انسحاب الأكراد من منبج يصبُّ في مصلحة أردوغان قبل الانتخابات.. ولكن مهلاً! الاتفاق مع أميركا مهدد بالفشل
وافقت الولايات المتحدة وتركيا، الإثنين 4 يونيو، على خطةٍ لسحب مقاتلين أكراد من مدينة “منبج”، شمالي سوريا، كخطوةٍ نحو حل أحد أكثر النزاعات توتُّراً، التي اندلعت بين البلدين في الآونة الأخيرة، ما يشكل مكسباً كبيراً للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية.
وأيَّد كلٌّ من وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، ووزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو “خارطة الطريق”، التي بدأ الحديث عنها قبل عدة أيام، لضمان الأمن والاستقرار في منبج، بحسب بيان لوزارة الخارجية الأميركية، صادر عقب اجتماع المسؤولين في واشنطن الإثنين.
والثلاثاء، نقلت رويترز عن “وحدات حماية الشعب الكردية” أن مستشاريها العسكريين سيغادرون المدينة بالفعل، مشيرةً، في بيان، أن قواتها انسحبت منها في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، لكن مستشاريها العسكريين ظلوا هناك لتقديم العون لمجلس منبج العسكري.
وتعتبر المدينة مُحصَّنة من الضربات الجوية للنظام السوري، من خلال القوة الجوية الأميركية، لكن كان العديد من العرب مُتردِّدين في العيش تحت الإدارة الكردية، التي فرضت التجنيد العسكري، من بين أشياء أخرى، إضافة إلى اعتبار أنقرة توسُّع تلك القوات المرتبطة بميليشيات إرهابية على حدودها الجنوبية خطراً استراتيجياً.
تفاصيل الاتفاق
تشير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن أيّاً من الطرفين لم يفصح عن تفاصيل الخطة، واكتفى المسؤولون الأتراك والأميركيون بالتأكيد أنَّها دعت إلى انسحاب القوات الكردية من المدينة.
وتنقل الصحيفة في تقرير، الثلاثاء، عن مسؤولين أتراك، أنَّ خارطة الطريق تقضي بانسحاب القوات الكردية في منبج -وحدات حماية الشعب- وأيضاً القادة الأكراد والقادة السياسيين من المدينة، ليحل محلَّهم قادة محليون. وقالوا أيضاً إنَّ الخطة تضمَّنَت إشرافاً مشتركاً من جانب القوات التركية والأميركية على عمليات الاستقرار في المنطقة.
فيما لم يؤكِّد المسؤولون الأميركيون تفاصيل الخطة، لكن قال اثنان من المسؤولين إنَّ الاتفاق دعا إلى الانسحاب النهائي للمسلحين الأكراد في منبج. ولم يؤكِّد المسؤولان، اللذان تحدَّثا شريطة عدم الكشف عن هويتهما، أنَّ هناك خطة للبلدين من أجل الإشراف المشترك على المدينة.
وأعلنت تركيا عدة مرات أنها توصَّلت إلى اتفاق حول منبج، بما في ذلك مع وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون، قبل بضعة أيام فقط من عزله من منصبه، في مارس/آذار الماضي. وقالت الولايات المتحدة مراراً إنَّه لم يتم التوصُّل لاتفاق.
وحتى يوم الإثنين، بدا الجانبان بعيدَين عن التوصُّل إلى أرضيةٍ مشتركة، وكان بيان وزارة الخارجية الأميركية مُبهَماً وفق الصحيفة، ولم يذكر تفاصيل عن الخطة، وقال العديد من المسؤولين الأميركيين، الذين طُلِبَ منهم تأكيد المعلومات من تركيا، إنَّ إعلان التوصُّل إلى اتفاقٍ قد أخذهم على حين غِرة.
وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، لصحفيين إنَّه كان هناك “جدول زمني واضح” للخطة، وأضاف: “نحن نتحدَّث عن بضعة أشهر، ليس ستة أشهر. يجب أن ينتهي الأمر في غضون أقل من ستة أشهر”.
بدوره، قال المُتحدِّث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداج، يوم الإثنين، أيضاً إنَّ جدولاً زمنياً قد حُدَّد لمغادرة وحدات حماية الشعب الكردية المنطقة. وقال لوكالة الأنباء التركية شبه الرسمية، الأناضول: “الأمر ليس مفتوحاً”.
ومع ذلك، قال المسؤلان الأميركيان إنَّ الاتفاق يستند إلى شروط على الأرض، دون أن يوضع جدولٌ زمني.
حدَّد المسؤولون والمُحلِّلون السياسيون الأتراك خارطة طريق مدتها ثلاثة أشهر، الأسبوع الماضي، تدعو القادة الأكراد للانسحاب من منبج في غضون 30 يوماً من توقيع الاتفاق. وأفادت خارطة الطريق أيضاً بأنَّ القوات الأميركية والتركية ستقوم بدوريات مشتركة للإشراف على الأمن في المدينة، وستقوم بتدقيق اختيار القادة والمسؤولين السوريين المحليين لتولّي الأمن والحكم المحلي في الأشهر التالية.
ولم يؤكِّد المسؤولون الأميركيون هذه التفاصيل، ولم يقل المسؤولون الأتراك يوم الإثنين ما إذا كان قد تم الاتفاق على هذه العناصر.
ووفقاً لخارطة الطريق هذه، ستبقى قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها الولايات المتحدة، والتي معظمها من العرب وتقاتل داعش، في منبج. لكن سيغادر القادة الأكراد ويحل قادة عرب محليون محلَّهم. وسيُجري اختيار القادة المحليين لإدارة المجلس المحلي، الذي هيمن عليه خلال السنوات القليلة الماضية حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ذو الارتباط الوثيق بحزب العمال الكردستاني.
وأوضح محمد أكاركا، رئيس المديرية العامة للصحافة والنشر والإعلام في تركيا، ومستشار الرئيس أردوغان، أنَّ تركيا ستنشئ قاعدة على مشارف منبج القريبة من الحدود التركية، وستحافظ على وضع مراقب بجانب القوات الأميركية. وقال إنَّ تركيا لن تجري أي عمليات عسكرية أخرى مثل عملية مدينة عفرين، المعروفة باسم عملية “غصن الزيتون”.
وأضاف: “الأمر الرئيسي هو أننا لا نريد وجوداً إرهابياً على الجانب الآخر من حدودنا. هم على حدودنا مباشرةً؛ على طرف أنوفنا”.
وتابع: “أُنجِزَت الصفقة. سوف ينسحبون في الأيام القادمة. هذه هي الطريقة الصحيحة للمُضي قُدُماً مع أميركا للتعامل مع تركيا بطريقةٍ سلمية”.
ومع ذلك، قد تكون مسألة تغيير القيادة أمراً مفعماً بالتحديات والمشكلات، وقد تؤدي إلى نزوح مدنيين.
وقالت أماندا سلوت، الزميلة البارزة في مركز بروكنغز للأبحاث ومسؤولة السياسة الخارجية السابقة في إدارة باراك أوباما، في تعليقاتٍ عبر البريد الإلكتروني، إنَّه ما زال هناك الكثير ينبغي عمله، لكن ربما قد تبدأ دوريات مشتركة قريباً.
وأضافت “سلوت”: “إنَّ القرارات المتعلقة بالتدقيق وإجراء تغييرات في الموظفين في الهياكل الإدارية والأمنية ستستغرق بلا شك وقتاً أطول. وهذه هي النقطة التي عندها قد تبرز تحديات التنفيذ”.
“نصر لأردوغان”
ستسمح الصفقة للرئيس أردوغان بتحقيق نصر مهم في إزالة الوجود السياسي والعسكري الكردي، الذي يصفه بالتهديد الإرهابي، وسيفتح مدينة منبج العربية للاجئين السوريين للعودة من تركيا، بحسب التقرير.
ويأتي ذلك بالرغم من استمرار تعثر إعادة وضع العلاقات بين أنقرة وواشنطن إلى سابق عهدها، بسبب العديد من الخلافات التي يتبادل الطرفان الاتهامات باختلاقها، وقد تكون من جهة أخرى بادرة إيجابية نحو تسوية بقية الملفات العالقة، ما سيعيد لأردوغان العديد من أسباب القوة، داخلياً وإقليمياً، ويعيد للإدارة الأميركية حليفها المهم في المنطقة.
ومن أبرز الخلافات التي ظهرت أخيراً، نظر الكونغرس تأجيل شراء تركيا مقاتلات من طراز F-35، جزئياً رداً على قيام تركيا بشراء نظام دفاع أرض جو روسي من طراز S-400، حسبما ذكر مُحلِّلون ووسائل إعلام تركية.
من جانب آخر، تواصل أنقرة المطالبة بتسليم مواطنها المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن، الذي تتهمه بالتحريض على محاولة الانقلاب الفاشل الذي حدث عام 2016.
وفي حملةِ قمعٍ واسعة النطاق ضد عشرات الآلاف من المُتَّهمين بأنَّهم أتباعٌ لغولن، اعتقلت تركيا أيضاً ستة أميركيين، من بينهم القس الأميركي المقيم لديها، آندرو برونسون، واثنان من موظفي السفارة الأميركية، ما فاقم التوتر بين الجانبين، بالرغم من تقديم أنقرة ما قالت إنها أدلة على تورطهم في علاقات مع انقلابيين.
الخلاف التركي-الأميركي في الشمال السوري
وبحسب التقرير، فقد برزت منبج كنقطة اشتعال محتملة بين الولايات المتحدة وتركيا، وهما حلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، بعد أن أرسل أردوغان قواتٍ تركية للسيطرة على جيب عفرين الكردي، في يناير/كانون الثاني.
وقد تعهَّدَ أردوغان مراراً باستمرار التوغُّل التركي إلى منبج، وطرد القوات الكردية هناك، لكن تلك القوات الكردية تتحالف مع القوات الخاصة الأميركية، التي أعلنت أنَّها ستقاوم أي هجوم.
تعتبر تركيا المسلحين الأكراد تابعين لحزب العمال الكردستاني، الذي صُنِّفَ كجماعةٍ إرهابية من جانب تركيا والولايات المتحدة، وتقول أنقرة إنَّ الدعم الأميركي للميليشيا الكردية يعادل تسليح مجموعة كانت تقاتل لإثارة تمرد في تركيا على مدى 30 عاماً.
لكن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعتبر القوات الكردية في منبج شريكة القتال الأكثر موثوقية في المنطقة، ويُشكِّل المقاتلون الأكراد المُكوِّن الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً، التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ويتردَّد البنتاغون في اتخاذ قرار التخلي عن المقاتلين الأكراد، بمجرد انتهاء الحرب ضد داعش. ويقول إنَّ العمليات التركية ضد الأكراد السوريين تُقوِّض المعركة ضد المُتطرِّفين الإسلاميين.
وتُجري الولايات المتحدة وتركيا مناقشات حول منبج منذ شهور،على الرغم من “الخطاب الضاري” من جانبِ أنقرة، كما تصفه الصحيفة الأميركية، لكن كان التوصُّل إلى اتفاقٍ أمراً بعيد المنال يتأخر بسبب نزاعات أخرى مُتعدِّدة بين الدول.