الندم يعتصر أنصاره السابقين لتصويتهم له.. هل بدأت القواعد الشعبية لترامب في التآكل؟
تُظهر استطلاعات رأي جديدة تراجع نسبة تأييد ترامب بين فئات مهمة، ويُظهر بعضها تراجعها برقم يتجاوز 10% لصالح خصمه الديمقراطي جو بايدن. وكان ما حدث مساء الإثنين الماضي من عنف الشرطة في تفريق المتظاهرين حتى يتمكن ترامب من الذهاب سيراً من البيت الأبيض إلى كنيسة سانت جون لالتقاط صورة مع الإنجيل جعل كثيرون من أنصار ترامب السابقين كنولان فوزيل يدركون أنهم قد رأوا ما يكفي. وفوزيل الذي يعمل نادلاً في مطعم في مدينة لورانس بولاية كانساس كان من مؤيدي ترامب في السابق. ولكن بعد تلك الحادثة، غرَّد بقوله: “بدأت أشعر بالندم على دعمي لترامب في يوم الانتخابات عام 2016. فهذا ليس صحيحاً، على كل المستويات”.
كيف خسر ترامب مؤيديه؟ وهل ذهبوا دون رجعة؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية، في ظل قيادة ترامب، خاض الجمهوريون حرباً مع حلفائهم التقليديين، مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI. وتقربوا من خصومهم القدامى في روسيا. ووافق رموز الجمهوريين على عجز هائل في موازنة الحكومة الاتحادية – سيتجاوز تريليون دولار هذا العام- “سيندى له جبين فرانكلين روزفلت”.
ومن بين أمور أخرى، طلب ترامب من المسيحيين الإنجيليين، حلفائه المخلصين، التغاضي عن الأوصاف الفاضحة لمغامراته الجنسية، والأموال التي دفعها لممثلة إباحية لإسكاتها والتخلي عن “الفئات المسيحية الضعيفة” في شمال سوريا.
لكن أتباع ترامب يواجهون أصعب مطالبه الآن. فلسنوات، رفض نشطاء يمينيون إمكانية نشر الجيش الأمريكي داخل حدود البلاد. لكن الآن، خلال حكم ترامب، أصبح غزو أمريكا لنفسها حقيقة؛ إذ خرجت فرق من القوات التابعة لوكالات تشرف في الظروف العادية على السجون والحدود ومكافحة المخدرات إلى الشوارع، في كثير من الأحيان دون شارات مميزة، لقمع الاحتجاجات وأعمال الشغب.
وهذا الأسبوع، حُشدت القوات العاملة خارج واشنطن، في انتظار أوامر ترامب. وأثار هذا الحشد لقوات الجيش مخاوف ماتيس، وهو جنرال بحري متقاعد.
وكتب قائلاً: “عسكرة تعاملنا مع التظاهرات، كما شهدنا في واشنطن العاصمة، تثير صراعاً خاطئاً بين الجيش والمجتمع المدني. وتقوض الأساس الأخلاقي الذي يضمن وجود رابطة موثوقة بين الجنود من الرجال والنساء والمجتمع الذي أقسموا على حمايته، والذي هم أنفسهم جزء منه”.
وقد اجتمعت كل هذه الظروف لضعضعة قاعدة ترامب التي كانت صلبة يوماً؛ إذ إن فوزيل، النادل من كانساس، ليس وحده النادم على انتخاب ترامب.
قواعد ترامب تتآكل بين صمت وشجب الجمهوريين
تقول ناتالي جاكسون، مديرة الأبحاث في معهد استطلاعات الرأي the Public Religion Research المعروف اختصاراً بـ (PRRI): “إذا كنتُ ناشطة جمهورية، فسيقلقني بعض هذه الأرقام”.
إذ أظهر آخر استطلاع أجراه المعهد تراجع نسبة تأييد ترامب عن بايدن بـ 11 نقطة. قد يكون جزء كبير من سبب هذا التراجع هو أن هؤلاء الناخبين البيض الذين لا يملكون درجة علمية -النواة الأساسية لقاعدة مؤيدي ترامب- قد عانوا كثيراً جراء تفشي فيروس كورونا.
تقول ناتالي: “معظمهم يعملون في صناعة الخدمات، وهم معرضون أكثر من غيرهم لخسارة وظائفهم، أو سيعملون في ظروف تشكل خطراً كبيراً على صحتهم”.
ولم ينقلب معظم رموز الحزب الجمهوري على ترامب، لكنهم التزموا الصمت. فبعد صورة ترامب وهو يحمل الإنجيل خارج كنيسة سانت جون، قال السيناتور مايك إنزي من ولاية وايومنغ والسيناتور روب بورتمان من ولاية أوهايو لشبكة NBC، بشكل منفصل، إنه لا يمكنهما التعليق؛ لأنهما “متأخران على الغداء”.
وقال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، من ولاية كنتاكي، إنه لا يريد “انتقاد أداء الآخرين”. لكن كروز عرض انتقادات من نوع ما؛ إذ وجَّه اتهامات بإساءة استخدام السلطة “من قِبل المتظاهرين، نعم”.
لكنَّ رموزاً جمهوريين آخرين، الأقل خشية لترامب، بدأوا في شجب تصرفاته. إذ انحاز الرئيس الجمهوري الأخير، جورج بوش (الابن)، إلى جانب المتظاهرين، وكتب في إشارة واضحة إلى ترامب: “الطريقة الوحيدة لرؤية أنفسنا من منظور حقيقي هي الاستماع إلى أصوات الكثيرين ممن يتألمون ويحزنون. وأولئك الذين شرعوا في إسكات تلك الأصوات لا يفهمون معنى أمريكا، أو كيف تصبح مكاناً أفضل”.
وقال السيناتور ميت رومني، من ولاية يوتا، في بيان: “من مقاطع الأخبار التي رأيتها، كان المتظاهرون أمام البيت الأبيض منظمين وسلميين. وما كان ينبغي تفريقهم بالقوة ودون سابق إنذار، خاصة عندما يكون الهدف الظاهر هو عرض صورة تذكارية”.
وكتب أحد ناخبي ترامب، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بسبب تهديدات، في رسالة: “بالنظر إلى المدى الذي وصل إليه حزب ترامب الجمهوري، أعتبر نفسي من اليسار الآن”.
ولذا أنشأ صفحة على فيسبوك أطلق عليها صراحة “I Regret Voting for Donald Trump in 2016” أو “نادم على تصويتي لصالح ترامب عام 2016”. وقال هذا الناخب: “يخشى الكثيرون النشر في العام خشية تعرضهم لهجوم يساريين لا يرحمون”، لكن صفحته تضم الآن 8600 متابع.
الرياح تسير عكس ما يشتهي ترامب
ويبدو أن ترامب قد يخسر الكثير في قادم الأيام، وقت تكالبت فيه على رئاسته ثلاث أزمات، هي جائحة كورونا والتراجع الاقتصادي والاحتجاجات الجماهيرية على وحشية الشرطة. وأوضح استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس الأسبوع الماضي أن 46% فقط من الأمريكيين الذي يعتبرون أنفسهم جمهوريين يقولون إن البلاد تسير في الطريق السليم.
وهذه هي أول مرة ينخفض فيها هذا الرقم لهذه الدرجة منذ أغسطس/آب 2017 عندما أدى تجمع نظمه متطرفون يؤمنون بتفوق الجنس الأبيض في تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا إلى اشتباكات عنيفة مع محتجين مناوئين لهم.
وحتى أوائل مارس/آذار الماضي قبل أن يتسبب فيروس كورونا في قرارات العزل العام على نطاق واسع في مختلف أنحاء البلاد، كان نحو 70% من الجمهوريين يقولون إنهم متفائلون بشأن مسار البلاد.
ولا تزال شعبية ترامب عند مستوى 40% إذ لا تزال أغلبية كبيرة من الجمهوريين تستحسن أداءه بصفة عامة. غير أن الخبراء يقولون إن طول فترة التشاؤم بين أنصار ترامب ربما ينذر بضعف محتمل قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني التي يواجه فيها نائب الرئيس السابق الديمقراطي جو بايدن.
وقال 37% من الجمهوريين إن البلاد تسير في طريق خطأ، وقال 17% منهم إنهم سيصوّتون لصالح بايدن إذا أجريت الانتخابات الآن، في حين لا يزال 63 % يعتزمون التصويت لصالح ترامب.
هل تنجح ورقة الاقتصاد بتعويض ما فقده ترامب أم ستغرقه أكثر؟
يعتقد الجمهوريون أن انتعاشاً اقتصادياً في الخريف سيعزز فرص ترامب في الانتخابات. وأظهرت بيانات الأسبوع الماضي أن عدد الوظائف زاد أكثر من 2.5 مليون وظيفة الشهر الماضي في ذروة الجائحة. ووصف ترامب تلك المكاسب بأنها “أعظم انتعاشة في التاريخ الأمريكي”.
وقالت إيرين بيرين، المتحدثة باسم حملة ترامب الانتخابية، إن “الاستطلاعات معروفة بأنها تكون على خطأ. تفصلنا خمسة أشهر عن الانتخابات، وأي استطلاع الآن لا يعد مؤشراً واضحاً على نتائج الانتخابات. كان مستطلعو الآراء على خطأ كبير في 2016 ويسيئون تقدير حماس الناخبين للرئيس ترامب في كل مرة”.
في السياق، تحذر تقارير الديمقراطيين من الركون إلى إشارات أن الحالة الاقتصادية السيئة الآن ستغرق ترامب، فالحكمة التقليدية التي أصبح متعارفاً عليها هي أن الاقتصاد السيئ يؤذي الرئيس خلال سابق الانتخابات. ولهذا السبب، يفترض معظم الناس أن الركود الناجم عن الوباء سيساعد جو بايدن في انتخابات 2020، كما يقول جيسون فورمان، المستشار الاقتصادي السابق في إدارة أوباما لموقع vox الأمريكي.
وبحسب فورمان، فإن نوع الانهيار الاقتصادي الذي نراه الآن مختلف تماماً عما رأيناه في فترات التراجع السابقة، مثل الركود العظيم أو حتى الكساد الكبير، وكلاهما كان ينطوي على انتعاش تدريجي. وفي هذه الحالة، سيكون الضرر طويل المدى هائلاً، ومن المحتمل أن يستغرق الأمر سنوات قبل أن نتعافى بالكامل، ولكن مع بدء الاقتصاد في الانفتاح مرة أخرى في الصيف، فقد نشهد طفرة سريعة في النمو الاقتصادي وأعداد العمالة. وبالتالي يمكن للانتعاش السريع أن يخلق رواية متفائلة إلى حد ما لترامب.
محاولات لإنقاذ شعبية ترامب من الانهيار
الشعور بالقلق البالغ بتآكل شعبية ترامب وصل إلى كبار مستشاريه، إذ كشف موقع Axios الأمريكي أن كبار مستشاري الرئيس قالوا في اجتماع خاص الأسبوع الماضي، إنه يتعين على ترامب إرسال رسائل تحث على الوحدة وتبعث على التفاؤل والأمل لموازنة خطابه الحاد حول القانون والنظام. إذ يشعر هؤلاء المستشارون بقلق بالغ إزاء استطلاعات الرأي الداخلية “القاسية” على الرئيس بعد طريقته في التعامل مع جائحة فيروس كورونا ومقتل فلويد.
وبحسب الموقع الأمريكي فقد استقر المستشارون على شعارات جديدة لترامب، مثل “عودة أمريكا الكبرى” المدعوم بكلمات مثل “التجديد” و”التعافي” و”استعادة المكانة” و”إعادة البناء”.
يأتي هذا في وقت يمر فيه ترامب الآن بمرحلة حرجة في رئاسته وحملته الانتخابية، إذ وصف مصدر مطلع استطلاعات الرأي الداخلية عن ترامب “بالقاسية”، مما يدل على انخفاض كبير في دعم المستقلين له.
فيما قال أحد كبار مستشاري ترامب إن “ثمة فكرة بأننا بحاجة إلى التغيير لنصبح أكثر تماسكاً من خلال رسالة التعافي وإعادة البناء واستعادة المكانة والتحسن… وهي فكرة تتماشى مع كوفيد-19 والاقتصاد والمشكلات العرقية”، مضيفاً: “الرسائل التي تنجح مع قاعدة مؤيدي شعار “اجعلوا أمريكا عظيمة مجدداً” لا تلقى صدى لدى المستقلين”.
مستشار آخر مطلع على النقاش الداخلي، قال: “عليه أن يخفف من الخطاب المثير للفتنة، ويتحدث عن القانون والنظام في سياق أعمال الشغب، وفي الوقت نفسه يقول إن البلاد متفقة على أن ما حدث لجورج فلويد لا يمكن أن يحدث مرة أخرى أبداً”.