انتخابات اسطنبول: الديمقراطية التركية هي الرابح الأ
أسفرت نتائج الغالبية العظمى من نتائج الدوائر في إعادة انتخابات بلدية اسطنبول عن فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو بنسبة 54 في المئة أمام منافسه الرئيسي بن علي يلدريم مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي نال 45 في المئة. وكانت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا قد قررت إعادة الانتخابات التي أُجريت أواخر آذار/ مارس الماضي بعد طعون تقدم بها يلدريم وحزبه، وبالنظر إلى الفارق الضئيل في عدد الأصوات بين المرشحين.
وفي دلالة على قبول الحزب الحاكم بهذه النتيجة، لم يتأخر رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان عن تهنئة إمام أوغلو، مؤكداً أن «الإرادة الوطنية تجلت مرة أخرى اليوم، وأتمنى أن تعود نتائج انتخابات بلدية اسطنبول بالخير على المدينة». كذلك سارع يلدريم إلى تهنئة خصمه الفائز، متعهداً بمساعدة رئيس البلدية الجديد في كل ما يخدم صالح المدينة.
ويتفق المراقبون على اعتبار هذه النتيجة منعطفاً سياسياً كبيراً ويكتسي طابعاً رمزياً استثنائياً بالنظر إلى أن الحزب الحاكم احتفظ برئاسة هذه البلدية طوال ربع قرن، وأن أردوغان نفسه كان رئيس البلدية في سنة 1994، كما أن مرشح الحزب الخاسر لم يكن شخصية عادية بل كان رئيساً سابقاً للبرلمان وللحزب وللوزراء، وهو أحد المقربين من رئيس الجمهورية. ورغم أن العدالة والتنمية يسيطر على غالبية مريحة على نطاق مجموع البلديات في تركيا، إلا أن فوز المعارضة في مدينة اسطنبول يعدّ خسارة فادحة تضاف إلى خسائر الحزب في إزمير والعاصمة أنقرة.
لكن الديمقراطية التركية هي التي كانت الفائز الأكبر بموجب هذه النتيجة، وعلى أصعدة عديدة أولها أن ملايين المواطنين الناخبين في اسطنبول عبّروا عن درجة عالية من الوعي، وأقبلوا مجدداً على صناديق الاقتراع ومارسوا حقهم السياسي والدستوري بطريقة مسؤولة وخالية من مظاهر التعصب أو العنف. صعيد آخر هو الاحتكام إلى الأنظمة المرعية وقرار اللجنة العليا للانتخابات بعد دراسة الطعون، وليس بسبب اتهامات بوقوع أعمال تزوير أو تلاعب، خاصة وأن العدالة والتنمية هو الخصم المنافس والحاكم في الآن ذاته. وعلى صعيد ثالث، ورغم أن مرشح المعارضة الذي أعلن فوزه في الدورة الماضية اعترض على قرار اللجنة العليا واتهمها بالخضوع لضغوطات من الحزب الحاكم، إلا أنه قبل بالقرار ومضى إلى الإعادة بهمة وحماس وحشد أنصاره وتمكن من الفوز أخيراً.
إلى هذا كله ثمة رسالة شديدة الأهمية ترسلها نتائج انتخابات بلدية اسطنبول مفادها أنه بغض النظر عن بعض التراجع الذي شهده سجل الحقوق المدنية وحرية الصحافة في تركيا بعد محاولة الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2016، فإن التشكيك في التزام الحزب الحاكم بقواعد اللعبة الديمقراطية، والتأثير على اللجنة العليا للانتخابات، وكذلك اتهام أردوغان شخصياً ببناء شخصية متسلطة وسلطانية، لم تثبت صحتها ومضت عملية الإعادة بطريقة سليمة وآمنة.
ومن جانب آخر اتضح بطلان الادعاءات التي تشيع عادة في أوساط عدد من المعلقين والخبراء في الغرب حول عجز المجتمعات المسلمة عن ممارسة الديمقراطية الانتخابية لأسباب كامنة في تعاليم الإسلام ذاتها. وليس فوز إمام أوغلو في انتخابات الإعادة هذه إلا الدليل الساطع على العكس.