النظام غير قادر على قمع مظاهرات درعا بسبب روسيا
تشهد درعا في الجنوب السوري تطورات متسارعة تنذر بتحولات قد تطرأ على المنطقة مع صعود الحراك الشعبي إلى الواجهة مجدداً بعد أسابيع من تنامي العمليات العسكرية ضد مواقع النظام السوري، إذ خرجت مظاهرة مدنية ضمت العشرات ابناء – درعا البلد – وهو المكان الذي انطلقت منه شرارة الثورة في عام 2011، تطالب بإسقاط الأسد ومحاسبة القيادات التي صالحته، في حين أن دمشق لم يصدر عنها أي ردة فعل حتى الساعة، ما عدا ملاحقة كتابات «الرجل البخاخ» واستبدالها بأخرى موالية للأسد.
فيوم الجمعة، انطلقت مظاهرة بالقرب من المسجد العمري، وهي الأولى من نوعها منذ تسليم الجنوب السوري للقوات الروسية والنظام السوري بموجب اتفاق دولي، إذ طالب المتظاهرون الذين رفعوا راية الثورة السورية بإسقاط الأسد، فيما قام آخرون بتمزيق صورة «بشار الأسد» من على بلدية «ناحتة» شرقي المحافظة.
وقال الناطق باسم تجمع أحرار حوران «أبو محمود الحوراني» : الرجل البخاخ، أو كما يطلق عليه، كتب عبارات مناهضة للنظام السوري على جدار مقر المخابرات الجوية بمدينة الحراك، حتى أن العبارات تجاوزت الأسد ووصلت للإيرانيين في درعا.
من الجدير ذكره أن قوات النظام لا تتواجد في درعا البلد على الرغم من سيطرتها على كامل محافظة درعا جنوب البلاد، في الوقت الذي تتدخل الشرطة الروسية بين الحين والآخر إلى درعا البلد، مع وجود فصائل «المصالحة» هناك.
وأرجع المصدر ازدياد الاحتقان العام وبدء انهيار ما كان مخطط للجنوب، خاصة أن الأهالي اليوم أمام أكثر من 600 حالة اعتقال منذ تسليم درعا بأريافها بقرار دولي، منوهاً إلى أن النظام السوري لم يعلق ضد المظاهرات التي كانت تحت شعار «لا ميثاق مع النظام»، أما الكتابات المناهضة له، فتطاردها قواته بشكل سريع وتقوم بمسحها، واستبدالها بشعارات موالية للأسد.
النظام عاجز عن القمع
وأشار «الحوراني»، إلى أن قوات النظام غير قادرة على التحرك لقمع المظاهرات كما كان معتاداً سابقاً، وذلك بسبب وجود القوات الروسية، وهذا سهل عملية الحراك الشعبي الأخير بدرعا البلد بالقرب من المسجد «العمري»، في حين أن موسكو تترقب عن كثب ما يجري في المنطقة.
وأظهرت صور تداولها ناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي، عبارات كُتبت مؤخراً على أحد الجدران أبرزها «يا درعا الحراك معاكي للموت»، «يسقط بشار المجرم»، «الشعب يريد إسقاط النظام – ارحل يا مجرم».
كما اعتبر «الحوراني»، الكتابة على جدران درعا، كردة فعل طبيعية على التجاوزات المتزايدة ضد المدنيين، وبأنها المتنفس الوحيد للتعبير عن رفض تلك التجاوزات والقيود التي تحاول قوات النظام السوري فرضها على المدنيين في المنطقة. وتواصل أجهزة النظام الأمنية والمخابرات التابعة لها، وفق – المرصد السوري لحقوق الإنسان» من حملاتها التعسفية، وكذلك إصدار قوائم المدعوين لخدمة الاحتياط، ضمن صفوف جيش النظام، في ظل سلسلة حملات الاعتقالات التعسفية التي تشهدها عموم مناطق محافظة درعا. العودة للحراك المدني في الجنوب السوري، يأتي بعد أسابيع أظهرت نشاطاً في العمليات العسكرية ضد مواقع وحواجز تابعة للنظام، في حين ظهر تشكيل عسكري أطلق على نفسه مسمى «المقاومة الشعبية»، تبنى العديد من الضربات العسكرية ضد قوات النظام.
وعود كاذبة
عودة صحوة أهالي الجنوب السوري، حسب ما قاله العميد أحمد رحال لـ «القدس العربي»، تأتي بعد انكشاف عورة المصالحات التي يقودها النظام السوري والجهات المحلية المقربة منه تحت مظلة المتعهد الروسي، وذهاب وعوده السابقة أدراج الرياح، بما فيها حكم الأهالي للمنطقة، وعدم السماح لقوات النظام بدخول المدن والبلدات، وعدم التعرض للمدنيين واعتقالهم بشكل تعسفي.
أما الذي يجري على أرض الواقع، اعتقالات مستمرة، وإهانات للعامة لا حدود لها، وإجبار المئات بشكل قسري على الخدمة الإلزامية والاحتياطية تحت راية النظام السوري، كلها مقومات دفعت المدنيين للتحرك ورفض ما آلت إليه الأمور في درعا، بعد أن خدعوا من قبل، وهذا لا يعني أن الثورة تم وأدها في قلوبهم، فالحدث الطبيعي هو عودة الحراك لها بشكل جديد.
وحول قدرة الاحتجاجات الشعبية على قلب الطاولة على الاتفاق الدولي حول مستقبل الجنوب، قال العميد «رحال»: أيضاً لا يجب أن نزيد من سقف التوقعات بالمرحلة الراهنة، فهذا الشعب منهك القوى وبحاجة لمساعدات عاجلة ومشرد، وحالته اليوم ليست كتلك الماضية عندما كان يملك رصيدا شعبيا عاما، واقتصاديا جيدا، إنما يجب أن لا ننسى أن الطرف الآخر «النظام السوري» ضعيف، والحراك الشعبي ربما لا يستطيع قلب الطاولة على الجميع، وإنما هو رسالة لجميع الأطراف بإستمرارية هذه الثورة، ولم تمت ولم تنطفئ، وأن المدنيين يرفضون العودة إلى حضن الأسد، وأهالي درعا لن يقبلوا بحكم العصابات.
ويرى المتحدث، أن جميع الأطراف التي شاركت بإتفاق الجنوب السوري، قد تخلت عنه، ولم يبق أحد لا الولايات المتحدة ولا روسيا ولا حتى الأردن، والحراك هو عمل محلي بعد شعوره بالوقوع ضمن شباك الخديعة والمراوغة، وأن حركة التجديد بالنسبة للمدنيين لا يمكن أن تموت، وقد نكون اليوم أمام حالة عدم ثقة عامة بسبب «ضفادع المصالحات» ممن وقفوا ضد الثورة لصالح النظام، ولكن الشعب السوري في درعا قادر على مواصلة حراكه الشعبي حتى الوصول إلى أهدافه التي خرج من أجلها.