انتقام المصور من السيدة النازية الكبرى.. الأرشيف يكشف أسرار المخرجة التي روجت لهتلر وعينها على هوليوود
بقفازين أبيضين يخرج مدير المتحف صندوقا كرتونيا أخضر مزينا برسوم الأزهار من علبته.
يفتحه، ثم بحرص وبطء يخرج الصور التي بداخله.
على الطاولة التي أمامه في متحف الصور الفوتوغرافية ببرلين يفرد مجموعة من الصور القديمة البنية الداكنة للمروجة الدعائية ليني ريفنشتال Leni Riefenstahl. يقول: “في هذه الصناديق أشياء لم يرها قط أحد من خارج الدائرة المقربة منها”.
رغم ماضيها المرتبط بهتلر، تعرض مقتنياتها الآن بحفاوة في متحف الصور الفوتوغرافية ببرلين، فيما يتواصل الجدل حول علاقتها بجرائم النازية وتحديدا جريمة بشعة يعتقد أن ضحاياها استخدموا في تصوير أحد أفلامها.
تنقل صحيفة The Guardian عن مدير المتحف، لودجر ديرينثال، أنه “في هذه الصناديق أشياء لم يرها قط أحد من خارج الدائرة المقربة من ريفنشتال”.
كانت أعمالها الفنية في خدمة النازية
الصناديق الـ 700 تحوي كل ما تركته الأيقونة النازية الجديدة التي أثارت الإعجاب حتى في هوليوود.
و تضم هذه المجموعة صورا وأفلاما ورسائل ووثائق بل وحتى بدلة الغوص والفساتين، فضلا عن صناديق تحوي لفائف الأفلام التي ترجع إلى حقبة العشرينيات.
وعلى بعد مرمى حجر من المتحف تقع صالة سينما Ufa Palast التي عرضت فيها لأول مرة الأفلام النازية، مثل Triumph of the Will و Olympia وسط ضجة إعلامية وترويجية صاخبة في الثلاثينيات.
Triumph of the Will / Triumph des Willens
ارتباطها المميت مع هتلر بدأ عام 1932 في تجمع انتخابي، وامتلأت إعجابا به. “بدا وكأن سطح الأرض امتد أمامي، وكأن الأفق انقسم من المنتصف وتفجر عن تدفق هائل من المياه. كان قويًا جدًا حتى أنه لمس السماء وهز الأرض”. كما كتبت في مذكراتها.
طلبت مقابلته، وقبلت عرضا لتصوير المؤتمر العام للحزب النازي في نورمبرغ عام 1933 وبشكل متحفظ قبلت عمل فيلم عن المؤتمر التالي، وحضر هذين التجمعين ملايين الألمان.
وكان هتلر ووزيره للترويج الدعائي جوزيف غوبلز معجبيْن بموهبة ريفنشتال الفذة في الترويج لأفكارهما السياسية الفاشية على الشاشة، لكي تستمتع بها الجماهير تحت ستار الفن.
لكنها تبرر ذلك بأنها كانت “غشيمة سياسيا”
ريفنشتال ظلت تحاول حتى وفاتها تصوير نفسها على أنها غشيمة سياسياً تصادفَ أنها وقعت في شباك آلة النظام النازي.
لكنها تورطت في حادث مثير للجدل، عندما أخرجت الفيلم الروائي
من بين المواضيع المثيرة للجدل حول ريفنشتال والتي قد تفيد ممتلكاتها بتسليط الضوء عليها فيلمُها الروائي Tiefland الذي اختارت له ريفنشتال بنفسها 122 شخصا من قبائل الروما والسنتي الغجرية الأوروبية من معسكري اعتقال، ثم بعد الانتهاء من تصوير الفيلم نقل هؤلاء إلى معسكر أوشفيتز حيث قتل معظمهم، وعُرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان كان 1945.
لقد تجاهل الأكاديميون والمؤرخون تماما ذلك الحادث، حسب نينا غلاديتس التي انتهت توا من تأليف كتاب عن ريفنشتال. “هناك الكثير من الأدلة التي أتلفتها ريفنشتال بنفسها بعد عام 1945 لئلا تدان وتحاسب على مقتل الغجر، ومن تلك الأدلة لقطات الفيلم القريبة التي لعلها كانت تسمح بالتعرف على هويات الغجر المقتولين”، كما تقول غلاديتس.
Tiefland
وعملها الأشهر الذي أثار الإعجاب كان وثائقيا
ومن أشهر أعمالها تصويرها لدورة الألعاب الأولمبية في برلين عام 1936 والتي سجلت خلالها تفوق لاعب أميركي أسود على منافسه الألماني وقيل إنها أصرت على عدم إطفاء الكاميرات كما طلب غوبلز الذين كان لا يريد تصوير هزيمة البطل الألماني أمام لاعب أسود.
وفي عام 1955، بعد عقد من انتهاء الحرب العالمية الثانية، اختارت مجموعة من مخرجي هوليوود هذا الفيلم كأحد أفضل 10 أفلام تم إنتاجها على الإطلاق.
لكن مؤرخي السينما ما زالوا يناقشون ما إذا كان ريفنشتال قد تحدت غوبلز وهتلر ، في ذلك الوقت، أو ما إذا كانت تفعل بالضبط ما يريدانه، بل إنها حاولت إضفاء طابعا إنسانيا على هتلر عبر الفيلم.
اللافت أنها ركزت في الفيلم على انتصارين للولايات المتحدة في الأولمبياد، وهو ما دفع البعض للقول إنها كانت تستهدف إثارة إعجاب هتلر، وفي الوقت ذاته كان تضع عينها على العمل في هوليوود.
علاقتها بالمصور اليهودي نيوتين تثير الأسئلة
البعض عبر عن عدم الارتياح لتخزين صور ريفنشتال في المتحف نفسه الذي تعرض فيه أعمال هيلموت نيوتن منذ عام 2004، المصور الفوتوغرافي اليهودي الذي أجبر على الفرار من ألمانيا النازية عندما كان صبيا في عام 1938 ودفن في برلين.
ولكن لدى المتحف تأكيدات من وريثتها يان بأن الاثنين كانا صديقين وأن نيوتن كان قد زار ريفنشتال في بوكينغ، ويشير المتحف إلى مراسلات تمت بين الاثنين.
كتب لها نيوتن ذات يوم: عزيزتي ليني، تبدين ساحرة أخاذة، وهاتان الساقان ستجعلان مارلين ديتريتش تطق حسدا.
هذه الرسالة البعض يشير إليها البعض باعتبارها دليلاً على العلاقة المقربة بين نيوتن وريفنشتال.
أما آخرون فيرون فيها مجرد محاولة ناجحة من المصور لإطراء ريفنشتال وحملها على الموافقة لتجلس أمام عدسته التصويرية من أجل مجلة Vanity Fair وهي بعمر الـ100.
نتيجة تلك الجلسة التصويرية كانت صورة أظهرت ريفنشتال بعينين جاحظتين بينما تضع مسحوقا تجميليا على وجهها، صورة لا تمت بصلة للإطراء، بل تبدو كأنها انتقاد لدورها في الرايخ الثالث، وهناتختم غلاديتس قائلة “هنا تذهب صداقتهما أدراج الرياح، فهذا انتقام نيوتن الأخير من السيدة النازية الكبرى”.
والمزيد من أسرارها في الطريق قريبا
توفيت ريفنشتال عام 2003 عن عمر يناهز 101، لكن ممتلكاتها ظلت في بيتها الكائن على ضفاف بحيرة شتارنبرج في بلدة بوكينغ بولاية بافاريا الألمانية حتى ممات زوجها عام 2016.
وبهذا أصبحت السكرتيرة جيزيلا يان الوريثة الوحيدة لكافة تلك الممتلكات. وعن ذلك قالت يان إن ريفنشتال لطالما أرادت أن تعاد الممتلكات إلى برلين مسقط رأسها والمسرح الذي شهد العديد من محطات مشوارها المهني الحافل بالجدل.
ويبدو أن الأعوام القادمة ستشهد تعاونا بين فريق مختصي أرشيف ناطقين بالألمانية وخبراء في شأن ريفنشتال وبين المتحف الفوتوغرافي ومحفوظات الأفلام والمكتبة الوطنية، بغية وضع قصة حياة ريفنشتال ولملمة أجزائها.