بوتين نجح في هدفه بزعزعة استقرار الولايات المتحدة
كان هناك الكثير من التَشَاحُن حول ماهية هدف فلاديمير بوتين بالضبط من التدخل في الانتخابات الأمريكية عام 2016. وخلصت أجهزة الاستخبارات إلى أنَّه فضَّل دونالد ترمب من أجل زعزعة استقرار نظام الحكم الأمريكي ، وترامب ألقى علناً بظلال الشك على ذلك، وسعى أعضاءٌ من إدارته بشكل منتظم إلى التشويش على ذلك.
بطريقةٍ ما، كل ذلك يُخطئ الهدف، حسب تقرير صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية لم يكن الدافع الأكبر بالضرورة يتعلَّق بترمب شخصياً؛ بل بزعزعة استقرار نظام الحكم الأمريكي. وقد جاء في بداية تقرير نُشر في يناير 2017، من داخل الاستخبارات الأمريكية، أنَّ «الجهود الروسية للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 تُمثِّل أحدث تعبير عن رغبة موسكو طويلة الأمد في تقويض النظام الديمقراطي الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة». أصبح ترمب، نتيجة أسلوبه المثير للجدل وميله إلى تدمير الأعراف المجتمعية، ببساطةٍ، الممر الأوضح -ويمكن القول إنه شبه المثالي- لتحقيق ذلك.
وقد اتَّضَح هذا الأسبوع، مدى النجاح الذي تحقَّق لبوتين.
نشعر كل أسبوع تقريباً كأننا نعبر ذلك النفق الذي لا رجعة فيه، لكن هذا الأسبوع اجتزنا الغالبية العظمى منه. طالب الرئيس الأميركي، علناً، المدعي العام بوقف التحقيق في مزاعم التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية الأميركية. احتدمتالتوترات بين الرئيس ترمب والإعلام في اثنتين من المسيرات المؤيدة لترمب، وبدا أن البيت الأبيض يضاعف حملته الناشئة لوصم الإعلام، ليس فقط بترويج «الأخبار الكاذبة»، لكن أيضاً ببأنه «عدو الشعب الأميركي». يبدو أنَّ عدداً متزايداً من أنصار ترمب في تلك المسيرات يتبنون نظرية مؤامرة غريبة على نحوٍ خاص ولا أساس لها وخطيرة تُعرف باسم «QAnon»، والتي قد تنفجر قريباً، من خلال تغريدة واحدة فقط من رئيسنا المُنظِّر لتلك نظرية.
قررت قطاعاتٌ كبيرة من البلاد أنَّ ترمب مذنب بالتواطؤ وعرقلة العدالة. وقرر كثيرون أيضاً أنَّه مَدين بالفضل لبوتين؛ إذ إنَّ الرئيس الروسي لديه معلومات وقرائن نوقشت كثيراً ضد ترمب. هناك بالتأكيد المزيد من التفسيرات البريئة، وضمن ذلك أنَّ ترمب هو فقط أكثر شخص قوي متناقض سياسياً في العالم؛ فهو رجل لا يُمكن السيطرة عليه، ومصمم على الاستمرار في الاستحواذ على انتباه البلاد بغض النظر عما يتطلبه ذلك.
لكن التداعيات العملية هي حقاً نفسها: بغض النظر عن أسبابه، نحن لدينا رئيس يشعر بالسعادة البالغة عند زعزعة نظام الحكم الأميركي، ويعتقد بالفعل أنَّ هذا هو الهدف بطرق عديدة.
جذب أسلوب ترمب في وقت ما، مؤيديه للالتفاف حوله تقريباً دون تردُّد، وأجبر آخرين على تبني أساليب جديدة غير مألوفة. دفع الديمقراطيون بشكل متزايد نحو استجابة أكثر تطرفاً تجاه ترمب، تشمل توجيه اتهامات ومضايقة علنية لمسؤولي ترمب وتعطيل هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والجمارك. أُجبِرَت وسائل الإعلام، التي تتلخَّص مهمتها في ترويج الحقيقة وحمايتها، على الدخول في علاقة عدائية غير معتادة مع ترمب، بالنظر إلى أكثر من 4 آلاف من ادعاءاته وأكاذيبه المُضلِّلةكرئيس، وخرقه المُتعمَّد للمعايير السياسية والدبلوماسية. وبالنسبة إلى أنصار ترمب، عزَّزَ هذا وضعية الانقسام التي تضعهم في مواجهة الولايات المتحدة. الجميع يغذي ذلك الاتجاه ويدفع نحوه.
يتولى ترمب قيادة ذلك الاتجاه. بعد ساعات فقط من تأكيد كبار مسؤولي للأمن القومي، يوم الخميس 2 أغسطس 2018، على عملهم المُضني لمنع تكرار نموذج انتخابات نوفمبر 2016، كان ترمب يؤكد علاقة إيجابية مع بوتين. ووصف على نحو متزايد، التحقيق الذي يقوده مستشار خاص في مزاعم التدخل الروسي بانتخابات عام 2016 (واتهم أكثر من 24 روسيّاً بالتورط)، بأنه «مطاردة ساحرات». وتشير آخر كلمة منه أيضاً إلى أنه لا يُعير أي اهتمام إطلاقاً لاستنتاجات مجتمع الاستخبارات. وعبر كل ذلك، ناشد ترمب أنصاره وضع إيمان لا نظير له فيه وتبني تكتيكات الأرض المحروقة، وقد التزموا بذلك.
كان الاعتقاد أن كل هذا سينتهي بشكل سيء، مع عدم وجود حل سهل، واحتمالية واضحة المعالم لأزمة متكاملة الأركان. ومع تبني عدد كبير من الناس نسخ متناقضة للحقيقة بشأن ماذا ينبغي أن يكون عليه مستقبل البلاد، تبدو احتمالية وقوع صِدام تاريخي أمراً حتمياً أحياناً. أَفضل ما يمكن قوله هو أن النظام لا يزال محتفظاً بقوته؛ الاقتصاد يتحرك سريعاً، وإجراءات ترمب المُهينة لحلفائنا ومغازلة أعدائنا لم تؤدِّ في الواقع إلى الكارثة التي تنبأ بها العديد من معارضي ترمب.