بشار يخيّر من تبقى من شعبه: الاستسلام أو الموت.. فلا حل سياسياً في سوريا، والعالم تعلَّم التعايش مع الأسد
النظام السوري لن يبرح مكانه. 7 سنواتٍ من الحرب الأهلية، ومقتل مئات الآلاف من السوريين، ونزوح الملايين من اللاجئين، وإخلاء المدن القديمة، والاستخدام المروع للأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، ولا يزال الرئيس بشار الأسد في منصبه!
دعا عدد ضخم من الزعماء والحكومات الأجنبية للإطاحة به؛ بسبب الأعمال الوحشية التي نُفِّذَت بعلمه، لكنَّ الأسد صمد أمام معارضةٍ انتشرت على جبهاتٍ عدة بمساعدة روسيا وإيران.
صحيفة The Washington Post نشرت الأربعاء 30 مايو/أيار 2018، تحليلاً ذكرت فيه أن قوات الأسد أعلنت الأسبوع الماضي، أنَّ العاصمة دمشق وضواحيها تحررت من “الإرهابيين”، وأصبحت الآن تحت سيطرة النظام بالكامل.
مَثَّل ذلك ذروة هجومٍ منهجي ووحشي ضد مواقع المعارضة المحيطة بالعاصمة، وضمن ذلك الغوطة الشرقية، التي قاومت لنصف عقد حتى استسلمت في وقتٍ سابق من هذا العام (2018).
وتقتصر الآن معاقل المعارضة المسلحة على محافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية في الشمال، ودرعا على الحدود الأردنية. وسيعمل النظام السوري على حصار هذه المناطق أيضاً، وذلك في ظل تحذير المحللين من احتمال التسبب فيمعاناةٍ بشعة للمدنيين.
منشورات الأسد تدعو الشعب للاستسلام أو الموت
ففي الأسبوع الماضي، أسقطت الطائرات الحكومية منشوراتٍ على درعا تحذر المسلحين وتطالبهم بالاستسلام. ووردَ بالمنشورات: “رجال الجيش العربي السوري قادمون. اتخِذ قرارك قبل فوات الأوان”.
وغرَّد زميل معهد دراسات الشرق الأوسط تشارلز ليستر، معلِّقاً: “سياسياً، انقلب الأردن، مفضلاً مستقبل الأسد بدلاً من مستقبلٍ غامض. وتريد عمَّان إعادة فتح التجارة من خلال معبر نصيب. لكنَّ الأردن يخشى من دورٍ أكبر لإيران وحزب الله وتدفُّق 200 ألف لاجئ في سوريا. ومن هنا تحاول روسيا لعب الوسيط”.
وأضاف: “في أعقاب التقارير التي تشير إلى استبدال القوات التي تقودها إيران في جنوب سوريا بوحدات تدربها سوريا وروسيا، تُلقي قوات الأسد الجوية الأسد منشوراتٍ تعرض على الناس خيارين: الموت أو الاستسلام”.
بعدما سيطر على مراكز البلاد الكبرى
الأسد هو الحاكم المسيطر على المراكز الكبرى الثلاثة في البلاد؛ دمشق وضواحيها، بالإضافة إلى حمص وحلب. يجري الآن إعادة بناء الطريق السريع الذي يربطها، ليكون طريقاً آمناً للجنود النظاميين المتوجهين إلى الخطوط الأمامية المتبقية. ومن ثم، أُعد المسرح لسحق المعارضة نهائياً، كما جاء في تقرير الصحيفة.
وقال زميل مركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد صايغ: “النظام ليس قوياً، ولكن لا شك في أنَّه سيسيطر الآن على بقية المناطق بسوريا حتى يصل إلى الخطوط الأمامية للمناطق التي يسيطر عليها الآخرون”.
وسخر من الدعوات لحل سلمي بدلاً من عسكري
وهذه حقيقة لا تلقي بالاً للإصرار الغربي على ضرورة الوصول لمعاهدة سلام حقيقية لإنهاء الحرب. وقالت إيما بيلز، المحللة المستقلة التي تغطي أخبار سوريا: “إنَّها بالأحرى تسخر من الفكرة التي دفع بها أولئك الساعون لمحادثات السلام، بقولهم إنَّه لا حل عسكرياً للصراع السوري. صحيحٌ أنَّه لن يتحقق سلام دائم بالاستراتيجية العسكرية، لكنَّها بالتأكيد -كما نرى- طريقة لتحقيق أهداف النظام: السيطرة”.
صمد الأسد أمام مخططات وضربات أميركا
لا ينبغي أن يندهش أحد من عزم الأسد الدامي على البقاء بالسلطة. وقال ستيفن سايمون، المسؤول السابق في إدارة أوباما: “احتفظ النظام برباطة جأشه طوال الحرب الأهلية، حتى عندما قضت المعارضة على حكومة الحرب السورية بالكامل في عام 2012 بقنبلة وُضعت بذكاء، وعندما سقطت تدمر وجسر الشغور في ربيع عام 2015 بيد المعارضة، التي حاصرت في الوقت نفسه غرب حلب”. وتحدى الحاكم السوري كذلك تهديدات ومواقف كل من إدارة أوباما وترمب، وصمد أمامبرنامجٍ سري لوكالة المخابرات المركزية لتسليح المعارضة “المعتدلة”، وصمد أمام عددٍ من الهجمات الصاروخية للولايات المتحدة على المطارات السورية.
فتراجعت رغبة الإدارة الحالية في إزاحته
ساعدت السياسات الإقليمية الأسد إلى حدٍ كبير. وبسبب تعقد الحرب تراجعت رغبة الغرب في تغيير النظام بدمشق. ورُغم أن أجزاءً كبيرة من البلاد لا تزال خارج سيطرة الأسد، لا تزال تركيا تسيطر على جيبٍ صغير بشمال سوريا، في حين تحظى القوات الأميركية، بمساعدةٍ من وكلاء بقيادة الأكراد على الأرض، بنفوذٍ على كثير من المناطق في شرق وشمال شرقي سوريا، لكن لا يبدو أنَّها تهدد حكمه.
لم يُخفِ الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، نفسُه عدم اهتمامه بإزاحة الأسد، مفضلاً التركيز على سحق تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ومقاومة النفوذ الإيراني. حتى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان واحداً من أشد منتقدي الأسد،خفَّف وطأة موقفه. ويهتم الآن أكثر بالقوة المتزايدة للميليشيات الكردية السورية على حدوده الجنوبية؛ وتحرَّك ليجد دوافع مشتركة مع حلفاء الأسد؛ روسيا وإيران.
بعدما قلبت روسيا موازين الحرب إلى كفته
وتبدو المداولات المحيطة بروسيا أهلاً للنظر. فدخول الكرملين إلى الحرب أمال الكفة لصالح الأسد، وقلبت القوة الجوية الروسية موازين الحرب في جميع أنحاء سوريا. والآن، قد تتحرك روسيا لتعزيز حصتها في نهاية الحرب السورية وحيازة نفوذٍ أكبر من إيران، حليف الأسد الأساسي على الأرض.
وكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على حسابه بتويتر: “يمكنني أن أخبركم بثقة، بأنَّ التقدير الذي عبرتُ عنه للتو يشاركني فيه آخرون كثر بالشرق الأوسط. إنّه ليس مجرد موقف إسرائيلي. آمل أن تُفهَم جيداً هذه الرسالة الأميركية الواضحة في طهران”.
وأضاف: “مثل الولايات المتحدة، نحن في إسرائيل ليست لدينا خصومة مع الشعب الإيراني. لكنَّنا عازمون على ردع السلوك العدواني الإيراني. لن نسمح لإيران بإنشاء قواعد عسكرية في سوريا، ولن نسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية”.
والآن تتحاور روسيا مع إسرائيل لتحجيم وجود إيران رغم اعتراضها
وإذا ما كانت التقارير الواردة من إسرائيل دقيقة، فقد تنجح روسيا في سعيها. على مدار اليومين الماضيين، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنَّه من المفترض توصّل إسرائيل وروسيا إلى اتفاقٍ من شأنه أن يجبر الميليشيات الموالية لإيران على الانسحاب من الحدود السورية المتاخمة لإسرائيل، وهو ما قد يمهد الطريق أمام خروج مجموعاتٍ أخرى موالية لإيران. وهجوم الأسد على المعارضة في درعا، التي كانت في وقتٍ مضى محصنةً ومدعومةً من جانب الإسرائيليين والأردنيين والأميركيين، سوف يستمر بلا رادع.
يناسب مثل هذا الانسحاب النظام السوري. وكتب سايمون: “يحتاج الأسد للحفاظ على قوته العسكرية لاستعادة السيطرة على الأراضي في الشرق، والسيطرة على حقول النفط بسوريا، ليستعيد في نهاية المطاف محافظة إدلب بالشمال الغربي. وإذا ما تورط الأسد في صراعٍ مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فسيقوِّض بذلك هدفه لإعادة توحيد الدولة السورية تحت حكمه”.
لكنَّ أنباء الصفقة المزعومة كان لها صدىً سيئ في طهران، حيث شجبت الصحف تكتيكات الضغط الروسية.
والأسد باقٍ ولن يرضى حتى بتحديد فترة رئاسته
لا يبدو الأسد قلقاً للغاية في الوقت الراهن. فبينما يشدد قبضته على قلب البلاد، يُحبط محاولاتٍ دولية جديدة للتوسط من أجل تسويةٍ سياسية. وفي ظل بداية مهمة إعادة البناء المضطربة، يخشى المحللون أنَّ النظام سيجعل استعادة اللاجئين العائدين ممتلكاتهم وأصولهم أمراً صعباً؛ إذ ربما تصادرها الدولة وتمنحها للموالين. فحتى في ظل سلامٍ وهمي، قد تتفاقم الانقسامات الجديدة ويشتدُّ الظلم.
وفي الأسبوع الماضي، رفض النظام اقتراحاً روسيّاً من شأنه أن يقلل من صلاحيات الأسد الرئاسية، ويؤدي جزئياً إلى اللامركزية في الحكم، ويحدد مدة لا تقل عن فترتين متتاليتين لشغل منصب الرئيس، مدة كلٍ منهما 7 سنوات. وقال متحدث باسم المعارضة إنَّ عدم استعداده لقبول مثل هذه الشروط يدل على أنَّه “لا يرغب في حلٍ سياسي”.