بوتين ينتهز فرصة لا تتكرر في تاريخ تركيا ليبسط نفوذه داخل حلف الناتو
يمنح الصراع السياسي التركي مع الولايات المتحدة وأزمة انهيار الليرة فرصةً ذهبية للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في محاولته لإبعاد دولة جيوسياسية رئيسية متأرجحة عن حلفائها الغربيين. لكنَّ الأمر قد لا يكون بهذه البساطة.
فعلى الرغم من إصلاح بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقات الدولتين، التي تأزمت عندما أسقطت تركيا طائرةً مقاتلة روسية في عام 2015، لا يستطيع زعيم الكرملين تقديم الكثير لتخفيف آلام أنقرة الاقتصادية، أو إقناع مالك ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالتخلي عن التحالف العسكري لتوثيق العلاقات مع موسكو.
ووفقاً لما قاله عضو لجنة شؤون الدفاع في مجلس الاتحاد الروسي فرانتس كلينتسيفيتش، لموقع “بلومبرج”، «تعد العلاقات مع تركيا بناءةً جداً اليوم. لكن، لا يوجد شيء دائم في السياسة، يمكن لأي شيء أن يتغير. نحن لا نثير آمالاً كاذبة مع حفاظنا على العلاقات بين الدولتين».
في تركيا أراضٍ تنتمي إلى أوروبا وأيضاً آسيا؛ لهذا كانت حصناً حيوياً لمنظمة حلف شمال الأطلسي ضد الاتحاد السوفييتي في أثناء الحرب الباردة. وهي تستضيف قاعدة جوية أميركية مهمة في إنجرليك، وتقدم بوابة إلى البحر الأسود للسفن الحربية الأميركية.
لذا في خضم المواجهة مع واشنطن، التي أثارت عقوباتٍ أميركية غير مسبوقة ضد أنقرة، حذر أردوغان يوم السبت 11 أغسطس 2018، من أنَّ التحالف الذي دام عقوداً يواجه خطراً، وأنَّ تركيا «قد تبدأ في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد».
العقوبات الأميركية فتحت الباب الخلفي لصفقات مع روسيا
مع اشتداد أزمة الليرة، تحدث أردوغان إلى بوتين عبر الهاتف يوم الجمعة 10 أغسطس 2018، وناقش بشكلٍ أساسي «التعاون التجاري والاقتصادي»،بحسب الكرملين. وأنهى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، زيارةً استغرقت يومين إلى تركيا الثلاثاء 14 أغسطس 2018، وشملت الزيارة مناقشاتٍ حول الصراعات في سوريا وأوكرانيا، وكذلك حول المشاريع الاقتصادية؛ وضمن ذلك خط أنابيب الغاز التركي ومشروع محطة الطاقة النووية في أكيوو، التي تعنى مؤسسة روساتوم الروسية ببنائها بتكلفة 20 مليار دولار.
وتغيُّر التحالفات يعني نقطة تحول في تاريخ العالم
وقال لافروف يوم الثلاثاء، بعد اجتماعه مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في أنقرة: «نشهد نقطة تحول في تاريخ العالم دون مبالغة» من هيمنة قوة واحدة إلى بيئة متعددة الأقطاب، و»تحدثنا عن هذا كثيراً». وقال إنَّ العقوبات «غير الشرعية» المفروضة على روسيا وتركيا جزء من محاولات الولايات المتحدة «للسيطرة في كل مكان، على كل شيء».
وقال بوتين لأردوغان إنَّ روسيا وتركيا «على وفاق» في محادثات الشهر الماضي (يوليو 2018)، عندما سلَّط الضوء على تعاونهما بسوريا. واتفقا في العام الماضي (2017)، على رفع معظم العقوبات التجارية المفروضة، بعد أن اتهم بوتين تركيا بأنَّها «طعنت روسيا في الظهر» عندما أسقط سلاحها الجوي الطائرة الروسية بالقرب من الحدود السورية. إلا أنَّ القيود على واردات الطماطم التركية التي تبلغ قيمتها ربع مليار دولار في السنة ظلت قائمة.
لن يترك أردوغان الناتو.. ولكن للصبر على أميركا حدود
وبحسب قول مدير مركز كارنيغي في موسكو، ديمتري ترينين، على «تويتر»، فإنَّ الضعف الاقتصادي الذي تعانيه تركيا يعني أنَّ الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، «من المحتمل أن يفوز هذه المرة»، وأضاف: «لن يترك أردوغان حلف الناتو. ومع ذلك، سيكون لنهج ترمب المشدد على الحلفاء عواقب وخيمة في إعادة تشكيل النظام العالمي».
وعززت محاولة الانقلاب في عام 2016 ضد أردوغان جهود إعادة بناء العلاقات مع موسكو، بعدما واجه الزعيم التركي انتقاداتٍ شديدة من الولايات المتحدة وحلفاء الناتو الآخرين؛ لقمعه عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين المزعومين. وعلى النقيض من ذلك، قالت تركيا إنَّ روسيا تقدم «دعماً غير مشروط».
في حين أدى قرار ترمب هذا الشهر (أغسطس 2018)، فرض عقوباتٍ على تركيا ومضاعفة تعريفة الصلب والألومنيوم، رداً على احتجاز أحد الدعاة الأميركيين الإنجيليين، إلى المزيد من التوترات.
وكذلك فعل تحذير واشنطن بأنَّه سيكون «من الصعب جداً إصلاح» العلاقات إذا ما سلَّمت روسيا أردوغان منظومة الدفاع الجوي «إس-400» المتقدمة.
ووصف أردوغان روسيا بأنَّها من بين البدائل المتاحة لتركيا في خضم الأزمة مع الولايات المتحدة. ويشير مراراً إلى بوتين بأنَّه «صديقي»، وأعرب عن امتنانه لروسيا لتسريع بيع منظومة الدفاع.
وبات وجوده في الناتو يخدم المصالح الروسية
في حين لا تعتمد روسيا على انسحاب تركيا من حلف الناتو، قال فلاديمير فرولوف، محلل السياسة الخارجية في موسكو والدبلوماسي الروسي السابق: «بالطبع، سنعزز الخلافات بين أردوغان والولايات المتحدة. وجود تركيا بعد تعرضها للإهانة داخل حلف الناتو يخدم مصالحنا لتقويض قدرات التحالف بصورةٍ أفضل».
لكن الروبل ليس في أفضل أحواله
وبعدما واجه الروبل أسوأ أسبوع له منذ انهيار النفط في عام 2015، ووسط تزايد المخاوف من فرض عقوباتٍ أميركية رداً على التدخل المزعوم في الانتخابات، لم تكن روسيا في وضعٍ جيد لمساعدة تركيا في الوقت الذي يحاول فيه بوتين تنشيط الاقتصاد، الذي يحاول الإفاقة من حالة الركود. وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، للصحافيين في مؤتمر عبر الهاتف يوم الإثنين 13 أغسطس/آب 2018: «لم ترد طلبات من أردوغان» للحصول على مساعدة اقتصادية.
وإعادة توجيه البوصلة التركية نحو الشرق فرصة لا تتكرر كثيراً
ومع ذلك، يقول مايكل إيفري، كبير مستشاري منطقة آسيا والمحيط الهادئ بشركة Rabobank، في تقرير، إنَّ تركيا على يقين بأنَّها بحاجة إلى خطة إنقاذ، وستكون خطوة كبيرة نحو «إعادة توجيه تركيا مادياً واقتصادياً وسياسياً، وحتى عسكرياً، إلى الشرق» في حال تلقت المساعدات من «أصدقائها الجدد» في روسيا أو الصين، وأضاف أنَّ «هذه الفرص تأتي مرة واحدة كل بضعة أجيال».
وقالت يلينا سوبونينا، وهي باحثة في الشرق الأوسط بموسكو: «لن تنقذ روسيا تركيا»، التي يتعين عليها حل مشكلاتها الاقتصادية، وأضافت أنَّ «مهمة روسيا لا تكمن في إنقاذ تركيا؛ بل في الحفاظ على علاقاتٍ طبيعية وصحية معها».