بعد زيارته إلى واشنطن.. هل ينجح الكاظمي في تخليص العراق من مخالب إيران؟
من المؤكد أن إيران ليست سعيدة برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي جاء إلى المنصب بدعم الشارع الثائر، كما أن محاولاته لاستعادة القرار العراقي المستقل تصطدم بالنفوذ الإيراني من خلال الفصائل المسلحة، فهل أضافت زيارة الكاظمي إلى واشنطن بعداً استراتيجياً لجهوده؟ وهل يختار الاحتواء أم الصدام في سعيه لتخليص العراق من مخالب نفوذ طهران؟
وعقب عودته من واشنطن، أصبح واضحاً أكثر أن العراقيين، بقيادة الكاظمي، يتجهون للتخلص من نفوذ إيران والقوات الحليفة لها بمساعدة أمريكية، وفي حال استمر الكاظمي باتخاذ المزيد من الخطوات لاستعادة قرار الدولة المرتهن في الجزء الأكبر منه للفصائل والمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، فإنه سيكون أمام خياري المواجهة أو الاحتواء.
وتلقى الكاظمي رسائل كثيرة تحذره من محاولاته حرمان المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران (الفصائل الولائية) من امتيازاتها ونفوذها وهيمنتها على الجزء الأكبر من قرار الدولة العراقية الأمني والعسكري والاقتصادي، والسياسي أيضاً، بحسب تقرير للأناضول.
رسائل دموية
في 6 يوليو الماضي، اغتال مجهولون الخبير الأمني هشام الهاشمي المقرّب من الكاظمي والذي عمل معه لفترة طويلة خلال رئاسته جهاز المخابرات ورئاسته الحكومة، وتشير أصابع الاتهام إلى إحدى المجموعات الشيعية المسلحة.
واستمرت موجة الاغتيال بعد ذلك، وخلال أغسطس/آب أيضاً بهدف إرباك المشهد الأمني وتحدي الكاظمي وقدراته في مواجهة تلك الفصائل لتشمل قادة في الاحتجاجات التي يعتقد على نطاق واسع أن من نتائجها ترشيح الكاظمي بصفته مرشحاً توافقياً غير منتمٍ للأحزاب السياسية، وهو مطلب أساسي من مطالب المحتجين.
وتستغل إيران نفوذ القوى الحليفة لها وحالة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية لتحقيق مكاسب اقتصادية غير مشروعة من خلال مخالفة العقوبات الأمريكية، ومكاسب أخرى مشروعة من خلال الاستثناءات التي يتمتع بها العراق في مجالي شراء إمدادات الطاقة الكهربائية والغاز اللازم لتشغيل محطات التوليد العراقية.
ويعد العراق منفذاً لإنعاش الاقتصاد الإيراني في مواجهة حملة عقوبات “الضغط الأقصى” التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 4 نوفمبر 2018.
التخلص من نفوذ إيران
وخلال زيارته إلى طهران في 21 يوليو/تموز الماضي، أبلغ الكاظمي القيادة الإيرانية بأنه يطمح إلى بناء علاقات متوازنة مع إيران والدول الأخرى على أساس “دولة مع دولة” بدلاً من العمل مع قوى حليفة تعمل على تقويض بناء الدولة العراقية التي يسعى بخطوات “تدريجية” لاستعادتها من هيمنة قادة المجموعات الشيعية المسلحة والكتل السياسية الحليفة لإيران، وإبعاد العراق عن الصراعات الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من عدم تبني إيران موقفاً معلناً من حكومة الكاظمي، لكنها دون أدنى شك تنظر إلى الكاظمي بأنه يشكل تهديداً لمصالحها في العراق سواء بإجراءاته ضد المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لها أو الانفتاح الاقتصادي على الدول الأخرى ومحاولاته استعادة مؤسسات الدولة العراقية وتحريرها من نفوذ القوى الحليفة لإيران.
وفي هذا الإطار، وقبيل بدء جولة الحوار الاستراتيجي الثانية، صعّدت القوى الحليفة لإيران من هجماتها ضد المصالح والقوات الأمريكية في العراق في محاولة منها للضغط على الكاظمي للحد من دعمه لاستمرار تواجد القوات الأمريكية في العراق.
ويُعتقد أن الكاظمي يدرك عدم إمكانية الاستغناء عن تلك القوات في المدى القريب طالما لا يزال تهديد تنظيم “داعش” قائماً وزيادة وتيرة عملياته في مناطق مختلفة من العراق، وحاجة القوات الأمنية إلى تعزيز قدراتها القتالية بدعم أمريكي في جوانب المعلومات الاستخباراتية والتدريب والاستشارات والتسليح أيضاً.
ونفذت مجموعات مسلحة يعتقد أنها تابعة لفصائل مسلحة حليفة لإيران قبل مغادرة الكاظمي إلى واشنطن ما لا يقل عن ست هجمات صاروخية وخمس هجمات باستخدام العبوات الناسفة ضد قوات ومصالح أمريكية خلال الفترة بين 12 و19 أغسطس الجاري.
ووقعت بعض هذه الهجمات أثناء تواجد قائد الحرس الثوري الإيراني ببغداد واجتماعه مع الكاظمي في 16 أغسطس الجاري، لمناقشة الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وفق تقارير إعلامية تحدثت أيضاً عن مناقشات تعلقت بمطالب إيرانية متكررة بإخراج القوات الأمريكية من العراق.
التخلص من داعش
في 11 يونيو الماضي، عقد الطرفان العراقي والأمريكي جلسات الحوار الاستراتيجي في جولتها الأولى ببغداد، في حين عقدت الجولة الثانية من الحوار بواشنطن في 19 أغسطس الجاري للتأكيد على الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد بين البلدين على أسس احترام سيادة العراق وتعهد بغداد بحماية القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي الموجودة البلاد.
وفي جلسات الحوار الاستراتيجي الثانية أعادت الولايات المتحدة التأكيد على التزامها بتحقيق ما تراه أهدافاً مشتركة مع العراق من خلال التنسيق الأمني الثنائي والتعاون مع القوات الأمنية العراقية لهزيمة تنظيم “داعش” بشكل كامل وضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة تركز على تدريب وتجهيز ودعم القدرات القتالية للقوات العراقية.
واتفق الطرفان على مواصلة واشنطن تخفيض أعداد قواتها المتواجدة في العراق بعد إنجاز المرحلة الأولى من الحرب على تنظيم “داعش”، وضرورة بقاء تلك القوات في إطار مرحلة جديدة تركز على التدريب وتقديم الاستشارات للقوات العراقية.
وقبيل لقائه برئيس الوزراء العراقي، صرح الرئيس الأمريكي في 20 أغسطس الجاري، بأن بلاده لديها عدد قليل من الجنود في العراق، لكن هؤلاء يتواجدون للمساعدة في حال أقدمت إيران على فعل أي شيء.
بعد عودته من واشنطن، نقلت وسائل إعلام محلية عن الكاظمي قوله إن الرئيس الأمريكي أكد له أن قوات بلاده ستنسحب من العراق خلال الثلاث سنوات المقبلة بإعادة نشرها خارج العراق على الرغم من أعدادها القليلة وحاجة العراق إلى هذه القوات لتدريب وتطوير قوات الجيش والأجهزة الأمنية.
وإذا كانت القوى الحليفة لإيران تعتقد أن ما نقله الكاظمي عن ترامب إنجازاً لها على الرغم من عدم الإشارة إليه في البيانات الرسمية المشتركة، فإن الولايات المتحدة في ذات الوقت انتزعت من العراق اعترافاً رسمياً بأهمية استمرار الحضور العسكري الأمريكي في العراق، وهو ما أكده وزير الخارجية الأمريكي الذي قال إن قوات بلاده باقية في العراق إلى حين إنجاز مهمتها دون أن يحدد سقف زمني.
وعلى ما يبدو فإن الكاظمي ناقش مع الإدارة الأمريكية أبواب المساعدة الممكنة لتخليص الدولة العراقية من النفوذ الإيراني المباشر أو نفوذ القوى الحليفة لها، لكن ذلك لم يشر إليه في تصريحات المسؤولين الأمريكيين أو العراقيين أو في البيان الختامي لجولة الحوار الاستراتيجي الثانية.
بناء عراق جديد
في حال نجاح الإجراءات التي يتخذها الكاظمي لإصلاح قطاعات الأمن والاقتصاد يمكن أن تقود إلى بناء عراق “جديد” خالٍ من النفوذ الخارجي أو نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة، ولمواجهة تهديدات المجموعات الشيعية المسلحة سيكون على الكاظمي تنمية وتعزيز قدرات قوات جهاز مكافحة الإرهاب، وهي قوات أنشأتها الولايات المتحدة ودرّبتها وسلّحتها وتتبنى عقيدة قتالية عسكرية أمريكية يمكن لها أن تكون القوة الضاربة في مواجهة تلك المجموعات بدعم وإسناد أمريكي “قد” يكون تمت مناقشته بين الكاظمي والإدارة الأمريكية.
لكن من الصعوبة بمكان وضع مقاربة متوازنة لطلب الولايات المتحدة من الكاظمي التحرك ضد المجموعات الشيعية المسلحة في ذات الوقت الذي تصرح فيه واشنطن بأن قواتها سوف تنسحب من العراق خلال ثلاث سنوات، فتلك الفترة غير كافية لبناء قوات أمنية عراقية قادرة على فرض سلطة الدولة واستعادة قرارها السيادي.
لذلك يعمل الكاظمي على تحقيق استعادة السيادة على مؤسسات الدولة العراقية، الأمنية بالمقام الأول، وحصر السلاح بيد الدولة ومنع الهجمات على قوات التحالف الدولي ووقف موجات الاغتيالات التي تستهدف الناشطين في الاحتجاجات والمعارضين للنفوذ الإيراني في العراق.
لكن تتعارض جهود الكاظمي في سعيه لاستعادة قرار مؤسسات الدولة العراقية مع النفوذ الإيراني في البلاد، ويمكن أن تؤدي معارضة إيران عبر القوى الحليفة لها إلى مواجهات مسلحة بين القوات الأمنية والمجموعات الشيعية المسلحة التي صعّدت من عملياتها ضد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة باستخدام العبوات الناسفة ضد أرتال الدعم اللوجستي لتلك القوات.