بعد حل الكنيست.. إسرائيل تعود للانتخابات العامة وتراشق من العيار الثقيل بين نتنياهو وليبرمان
في خطوة غير مسبوقة تتجه دولة الاحتلال لانتخابات برلمانية جديدة للمرة الثانية بفارق ستة شهور بعدما تم حل برلمانها (الكنيست) لنفسه بمبادرة الحزب الحاكم “الليكود” لاعتبارات ترتبط بحسابات واعتبارات تغلب عليها المصالح الشخصية.
وبعدما فشل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومة منذ فاز حزبه “الليكود” وكتلة اليمين بأغلبية المقاعد في انتخابات التاسع من أبريل الماضي سارع لحل البرلمان بأغلبية 74 صوتا مقابل 45 صوتا عارضوه وقد تم تحديد موعد الانتخابات للكنيست الـ22 في 17 سبتمبر القادم.
وفور حل البرلمان سارع نتنياهو لإطلاق رصاصته الانتخابية الأولى بحملة شرسة شنها على رئيس حزب “يسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان متهما إياه بالانتماء لليسار”.
وكان الخلاف رسميا قد نشب في الأسبوعين الأخيرين بعدما صمم ليبرمان على ضرورة اعتماد ما يعرف بـ”قانون التجنيد” القاضي بإلزام الشباب المتدينين المتزمتين (الحريديم) بخدمة عسكرية لا يؤدونها حتى الآن بدعوى أنهم يدرسون التوراة وهي لا تقل أهمية عن الجيش بالنسبة لبقاء الشعب اليهودي. ولم تثمر مساعي تسوية الخلاف مع ليبرمان رغم إغراءات قدمها له على شكل حقائب وزارية هامة أبرزها حقيبة الأمن.
قطع الطريق
كما أخفق نتنياهو بمحاولة ضم بعض نواب كتل المعارضة لإئتلافه المقترح وكي لا يقوم رئيس إسرائيل بتكليف نائب آخر عدا نتنياهو كما ينص القانون بهذه الحالة بادر نتنياهو لقطع الطريق ولضربة استباقية بحل البرلمان واللجوء لانتخابات جديدة على أمل أن يفوز مجددا ويتمكن من تشكيل حكومته الخامسة.
ويصارع نتنياهو من أجل مستقبله السياسي والشخصي أيضا فخسارته مجددا تعني فتح الباب أمام محاكمته على فضائح فساد مما يعني احتمالا كبيرا بدخوله السجن وهذا ما يحاول منعه من خلال مشاريع قوانين تمنح رئيس الحكومة حصانة تحميه من المحاكمة طالما هو يشغل منصبه الرسمي.
وفي أول تصريحاته عقب حل الكنيست حمل نتنياهو على ليبرمان وقال إن الإسرائيليين انتخبوه كحزب يمين من جهة وهو لا يدعم حكومة يمين بل يسقطها من جهة أخرى، لكن ليبرمان قاد عملية غش وتضليل لجمهور مصوتيه. وتابع “لم تكن لدى ليبرمان أي نية منذ اللحظة الأولى لتطبيق ما كان يقوله وفي كل مرة كان يطرح مطالب جديدة. ليبرمان هو جزء من اليسار”.
ويوجه مقربون من نتنياهو وعدد من المراقبين تهما لليبرمان بالسعي عمدا للحيلولة دون تشكيل حكومة يرأسها نتنياهو على خلفية خصومات ورواسب شخصية ومن أجل محاولة الظهور كلاعب قوي يرفع قوته الانتخابية في انتخابات جديدة ضاربا عرض الحائط المصلحة العامة التي تقتضي عدم توريط إسرائيل لمعارك داخلية قذرة ومكلفة ماليا أيضا.
ووعد نتنياهو بحملة انتخابية جديدة حادة واضحة ملمحا لنيته تركيزها بمحاولة المساس باحتمالات ليبرمان وإسقاطه من خلال مخاطبة المهاجرين الروس وهم الجمهور التقليدي الداعم لليبرمان وهو بنفسه مهاجر من روسيا.
فضائح الفساد
وتنتظر نتنياهو “جلسة استماع” قضائية لدى المستشار القضائي للحكومة تمهيدا لتقديم لائحة اتهام بالفساد ضده بثلاثة ملفات وقد حدد موعدها من قبل في مطبع اكتوبر القادم،أسبوعان بعد الانتخابات الجديدة.
وبخلاف حساباته السابقة سيضطر نتنياهو لتجميد مبادرته لتشريع قانون يمنحه الحصانة والتفوق على محكمة العليا وذلك بعد حل الكنيست مما يعني أن كل مستقبله السياسي والشخصي على المحك مما يعزز درامية الحدث السياسي الانتخابي في إسرائيل.
بالمقابل يواصل ليبرمان حملته المضادة على “الليكود” ونتنياهو وقال إن إسرائيل تذهب لانتخابات جديدة لأن نتنياهو رفض قبول اقتراح “يسرائيل بيتنا” مشددا على رفضه “دولة شريعة” يسيطر عليها اليهود المتدينون.
ويشار إلى أن ليبرمان كان قد بادر لمغادرة حكومة نتنياهو الرابعة بعد استقالته من وزارة الأمن في العام الماضي بدعوى أنها لا تمكنه من الانتصار على حركة حماس، وهذا شق الطريق أمام ازدياد محاولات ابتزاز نتنياهو من قبل بقية شركائه في الإئتلاف الحاكم بعدما أصبحت حكومته حكومة ضيقة بمقدور أي حزب صغير أن يسقطها في كل لحظة.
وعلى خلفية ذلك كرر نتنياهو قوله إن ليبرمان دفع إسرائيل مرتين لجولة انتخابية مبكرة بسبب أطماع وأهواء شخصية ثمنها إسقاط حكومة يمين وطنية. ورد ليبرمان ضمن التراشق المتصاعد بالقول إن ما يقوم به “الليكود” هو استسلام لـ”الحريديم” وتابع “نحن شركاء لحكومة يمين لكننا لن نكون شركاء في حكومة شريعة”.
انفصام بالشخصية
وفي مؤتمر صحافي صعد ليبرمان هجومه على نتنياهو قال ساخرا فيه إن رئيس الحكومة، الرجل من قيسارية، يتهم الرجل من مستوطنة نوكديم بأنه يساري. وضمن المزاودات تابع “إذا أريد أن أذكّر رئيس الحكومة بأنه هو بالذات الذي صوت مؤيدا لخطة فك الارتباط عن غزة في الكنيست وقاد الاعتذار أمام الدكتاتور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ومنع وأحبط قانون عقوبة الإعدام على المخربين. وهذا رئيس الحكومة نفسه الذي يمنع إخلاء خان الأحمر رغم أن المحكمة العليا صادقت على ذلك. وهو الذي يقرر بتحويل 30 مليون دولار إلى حماس في قطاع غزة”.
كما هاجم ليبرمان الوزير ياريف ليفين، المقرب من نتنياهو ورئيس طاقم المفاوضات الائتلافية، وقال إنه “شاهدت اليوم هوس الوزير ياريف ليفين وعددا آخر من الأشخاص، وهم أقوال تتسم بانفصام الشخصية.
واقتراحي الودي لأعضاء طاقم الليكود هو أنكم ملزمون بتجنيد طبيب نفسي ذي سمعة عالمية أولا”. كما حمل ليبرمان على يائير نتنياهو ابن رئيس الوزراء الاسرائيلي بعد مهاجمته له فقال ليبرمان إنه بحاجة لأخصائي نفسي كبير مختص بالأمراض النفسية.
لحظة درامية
واعتبر رئيس المعارضة بيني غانتس أن حل البرلمان يشكل لحظة درامية ومثيرة للإعلام لكنها ليست كذلك على المستوى المدني وقال إنه بدلا من تشكيل حكومة يقومون بحركات بهلوانية تنتهي بحل البرلمان وإعادة الدولة لجولة انتخابات مجنونة ستبذر فيها مئات الملايين من المفضل أن تنفق على خدمات الصحة والرفاه والتربية.
وانضم غانتس للهجوم على نتنياهو بقوله “ويجري كل ذلك من أجل بناء حصانة لرجل واحد ولا يوجد أي سبب آخر”. من جهته قال زعيم حزب “شاس” المتدين المتزمت وزير الداخلية الحاخام آرييه درعي إنه يقدم اعتذاره لنتنياهو بعدما عمل على إقناعه غداة الانتخابات الماضية بضم ليبرمان للحكومة وأضاف “من جهته كان نتنياهو يقول لي إن ليبرمان غير راغب بقيام حكومة برئاسة الليكود وأنه يتحرك ضده شخصيا”.
ويشار إلى أن ليبرمان وغداة الانتخابات الأخيرة قد قال إن هناك موضوعا مبدئيا لن يقبل به أي تسوية يتمثل بـ”قانون التجنيد” فيما شرع نتنياهو بمداولات مع المتدينين الحريديم من أجل تعديل بنود في القانون وفق طلباتهم وهذا ما رفضه ليبرمان وتسبب بظهور أزمة أخذت بالتفاقم ولم يقدر نتنياهو أن ليبرمان ذاهب بموقفه حتى النهاية بكل ثمن مرجحا أنه سيتمكن من حل الإشكالية في الدقيقة التسعين لكن الأزمة تفجرت وتسببت بحل البرلمان الإسرائيلي.
بداية النهاية
وعبرت عدد كبير جدا من المحللين الإسرائيليين عن استيائهم لحل الكنيست والذهاب لانتخابات جديدة مكلفة غير مبررة تأتي على خلفية خلافات شخصية ويرى كثيرون منهم أن هذه بداية نهاية نتنياهو.
واعتبر المحلل البارز في “يديعوت أحرونوت” نحوم برنيع أن نتنياهو يقود إسرائيل لانتخابات مبكرة للمرة الثالثة لعدة أسباب آخرها بسبب رفض شركائه الطبيعيين في اليمين الذين باتوا غير طبيعيين كما اتضح.
وقال برنيع إن ما جرى بمثابة تصفية نهاية الموسم في السياسة الإسرائيلية معتقدا أن نتنياهو يتجه نحو الفصل الأخير من مسيرته السياسية. وتابع برنيع “إسرائيل عرفت أزمات سياسية كثيرة في سنواتها الـ71، كما عرفت مناورات سياسية نتنة بدرجات متفاوتة، وعروض رشوة سياسية فاسدة بدرجات متفاوتة، ولكن ما حصل في الكنيست، أمس، فتح صفحة جديدة في عملية تدهور الديمقراطية الإسرائيلية. هذه الكنيست التي ولدت لتوها اختارت الانتحار بسبب نزوات شخصية”.
واعتبر المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس”، يوسي فيرتر أن العد التنازلي لنهاية عصر نتنياهو قد بدأ أمس بعد أن كان من المفترض أن تحتفل الكنيست، الإثنين المقبل، بالحكومة الخامسة لنتنياهو، كما كان من المفترض أن يبدأ معها التشريعات القانونية الشخصية وهي ذات رأسين، الأول لتخليص نتنياهو المتهم من طائلة القضاء، والثانية لتسديد ضربة قاصمة لاستقلالية وقوة الجهاز القضائي.
السياسة الإسرائيلية مريضة
ولفت إلى أن السياسي المتورط في قضايا جنائية، وقدمت لائحة اتهام خطيرة ضده يجر دولة كاملة نحو الانتخابات، دون أن يتجرأ أحد في داخل حزبه أو ائتلافه المحتمل على الاحتجاج. وتابع “أدرك نتنياهو أمس أن “القصة انتهت”، وأن انتخابات 17 أيلول/ سبتمبر، وبعدها تشكيل الحكومة في تشرين الثاني/ نوفمبر، أي بعد شهر من جلسة الاستماع لنتنياهو يعني أنه لن تكون هناك حصانة ولا تغليب للكنيست على المحكمة العليا، وإنما لائحة اتهام تجعل نتنياهو من الماضي. وبعد أن وصل الكنيست في 9 نيسان/ إبريل منتشيا بسكرة الانتصار، وصل يوم أمس مهزوما وذليلا”.
ولفت إلى أن نتنياهو هو ثالث مرشح لرئاسة الحكومة يفشل في تشكيل حكومته، بعد شيمون بيرس عام 1990، وتسيبي ليفني عام 2008، رغم أن نتنياهو حقق انتصارا واضحا ورغم تجربته السياسية الغنية.
وخلص فيرتر للقول إن نتيناهو “حارب” حتى اللحظة الأخيرة بدون خجل، وعرض “ممتلكات الحكومة الثمينة” للبيع بأسعار “تصفية” وذلك في إشارة إلى العروض التي قدمها. “السياسية الإسرائيلية مريضة، ونتنياهو هو آخر من يداويها”.
وتساءلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن تبعات هذه التطورات السياسية الداخلية على صفقة القرن وذكرت بأن الرئيس ترامب بذل مساع لإنقاذ نتنياهو دون جدوى.