بعد هزيمة حزب العمال البريطاني: هل يحفظ ديمقراطيو الولايات المتحدة “الدرس الإنجليزي” لمواجهة ترامب عام 2020؟
لم يمر يوم حتى سارع المنتصرون والمهزومون في الانتخابات البريطانية للإعلان عن أنها كانت حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي- البريكسيت.
وهذا التحليل خدم المنتصر رئيس الوزراء بوريس جونسون، كما خدم المهزوم رئيس حزب العمال جيرمي كوربين. الأول قال لناخبيه على الفور: يتعين عليّ أن أنفذ البريكسيت، إذ بفضله انتصرت، وسأكون منشغلاً بذلك، وبالتالي تفضلوا وتوجهوا إلى أقرب بار وانسوا الوعود التي أطلقتها لتحسين جهاز الصحة العام أو إصلاح البنى التحتية، وفقا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
أما كوربين من جهته فقال لناخبيه: كل شيء على ما يرام. إذا أخذنا بالحسبان تأييد الشعب الغفير في بريطانيا للبريكسيت، فإن هزيمتنا، نحن الحزب الذي عارضه، فقد كانت قدراً مسبقاً. لستُ مذنباً، أيديولوجيتي ليست مذنبة. الصهاينة (وهذا لم يقله، وإن كان مقربوه قالوه) والبريكسيت هما المذنبان.
ليس صحيحاً، ففي الانتخابات الأخيرة في بريطانيا، مثلما أشار المحللون السياسيون هناك على الفور، تلقت الأحزاب المؤيدة للبريكسيت نسبة أقل مما في الماضي. وعليه، فرغم الأغلبية الساحقة التي للمحافظين بقيادة جونسون في البرلمان، فإن التنفيذ العملي للبريكسيت أبعد من أن يكون مهمة سهلة. فالعوائق على الطريق كثيرة، والأفخاخ خطيرة لدرجة أن الدفعة نحوها من شأنها أن تتسبب بتفكيك المملكة الموحدة.
لا، حتماً لم يكن البريكسيت هو الذي انتصر في الانتخابات البريطانية؛ إنما كوربين هو الذي هزم وخسر.
هذه خسارة أليمة لحزب العمال البريطاني على نحو خاص، لسببين: الأول اجتماعي؛ يتبين من التحليل الجغرافي أن كوربين الأحمر تركته الطبقة العاملة. ناخبو حزب العمال السابقون ملوا ديماغوجيته اليسارية الهاذية، وبرنامجه الأحمر الذي فرضه على حزبه، اللاسامية الخفية والعامية التي لم يعتذر عنها ووعوده التي لم تتحقق، كانت ستحول بريطانيا إلى فنزويلا على ضفاف القناة.
إن “البيان الاشتراكي لكوربين”، كما كتب أمس في “نيويورك تايمز” المحلل الليبرالي روتجر كوهن، “انهار ورفض”.
أما السبب الآخر لآلام صدر حزب العمال: المحافظون قادهم إلى الانتصار هذه المرة سياسي غير مصداق على نحو خاص. وسطحياً، كان الانتصار عليه سهلاً. لقد ضلل بوريس جونسون الملكة فعطل البرلمان بخلاف القانون، ولفق معطيات كاذبة عن حجوم الهجرة، ونكث بوعده للانسحاب من الاتحاد الأوروبي منذ تشرين الأول، وأطلق أكاذيب تامة عن الكلفة الهائلة المزعومة لبقاء بلاده في الاتحاد (بريطانيا تكسب صافياً من عضويتها فيه) وخدع الرأي العام بلا ندم. كان هذا، على حد قول الصحافة البريطانية “الخصم السياسي الأسوأ الذي يمكن تصوره”. ومع ذلك خسر كوربين بل ويرفض تحمل المسؤولية عن الهزيمة.
إن الدرس من الانتخابات في بريطانيا ستتعلمه بعمق أحزاب اليسار المعتدلة في الغرب، وقد تعلمه منذ الآن كبار الديمقراطيين في الولايات المتحدة. لأجل إحباط انتخاب ترامب لولاية أخرى كرئيس للولايات المتحدة، كما يحذرون، على حزبنا أن يبتعد عن الدوائر الراديكالية وعن أفكارها الاشتراكية. فهم سيقربون منا الآلاف، وسيبعدون الملايين.
وعلى أي حال، فإن أفكارهم غير قابلة للتحقق. فالأمريكي العادي يفهم بأن هذه وعود فارغة. ثمة درس آخر، ليس مريحاً لكثيرين، يتعلق بتركيز حملة الانتخابات؛ فقد ركز حزب العمال الحملة على مناهضة جونسون. وعرضت المعارضة البريطانية رئيس الوزراء كأناني لا يهمه مصير الدولة، ويعرض مبادئ المملكة الأساس للخطر: النزاهة، والاستقامة، والإصرار على القانون، واللغة النقية، والحياة الشخصية المتواضعة، وغيرها. ولكن الناخبين لم يتأثروا مرة أخرى، فقد فضلوا جونسون الملون، الصارخ، فظ الروح وغير المتردد في تجاوز القانون، ولكنه “يرتبط بمشاعر” الوطني البريطاني القومي. فالرفض الشخصي لجونسون نجح، في نهاية الأمر مثل سهم مرتد ضد الرافضين.
لأجل الانتصار في انتخابات تشرين الثاني المقبل يحتاج الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة (وأحزاب أخرى في دول وانتخابات أخرى) إلى زعيم على شكل وعمر بيل كلينتون أو باراك أوباما. سهل القول، صعب إيجاد مثلهما.