انفجار لبنان الكبير وهجمات طهران السيبرانية وغارات سوريا الغامضة.. ما المشترك بين كل هذه الأحداث؟
جاء تفجير بيروت الكبير ليعزز التصور عن الحياة المأساوية التي تعيشها الدول المنضوية تحت اللواء الإيراني.
فحتى قبل تفجير بيروت عانى لبنان سلسلة من الأحداث الغامضة في إطار الصراع بين حزب الله وإسرائيل، (إضافة للأزمة الاقتصادية)، كما تعاني سوريا من الغارات الإسرائيلية المتكررة، إضافة إلى تفجيرات غامضة استهدف بعضها مواقع إيرانية وروسية شرق سوريا.
حرب سيبرانية تُشن على إيران
أما إيران زعيمة المحور، والمتحكمة في عواصمه الأربع العربية بغداد، وصنعاء وبيروت ودمشق، فقد عانت من تفجيرات غامضة واسعة النطاق ضربت أهدافاً حيوية في البلاد، وسط غموض كبير حول سببها ومداها.
ووقعت عدة انفجارات وحرائق حول منشآت عسكرية ونووية وصناعية في إيران منذ أواخر يونيو/حزيران 2020، وقد أسفر أحدها عن مقتل 13 شخصاً بعدما شهدت منشأة طبية انفجاراً في شمال العاصمة طهران.
ففي 19 يوليو/تموز 2020، أعلنت إيران أن انفجاراً وقع في محطة كهرباء بإقليم أصفهان وسط البلاد.
قبل هذا الانفجار بأربعة أيام، هز انفجار مماثلٌ العاصمة الإيرانية، وقالت وكالة “مهر” إن الانفجار حدث “أمام مدخل منطقة بارشين العسكرية، وليست هناك أي تحركات لعربات الإطفاء والإنقاذ”.
كما شبّ حريق في ميناء بوشهر غرب إيران، وقبل ذلك وقع انفجار بمنشأة نطنز النووية لتخصيب اليورانيوم في الثاني من شهر يوليو/تموز 2020، كما وقع تفجير بمجمع خوجير الصاروخي في 22 يونيو/حزيران 2020.
يُعتقد أن معظم هذه الأعمال تمت عبر حرب سيبرانية إسرائيلية أو أمريكية.
وهو تكهن لم يستبعده جنرال إيراني في تفسيره لأحد التفجيرات الضخمة التي تعرضت لها بلاده، قائلاً إنَّ الانفجار الضخم الذي وقع شرق طهران، سببه “قرصنة”، وسط تكهنات بأنَّه عمل تخريبي أدّى إلى تدمير مجمع إيراني لتصنيع الصواريخ، في إطار حرب سيبرانية أمريكية إسرائيلية مع إيران.
وبينما لم تكشف السلطات الإيرانية عما إذا كانت تتهم أحداً بالمسؤولية عن التفجيرات المتتالية، فإن الترجيحات أميل إلى دور إسرائيلي، وذلك بهدف الدفع نحو مواجهة مع طهران، قبل موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي هذ الإطار قال موقع “Business Insider” الإخباري الأمريكي، إن إسرائيل هي من نفذت عمليات التفجير وحرق الأهداف في إيران خلال الفترة الأخيرة.
وقبل ذلك تعرضت إيران لكارثة وطنية تزامنت مع مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، عندما أسقط الحرس الثوري طائرة أوكرانية بعد أن ظنها المسؤول لحظة الكارثة، أنها طائرة أمريكية معادية.
وبينما تختلف أسباب التفجيرات والكوارث التي تقع في دول المحور الإيراني، بين هجمات إسرائيلية شبه معلنة في سوريا، أو حرب سيبرانية محتملة وراء التفجيرات التي استهدفت إيران، فإن المشترك بين التفجيرات أنها حوَّلت حياة مواطني إيران والدول الخاضعة لها إلى جحيم كما رأى العالم كله ذلك في بيروت.
وإذا كانت إيران وأتباعها يرون أن ما يحدث هو حرب بشكل جديد (اللافت أنه أسلوب أقرب إلى أسلوب الحرس الثوري وميليشياته)، فإن التساؤل يظل قائماً: لماذا لا تستطيع إيران وجنودها الإقليميون التصدي أو الرد على هذه الهجمات، رغم أنهم يقدمون أنفسهم لشعوبهم ومريديهم على أنهم قوة إقليمية استثنائية صامدة بجدارة أمام أمريكا؟
فكيف لإيران وهي قوة سيبرانية معترف بها، أن تقع ضحية هذا العدد الكبير من الهجمات السيبرانية، رغم أنها أصلاً تعرضت لها من قبل في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي يُعتقد أنه نجح في تأخير البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير، عبر واحدة من أهم وأعقد الهجمات السيبرانية التي أدت إلى تدمير عدد من أجهزة الطرد المركزية الإيرانية، دون أن يدري الإيرانيون لفترة أن هناك هجوماً أمريكياً، بل ظنوا أن لديهم مشكلة فنية داخلية.
ولكن السؤال الأخطر هو الذي تطرحه الكوارث التي تحدث من جراء الإهمال وليس التخريب الإسرائيلي أو الأمريكي المحتمل، أو المؤكد في بعض الحالات.
فإذا كان إلقاء اللوم على إسرائيل وأمريكا في أحداث مثل اغتيال سليماني أو الهجمات السيبرانية الغامضة على أهداف إيرانية عالية القيمة والغارات الإسرائيلية في سوريا، يقلل من مسؤولية قادة المحور الإيراني، فإن الفشل المحلي الذاتي الذي بدا واضحاً في كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية، والذي يبدو فجاً من قِبل حلفاء إيران في العراق، وحلفاء الحلفاء في لبنان (التيار الوطني الحر باعتبار أن حزب الله ترك له الملفات الداخلية تقريباً)- أمر لا يمكن للقادة الإيرانيين وأتباعهم التبرؤ منه.
إذ يشعر كل المواطنين في البلدان الخمسة الخاضعة لقيادة آية الله علي خامنئي (إيران العراق، سوريا، لبنان، اليمن) والذين أصبحوا رعايا قسريِّين في الأغلب للإمبراطورية الفارسية الجديدة، بأنهم فقط لم يجبَروا على أن يكونوا رعايا للإمبراطورية، بل إنهم رعايا لإمبراطورية فاشلة.
نعم أثبتت إيران وأتباعها مهارة لا يستطيع أعداؤها إنكارها في استخدام المناورات السياسية، للهيمنة على أربعة بلدان عربية، كما أثبت أتباع إيران أنهم من أمهر الميليشيات بالعالم في حروبهم.
وتبين أن خليط المناورات السياسية وحروب العصابات، واختيار الحلفاء بدقة، منح إيران سيطرة على أربع دول عربية، أغلب مجموع سكانها من غير الشيعة.
والآن لدى إيران إمبراطورية تضم أقل قليلاً نصف سكان الشرق الأوسط (عدد سكان إيران والدول العربية الأربع الخاضعة لها نحو 170 مليون إنسان من بين 370 مليوناً يعيشون في الشرق الأوسط).
ولكن ماذا بعد؟ لقد ذهبت سَكرة النصر، وأصبحت الإمبراطورية وأدواتها لا تستطيع التنصل من المسؤولية عن حياة مواطنيها الشرعيين ورعاياها القسريين.
فالواقع أن السكان الذين يعيشون تحت هيمنة إيران يعانون أسوأ وضع في المنطقة.
فما ظهر حتى الآن هو مقدار لافت من عدم الكفاءة تدار به إيران داخلياً، والأسوأ المقدار الهائل من عدم الكفاءة والفساد الذي يدير به حلفاء إيران، العراق.
ومقدار مذهل من التبلد تجاه أكبر أزمة إنسانية بالعالم أظهره الحوثيون في اليمن.
حزب الله.. أيقونة إيران تنزلق إلى فشل ذريع حتى قبل تفجير بيروت الكبير
وحتى حزب الله أكثر أدوات إيران مهارةً، فيبدي مقداراً لافتاً من عدم المبالاة يتناسب طردياً مع مقدار عدم الكفاءة والفساد والسلوك السياسي المستفز لحليفه الأهم حالياً جبران باسيل.
وهو امتداد لمعادلة قام بها حزب الله لسنوات.
وهي أنه يترك الساسة اللبنانيين يفعلون مايشاءون في البلد، مكتفياً بخطوط حمراء، أبرزها سلاحه ومصالح الطائفة الشيعية وتأمين هيمنة حلفائه على البلاد، مع محاولة ترك مساحة تذر الرماد بالعيون لخصوم يأمل أن يُسكتهم وأن يأتوا للبنان بالدعم الخارجي في ظل فقر وشح الراعي الإيراني الذي يقتصر دعمه على أخلص الأتباع وليس كلهم حتى.
يفترض حزب الله أنَّ تركه المناصب الأساسية لحلفائه يُعفيه من مسؤولية الحكم المهترئ، وبينما يُظهر تشدداً يصل إلى العنف وقهر الخصوم إذا تم المساس بثوابته (مثلما حدث في أحداث مايو/أيار 2008 عندما اقتحم مقاتلوه ومقاتلو حركة أمل، شوارع بيروت، بسبب عزم الحكومة على تفكيك شبكة المقاومة وإضعاف سيطرته على المطار).
الحزب الذي يقدم نفسه باعتباره نموذجاً للزهد وللكفاءة العسكرية وسط طبقة سياسية فاسدة، شريك أساسي في المآسي التي تشهدها البلاد؛ تارة كشريك مباشر في اقتسام كعكة البلاد، وتارة بتوفير غطاء لحلفائه للقيام بممارسات أسوأ من تلك التي كان ينتقدها لدى قوى 14 آذار، خاصةً تيار المستقبل.
النتيجة انهيار لبنان، وحزب الله يحاول إقناع اللبنانيين والعالم بأنه لا يحكم وأن من يحكم البلاد حكومة تكنوقراط، وأن الحكومات السابقة التي كانت حتى أكثرها معارِضة له لا تستطيع الاقتراب من خطوطه الحمراء، هي المسؤولة عن حال البلاد، بينما هو يدَّعي أنه يقف على منبره العالي لا يمد يده لعملية التدمير الممنهجة التي قامت بها الطبقة السياسية اللبنانية.
ولكن الواقع أنه لم يكتفِ بمشاهدة هذا النهب الكبير، بل شارك في حل خلافات الفرقاء على توزيع الكعكة، كما أصبح بدوره أحد الأطراف التي تشارك في اقتسام الكعكة.
هل تنهار الإمبراطورية الإيرانية؟
فيما يتعلق بمجمل المحور الإيراني، فإن إيران وأتباعها أثبتوا كفاءة عالية في الهيمنة على أقطار عربية تضم كتلة غير شيعية كبيرة.
والآن أصبحت هذه الإمبراطورية الفارسية تضم مواطنين درجة أولى من الإيرانيين لا سيما سدنة النظام، ثم شيعة عرباً كمواطنين درجة ثانية، وأخيراً مواطنين درجة ثالثة أو رابعة من غير الشيعة تتحدد مراتبهم في الأغلب عبر تدرُّج علاقتهم بحلفاء إيران المحليين.
ولكن في المقابل، فإن الإمبراطورية الفارسية الجديدة لا تمنح مواطنيها الإيرانيين ورعاياها القسريين العرب سوى مقدار لافت من عدم الكفاءة في كل أطوار الحياة باستثناء الكفاءة في الاستحواذ على السلطة.
ورغم تدهور الحياة بشكل مريع في الأراضي العربية للإمبراطورية الفارسية، فإن رهان القادة الإيرانيين هو أن يستخدموا الاستقطاب بين الشيعة وغير الشيعة إضافة إلى ما يُعرف بالسلاح المقاوِم؛ لإبقاء الإمبراطورية على أنقاض شعوبها.
ولذا فإن المفارقة أن أكبر مقاومة حالياً للإمبراطورية الفارسية الجديدة تأتي من إيران نفسها، حيث لا يمكن لقادة البلاد التلاعب بالاستقطاب بين الشيعة والسُّنة في ظل الغالبية الشيعية بالبلاد، وكذلك العراق الذي توجد به أغلبية شيعية ولم يعد العرب السُّنة والأكراد يمثلون أدنى تهديد لسيطرة الشيعة على الحكم.
ولكن حتى الآن تثبت الإمبراطورية الإيرانية أنها ماهرة في شيء واحد: الهيمنة.