بصمات روسية على صاروخ كوريا الشمالية
قالت وكالة “أسوشيتدبرس”الأمريكية إن الصواريخ الثلاثة التي استخدمها الزعيم الكوري، كيم جونج أون، قبل أيام، مألوفة للخبراء العسكريين بشكلٍ مخيف: إنَّها تُشبه إلى حدٍّ كبير صاروخاً مثيراً للجدل وكثير التقليد، استخدمه الجيش الروسي في سوريا، ويحاول بنشاطٍ بيعه للخارج منذ أعوام.
وأشرف كيم بنفسه على إطلاق أوَّل صاروخ من ساحل البلاد الشرقي واثنين آخرين من ساحلها الشرقي يوم الخميس 9 مايو 2019، مُنهياً بذلك فترة توقُّف عن إطلاق الصواريخ الباليستية بكوريا الشمالية، بدأت في أواخر عام 2017، ومُثيراً القلق لدى جيران كوريا الشمالية. وسقطت الصواريخ الثلاثة في النهاية بالمحيط الهادئ.
وجه التشابه بين الصواريخ الكورية والروسية
وبحسب الوكالة الأمريكية، كانت الصواريخ الثلاثة قصيرة المدى، وبهذا فإنَّ إطلاقها لا يعني أنَّ كيم قد قرَّر إنهاء ما تعهد به سابقاً بوَقف اختبار الصواريخ طويلة المدى التي قد تصل إلى أراضي الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنَّ الاختبار الأخير لتلك الصواريخ يشير إلى أنَّ كيم يتوسَّع منهجياً في استعداد قوَّاته الصاروخية للمعارك، وقد يكون لهذا أثرٌ جلل على أمن الدول الحليفة لأمريكا والقوات الأمريكية في المنطقة.
يوجَد شَبَهٌ كبير بين الصواريخ الثلاثة وصاروخ إسكندر روسيّ التصميم، وهو صاروخ باليستي قصير المدى ذو قدرةٍ على حمل أسلحةٍ نووية موجودٌ في ترسانة روسيا لأكثر من عشرة أعوام.
وقال ماركوس شيلر، وهو خبيرٌ بارز في الصواريخ الكورية الشمالية مقيمٌ بألمانيا: «هُناك بصماتٌ من التكنولوجيا الروسية في كل مكان».
وأضاف شيلر أنَّ كوريا الشمالية لم تشترِ الصواريخ من روسيا بالضرورة، بل ربما أنَّ أجزاء الصواريخ شُحِنَت إليها من مكانٍ آخر، والأرجح أنَّ ذلك لم يكن من روسيا مباشرةً، في حين صنَّعت كوريا الشمالية محلياً بعض الأجزاء مثل الغلاف الخارجي، أو هيكل الصاروخ.
ماذا يعني ذلك؟
وبحسب الوكالة الأمريكية، فإن امتلاك صاروخ إسكندر، أو ما شابهه، أمرٌ ذو أهميةٍ لكوريا الشمالية.
صُمِّم الصاروخ ليحلِّق على ارتفاعٍ ثابت يبلغ نحو 40 كيلومتراً، ويمكن إجراء تعديلاتٍ توجيهية في أثناء تحليقه. كلتا الميزتين تستغلَّان نقاط ضعفٍ في دفاعات الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية القائمة حالياً، وهي بالأساس نظام باتريوت للدفاع الجوي الصاروخي الباليستي ونظام الدفاع ضدَّ الصواريخ «ثاد».
كذلك فإنَّ صاروخ إسكندر أسرع في إطلاقه؛ ومن ثم يصعب تدميره على الأرض؛ نظراً إلى محرِّكه الذي يعمل بالوقود الصلب، كذلك فالصاروخ يتمتع بدقةً أكبر، لامتلاكه نظام توجيهٍ متقدماً.
وبرغم مزاعم أفرادٍ بارزين في إدارة الرئيس الأمريكي ترامب بأنَّ الصواريخ لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة، فاستخدامها مرجَّح في أي سيناريو حرب للهجوم على الأهداف الموجودة وراء خط الجبهة، مثل القواعد العسكرية الأمريكية في كوريا الجنوبية. يوجد نحو 28 ألف جندي أمريكي مرتكزين في كوريا الجنوبية وعشرات الآلاف غيرهم من عائلاتهم وموظَّفي وزارة الدفاع الأمريكية من المدنيين في كوريا الجنوبية، بحسب الوكالة الأمريكية.
عرضت كوريا الشمالية نموذجاً لصاروخ شبيه بـ «إسكندر» الروسي أوَّل مرة، في استعراضٍ عسكري عام 2018. وتوثِّق عمليات الإطلاق التي أُجريت هذا الأسبوع إطلاق أول اختبار معلومٍ له.
وقال مايكل إيلمان، مدير برنامج منع انتشار الأسلحة النووية والسياسة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية البريطاني، إنَّ من شأن التحليل الإضافي لأداء الصواريخ أن يقدِّم لنا أدلةً عمَّا إن كانت من إنتاج روسيا.
وأضاف: «إذا كان مسار إطلاقه أو دقَّته بعيدة أو غير متَّسقة مع المسار والأداء المعروفَين لصواريخ إسكندر، فسيكون الأرجح عندئذٍ أن تكون الصواريخ نتاج تطويرٍ محليٍّ مصحوب بمساعدة تقنية خارجية، الأمر الجوهري هُنا هو أنَّه لا يمكنك تصنيع نظامٍ جديد كلياً دون إجراء خطوات تطويرٍية معيَّنة. وأنا لم أرَ دليلاً على حدوث مثل ذاك النشاط».
وتشير التقارير الأوليةإلى أنَّ واحداً على الأقل من بين اختبارات الصواريخ تضمَّن مسار إطلاقٍ شبيه بصاروخ إسكندر.
ما هو صاروخ إسكندر؟
وبحسب الوكالة الأمريكية، كان نظام إسكندر الصاروخي جزءاً من الترسانة الروسية منذ عام 2006. ويبلغ طول النسخة «إسكندر-M» من الصاروخ، والتي يستخدمها الجيش الروسي، أكثر من 7 أمتار، وقد يصل وزنه لأكثر من 4 آلاف كيلوغرام، كذلك يبلغ مداه ما بين 400 و500 كيلومتر.
اختبرت روسيا الصاروخ إسكندر للمرة الأولى في أرض المعركة عام 2008، ضدَّ جورجيا.
لطالما كانت صواريخ إسكندر مصدراً للتوتر بأوروبا، وذكرها الرئيس دونالد ترامب باعتبارها السبب الرئيس وراء قراره، في فبراير/شباط 2019، الانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى المبرمة عام 1987، والتي تحظر تصنيع، واختبار، واستخدام صواريخ أرض-جو الموجَّهة والباليستية ذات مدى يقع ما بين 500 و5500 كيلومتر.
وهذا النوع من الصواريخ لا يستغرق سوى بضع دقائق للوصول إلى هدفه، وهو ما لا يترك أي وقتٍ لصانعي القرار، ويرفع احتمالية نشوب نزاعٍ نووي عالمي في حالة رفع إنذارٍ كاذب بإطلاق أحدها. تزعم موسكو أنَّ مدى صاروخ «إسكندر-M» يقع مباشرةً تحت الحدِّ المنصوص عليه ولا يجب أن يُعتبر انتهاكاً للمعاهدة.
ومنذ بدء تطويره، رأت روسيا صاروخ إسكندر سلعة تصديرٍ محتملة.
وحتى تتجنَّب روسيا مخالفة القيود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية، فإنَّها تصنِّع نسخةً أقلَّ قوةً من الصاروخ إسكندر ذات مدى أقل ومصمَّمة لنقل حمولةٍ أخف بغرض البيع للخارج.
من يشتري الصاروخ الروسي؟
وحتى الآن، باعت روسيا ذاك الصاروخ المعدَّل المدعو «إسكندر-E» إلى الجزائر وأرمينيا. وأفادت تقارير بأنَّها ناقشت احتمال تصديره إلى إيران، وليبيا، والإمارات، وماليزيا، والسعودية.
ووفقاً لسيمون فيزمان، وهو باحثٌ أقدم بمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يتتبَّع حركة تجارة الأسلحة العالمية، ففقد استخدمت روسيا صاروخ إسكندر في سوريا. وقال إنَّ سوريا قد أبدت اهتماماً بشراء صواريخ إسكندر خاصة لها، لكنَّ الروس رفضوا.
وأكَّد فيزمان أنَّ روسيا لا يمكنها قانوناً بيع أي نوعٍ من صواريخ إسكندر لكوريا الشمالية.
ويحظر الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2006 على كوريا الشمالية، عندما أُجريَ فيها أوَّل اختبارٍ نووي، إمداد الدولة بأي أسلحةٍ كبرى، ويتضمَّن ذلك صواريخ أرض-أرض، كذلك تمنع عقوبات الأمم المتحدة نقل الصواريخ الباليستية وأي تقنيةٍ ذات صلة إلى كوريا الشمالية.
إذا ما كانت كوريا الشمالية إذن تصنِّع نسخةً مطابقة للإسكندر محلياً، فإنَّها ستكون أوَّل دولةٍ تفعلها.
تمتلك كوريا الجنوبية بدورها صاروخاً يعتقد كثيرون أنَّه هو الآخر مستوحَى من صاروح إسكندر، ويُدعَى Hyunmoo-2. كذلك تمتلك الصين صاروخاً مشابهاً، يُدعَى DF-12 أو M20، صُمِّم هوَ الآخر بغرض التصدير. وقد عرضته قطر، وهي إحدى الشُّراة، في استعراضٍ عسكري عام 2017.