلى مستوى المكارثية الحديثة، بحسب الصحيفة الأميركية. وتقول فايزة باتل، المدير المساعد لبرنامج الحرية والأمن القومي في مركز برينان للعدالة في كلية الحقوق بجامعة نيويورك: “هذه مجرد طريقة أخرى لشيطنة تيار واسع من المسلمين الأميركيين”.