باراك يجند الأصوليين من أجل مقايضات علي الجيش
ايهود باراك رجل كثير الحقوق، كثير الذكاء وخطير، أخطر بكثير من نتنياهو وليبرمان وسموترتيش. لأن إيهود باراك بخلاف كل أولئك، ما يعد به يعتقد أنه يجب أن يفي به. نتنياهو يتحمس في الانتخابات ويهدأ بعدها، أو يتحمس في الجمهور ويهدأ في الجلسات التي تتخذ فيها القرارات المهمة. أما باراك فيتحمس ويحاول التنفيذ. هذا الأسبوع وعد بأن “يقطع دابر المؤامرة التي تعقدت بلا مخرج”، المتعلقة بتجنيد الأصوليين. وسيحملنا من “الإكراه الذي فشل – إلى الدمج الناجح”. وبعد ذلك امتشق دليلاً: “مثلما قطعت دابر مؤامرة البقاء الدامي وبلا جدوى في جنوب لبنان”، وفقا لصحيفة “معاريف” العبرية.
لقد درج على التشبيه بين طبيعة باراك وطبيعة من كان مرؤوسه في وحدة سييرت متكال الخاصة، نتنياهو. ولكن وجه الشبه قليل؛ نتنياهو محافظ – وباراك ثوري. نتنياهو حذر ومحسوب – وباراك متهور ومندفع إلى الأمام. نتنياهو يعرف أن للواقع قوة خاصة به، أما باراك فيخيل بقوته أن يهندس الواقع. صحيح، هكذا قطع، بخطوة لا يزال مسموحاً الجدال على طريقة تنفيذها دابر المؤامرة في جنوب لبنان. هكذا قطع لنفسه الائتلاف، لأنه لم يتنازل عن سفر توربين لشركة الكهرباء يوم السبت. هكذا اندفع إلى كامب ديفيد، وأجرى “نهاية للخدعة الإسرائيلية” المتمثلة بمسيرة السلام. في صالحه، كشف الوجه الحقيقي لياسر عرفات. في طالحه، كشف إسرائيل أمام موجة إرهاب نتائجها واضحة حتى اليوم. جاء، قطع، رحل. الثورية ميزة جارفة، “طاقة مركزة”، كما وصف ذلك باراك. وهي جارفة أساساً عندما ترتبط بالشخص الصحيح. قائد، جريء، داهية، يسعى إلى الهدف. 70 سنة وإسرائيل تجر مشكلة تجنيد الأصوليين. يأتي باراك ويحررها. مثلما حرر المخطوفين في طائرة سابينا. عوفر شيلح من “يوجد مستقبل” رد على وعد باراك بكلمات “جاهلة، شعبوية وسطحية”.
هذا رد أديب جداً، ولكن سنكتفي به، مع إضافة توسع: فهو يصف مطلق الوعود ومن يؤمن بها. قال باراك إن “الجيش سيجند وفقاً لاحتياجاته، وكل من يطلبون الخدمة فيه، وسيواصل كونه جيش الشعب”. أعطوه الحظوة: فهو يفهم بأن الحديث يدور عن جملة تناقض نفسها مرتين على الأقل. وهو أذكى، على ما يبدو، منا جميعنا. السؤال إذا كان مستمعوه انتبهوا للتناقض. “حسب احتياجاته” لا تستوي مع “كل من يطلبون الخدمة فيه”؛ إذ من شأنه أن ينشأ وضع تفوق الاحتياجات الطالبين. وأكثر من ذلك: “من يطلبون” لا تستوي مع “جيش الشعب”. بكلمات بسيطة، باراك يتحدث عن خدعة إسرائيلية، ويبيع خدعة إسرائيلية. السؤال هو أي خدعة إسرائيلية تفضلون: خدعة تجنيد الأصوليين، التي ليست سهلة على الهندسة بالفعل، أم خدعة جيش الشعب، الذي يسعى باراك إلى تفكيكه.
إن معنى اقتراح باراك هو نهاية طريق الجيش الإسرائيلي كجيش الشعب. ولعله حان الوقت لهذا أيضاً. ولعله لم يحن الوقت لهذا. فجأة، في ساعة ظهيرة من الملل، في حر صيف بداية الحملة، توصل الثوري إلى حسم الموقف. إذاً، ما لمعاني الإضافية التي ستكون لمثل هذه الخطوة. فهل فحص آثارها على المجتمع الإسرائيلي؟ على أمنه؟ على تراص صفوفه؟ على ثقافته؟ على شبابه؟ على العلاقات بين فئاته السكانية؟ هل تصور إسرائيل بلا الجيش المعروف لنا، ولاحظ أن دولةإسرائيل ستكون أفضل بهذا؟ إذا كنا سنخمن، فإن باراك لم يفكر بكل هذا. فكر بالسياسة، لعله وعد بعدم التجنيد كي يسحق قوة ليبرمان ولبيد، اللذين جعلا من التجنيد علماً شعبياً. لعله وعد بعدم التجنيد كي يتخذ في نظر أصحاب الذاكرة القصيرة السائرين خلفه كزعيم بعيد النظر، إبداعي، صورة من لا يخاف أن يقول الحقيقة في الوجه. ولكن الأكثر معقولية هو أن باراك وعد بعدم التجنيد كي يتمكن من إقامة ائتلاف مع الأصوليين. وبكلمات بسيطة، نتنياهو يبيع الجيش الإسرائيلي بشيكل، وباراك يشتريه بشيكلي