الولايات المتحدة تفقد “دييجو جارسيا” أكبر قواعدها السرية بالعالم
قد تكون قاعدة دييجو جارسيا العسكرية الأمريكية السرية بعيدة حوالي 16 ألف كيلومتر عن أقرب شاطئ قاري، لكنها أقرب إلى أي بلدة أمريكية عادية.
ويطلق الأمريكيون في الجزيرة على القاعدة العسكرية لقب “موطئ الحرية”، بحسب ما ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية.
غير أن القاعدة تظل أرضا غير أمريكية، بل هي إحدى بقايا الامبراطورية البريطانية النائية.
أما سبب كونها أرضا تابعة للإمبراطورية البريطانية السابقة، فهي أنه في العام 1965، وإبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وقعت الحكومة الأميركية اتفاقية سرية مثيرة للجدل مع نظيرتها البريطانية لاستئجار إحدى جزر أرخبيل في المحيط الهندي لإنشاء قاعدة عسكرية.
والجزيرة واحدة من حوالي 60 جزيرة استوائية يتألف منها أرخبيل تشاجوس، الذي كان يسمى سابقا “جزيرة الزيت”.
وسبب كون الاتفاق سريا يعود إلى أن بريطانيا كانت على وشك التخلي عن مستعمرة موريشيوس، التي كان أرخبيل تشاجوس يتبع لها إداريا.
وهذا يعني أن أرخبيل تشاجوس لم يحتفل يوما بعيد استقلاله، بل انتزع من موريشيوس وأطلق عليه اسم “إقليم المحيط الهندي البريطاني”، وهي خطوة رفضتها محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة عام 2019، واعتبرتها غير شرعية بموجب القانون الدولي.
ووجهت المحكمة إلى بريطانيا من أجل إنهاء استعمارها للأرخبيل، الواقع بين أفريقيا وإندونيسيا، بصورة مناسبة وملائمة، وإعادته إلى موريشيوس.
وتستطيع بريطانيا تجاهل قرار محكمة العدل الدولية، لكن سيتم مناقشة مسألة سيادة الأرخبيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم اعتراضات لندن.
غير أن القرار الدولي يمكن أن يتسبب بمشكلة للولايات المتحدة، إذ تعتبر قاعدة دييجو جارسيا العسكرية واحدة من أهم القواعد العسكرية الأمريكية في أعالي البحار وأكثرها سرية.
ويوجد في قاعدة دييجو جارسيا قرابة 1000 عسكري وموظف أمريكي وتستخدمها القوات البحرية الأمريكية وسلاح الجو الأمريكي وحتى وكالة الفضاء ناسا.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أعد مهبط الطائرات في القاعدة العسكرية لاستقبال مكوك الفضاء.
واستخدمت قاعدة دييجو جارسيا في عمليتي غزو العراق، وكانت مهبطا مهما للقاذفات الأميركية والمهمات المنطلقة في أنحاء مختلفة من آسيا، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي.
ويطالب كثير من البريطانيين، بمن فيهم زعيم حزب العمال جيرمي كوربن بإعادة الأرخبيل إلى موريشيوس.
وإذا ما حدث ذلك، يعتقد الخبراء أن ملكية قاعدة دييجو جارسيا ستخضع للتفاوض، وهي خطوة من شأنها أن تجعل موريشيوس دولة أكثر أهمية من الناحية الجغرافية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية إن حكومة بلاده ستنظر في قرار الأمم المتحدة بعناية، خصوصا وأن المنشآت العسكرية في الأرخبيل تساعد على حماية الشعوب في بريطانيا وحول العالم من التهديدات الإرهابية والجريمة المنظمة والقرصنة.
يشار إلى أن هناك أكثر من 800 قاعدة ومنشأة عسكرية أميركية في مختلف أنحاء العالم، تأسس كثير منها إبان فترة إنهاء الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي العام 1966 تم التوقيع على الاتفاقية بين واشنطن ولندن من دون إشراف الكونغرس الأمريكي والبرلمان البريطاني، وأعطت الاتفاقية للولايات المتحدة حق بناء قاعدة عسكرية في دييغو غارسيا إلى حين انتفاء الحاجة إلى المنشآت العسكرية، وهي صياغة غامضة بصورة قد تبدو متعمدة.
ومنحت حكومة موريشيوس مبلغ 4 ملايين دولار نظير موافقتها على الصفقة، بالإضافة إلى بيع صواريخ بولاريس النووية التي تطلق من الغواصات إلى بريطانيا، غير أن المشكلة كانت في المواطنين الأصليين في الأرخبيل الذين كان عددهم يقدر بحوالي 3000 نسمة.
ويعتقد أن بعض السكان الأصليين كانوا من العبيد الذين استقدمتهم فرنسا من مدغشقر وموزمبيق للعمل في مزارع جوز الهند في القرن الثامن عشر.
وبعد الحروب النابليونية تخلت فرنسا عن الجزر إلى بريطانيا.
وطور سكان الأرخبيل لغة ونظام تعليم ومدارس خاصة بهم، وكذلك نظام حياة مختلف عن ذلك في موريشيوس.
وفي العام 1967 بدأت بريطانيا والولايات المتحدة بتمزيق نمط الحياة الخاصة بسكان أرخبيل تشاغوس وقامتا بإبعاد وتهجير السكان الأصلين من أراضيهم، ولم تسمحا لمن هم في الخارج بالعودة إلى الأرخبيل، ثم حظرتا إمدادات الغذاء والدواء إلى الأرخبيل تدريجيا حتى العام 1973، وطلب ممن تبقى من السكان مغادرة الجزر بين عشية وضحاها بحسب ما ذكر بيير بروسبر، الذي ولد في جزيرة بيروس بانهوس شمالي الأرخبيل.
وبحسب مقابلات أجرتها سي إن إن مع شهود عيان من السكان الأصليين فقد نقلت سفينتا شحن السكان وألقت بهم في جزر تابعة لموريشيوس أو سيشل.
وفي ثمانينيات القرن العشرين، دفعت بريطانيا تعويضات تقدر بحوالي 5.2 مليون دولار لنحو 1300 مواطن من تشاغوس للتخلي عن حق العودة إلى الأرخبيل.
ويبدو أن هذه السياسة كانت متبعة مع مناطق أخرى، فقد حدث الأمر ذاته عام 1946 عندما “تم إقناع” 167 موطنا من أرخبيل بيكيني لمغادرة جنتهم المؤلفة من 23 جزيرة مرجانية” لأن أراضيهم “مطلوبة لصالح البشرية وإنهاء الحروب في العالم”.
والقصد من وراء هذا الأمر كان إجراء تجارب نووية في الأرخبيل، حيث ألقي عليه 23 قنبلة نووية بين عامي 1946 و1958.
وتظل القاعدة العسكرية في دييجو جارسيا سرية، ولا يسمح لأي كان بزيارتها أو دخولها باستثناء من يتم التعاقد معهم من سكان موريشيوس أو الفلبين “للقيام على خدمة الأمريكيين”.
أما سبب السرية المبالغ فيها، فأثار تساؤلات عديدة بشأن ما يجري في دييجو جارسيا، خصوصا أنه تم السماح بزيارة قواعد عسكرية مشددة، كما في غوام وغوانتانامو.
وأقرت بريطانيا عام 2002 بأن رحلتين جويتين سريتين لمعتقلين تابعتين لوكالة الاستخبارات الأمريكية حطتا في دييجو جارسيا، ثم ظهرت اعترافات أخرى، من بينها رئيس الأركان لورانس ويلكرسون، الذي كان يتبع وزير الخارجية الأسبق كولين باول قال إن عقوده مع الاستخبارات الأمريكية نصت على “التحقيق بواسطة التعذيب في دييجو جارسيا.