المونيتور: كيف يمكن أن تبدو التسوية الروسية التركية بشأن إدلب؟
على الرغم من التصعيد الكلامي بين تركيا وروسيا واستمرار العمليات العسكرية التي تشنها قوات النظام السوري في إدلب، لا يزال التوصل إلى تسوية بين أنقرة وموسكو هو السيناريو الأقرب على أرض الواقع، فما شكل تلك التسوية؟ ومتى يمكن أن تتحقق على الأرض؟
موقع المونيتور الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: “كيف يمكن أن تبدو التسوية الروسية التركية بشأن إدلب؟”، ألقى الضوء على السيناريوهات المحتملة للتوصل إلى اتفاق بين أنقرة وموسكو بشأن إدلب، أعده كيريل سيمينوف، محلل مستقل متخصص بالشؤون السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط.
كيف يمكن تطبيق اتفاق سوتشي؟
انتهت المرحلة الثانية من المباحثات الروسية التركية في موسكو يوم 18 فبراير، دون التوصل إلى اتفاق بين الطرفين. ضمَّ الوفد الروسي المبعوث الرئاسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، وممثلين عن وزارة الدفاع، في حين ترأس نائب وزير الخارجية التركي، سادات أونال، الوفد التركي.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان: “تواصَل نقاشٌ مفصل عن الوضع (على الأرض) بسوريا، مع تركيزٍ على منطقة خفض التصعيد في إدلب. وأشار كلا الجانبين إلى التزامهما الاتفاقات القائمة التي تنص على إجراءات لتقليص التوترات، وتخفيف الأزمة الإنسانية، ومواصلة المعركة ضد الإرهاب”.
وبحسب البيان، أكَّد الطرفان المتفاوضان كذلك “أهمية دعم العملية السياسية لحل الأزمة السورية بقيادة وتنفيذ السوريين أنفسهم ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”. ووفقاً للمتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، فإنَّ أنقرة ليست راضية عن نتيجة المفاوضات، فقال: “لم نوافق على خريطة حدود منطقة خفض التصعيد التي اقترحتها روسيا. أهدافنا لا تتمثل في النفط أو السيطرة على الأراضي. ما نريده فقط هو حماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في المنطقة. إنَّ موجات اللاجئين تضع ضغوطاً على تركيا”.
ماذا تقترح موسكو؟
وقال مصدر بالمعارضة السورية لموقع Al-Monitor الأمريكي، إنَّ المقترحات الروسية تنطوي على سيطرة تركيا على شريط من منطقة خفض التصعيد في إدلب، بعرض 15 كيلومتراً بطول الحدود السورية التركية، وهناك يمكن وضع مخيمات اللاجئين السوريين. وتتمركز القوات التركية في الوقت الراهن على بُعد 20-35 كيلومتراً من الحدود. وتضمَّنت المقترحات كذلك نشر نقاط تفتيش روسية بين الجزء الخاضع للسيطرة التركية في منطقة خفض التصعيد بإدلب ومناطق عملية غصن الزيتون في عفرين. وأخيراً، اقترحت الصفقة فتح طريقي M4 وM5 أمام حركة المرور تحت السيطرة الروسية التركية المشتركة.
رفضت تركيا الخطة وتُصِرّ على الانسحاب الكامل لقوات النظام السوري من منطقة خفض التصعيد بإدلب، فقال قالن: “نُصِرّ على تطبيق مذكرة سوتشي بخصوص منطقة خفض التصعيد بإدلب وانسحاب الجيش السوري خارج المنطقة. الأمر يتعلق بالحدود التي تحددت قبل عامين ونصف العام. وُضِعَت نقاط مراقبتنا وفقاً لتلك الحدود، ولن نُغيِّر هذا”.
مؤشرات على تقريب وجهات النظر
وعلى الرغم من غياب أي تقدم ملحوظ في المباحثات الروسية التركية، فإنَّ هناك تحسناً ظاهرياً في خلفية العلاقات بين البلدين. إذ استؤنِفَت الدوريات الروسية التركية المشتركة بشمال شرقي سوريا، في السابع عشر من فبرايرالجاري. إلى جانب ذلك، يُرجَّح أن ينسق البلدانِ الخطوات التكتيكية في إدلب، وقد ينطبق هذا على كلٍّ من انتشار الجيش التركي ومناطق العمليات العسكرية لقوات نظام بشار الأسد.
فبين منطقتي تفتناز وأريحا، يعيق الانتشار الأكثر كثافة للقوات التركية تقدُّم الجيش السوري إلى إدلب، ومع ذلك، كانت الطرق في منطقة حلب وباتجاه مدينة الأتارب مفتوحة، حتى وقتٍ قريب، أمام الجيش السوري، وأدت العمليات العسكرية هناك إلى استعادة الأسد السيطرة على ضواحي حلب.
وبعد إكمال العمليات في ضواحي حلب وإقامة منطقة أمنية قرب طريق M5، قد يتقدم الجيش السوري لاستعادة السيطرة على طريق M4، الذي يربط بين حلب واللاذقية، وقد تركت القوات التركية حتى الآن نافذة للسماح للأسد بشن هجوم بلا معيقات هناك، وحين يستعيد النظام السوري السيطرة الكاملة على طريقي M4 وM5 المارّين بإدلب، قد يتبع ذلك جمود آخر للوضع في منطقة خفض التصعيد.
في الوقت نفسه، يُرجَّح أن يكون أي اتفاق جديد محتمل بشأن إدلب مؤقتاً وهشاً، ويُرجَّح كذلك أن يستند إلى مذكرة سوتشي لعام 2018، التي يواصل الطرفان تأكيد ضرورة تطبيقها رغم تجاوز الوضع الحالي لها؛ ومن ثَمَّ رفض تركيا التنازل عن مطالبة قوات الأسد بالانسحاب من منطقة خفض التصعيد. لكنَّ تركيا -على ما يبدو- لن تبذل أي مساعٍ من أجل التطبيق العملي للمذكرة.
سيناريو على الأرجح لن تقبله أنقرة
بدورها، من المستبعد أن توافق روسيا -ولو بصورة غير رسمية- على منح مناطق إدلب التي لم يسيطر عليها الأسد بعدُ وضعية “منطقة أمنية تركية”، وقد مُنِحَت وضعية غير رسمية كهذه للمناطق التي شنَّ فيها الجيش التركي عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام.
في الوقت ذاته، هناك شكوك بأنَّ القوات التركية المنتشرة في إدلب مستعدة لشن هجوم مضاد حقيقي، إذ يُنظَر إلى عملية انتشارها الحالية باعتبارها استعراضاً للقوة دون وجود استعداد حقيقي لاستخدامها ودون وجود خطة مدروسة جيداً.
وهكذا، فإنَّ أي محاولة من الجيش السوري لشن هجوم في مدينتي إدلب وتفتناز، حيث يوجد أكبر تركُّز للقوات التركية، قد يُنظَر إليه باعتباره لحظة حقيقة، وإذا ما أمكن أن تشق قوات النظام طريقها بين المواقع التركية دون شن هجوم تركي مضاد حقيقي، فقد تتمكن تلك القوات من التقدم صوب الحدود التركية مباشرةً وفرض سيطرة كاملة على منطقة خفض التصعيد بإدلب وحصار كل القواعد التركية.
لكنَّ مثل هذا السيناريو سيمثل هزيمة خطيرة لأردوغان أمام قاعدته الانتخابية؛ ومن ثم من المستبعد أن يسمح بحدوث هذا، ومع ذلك، من المستبعد أن يتمكن الجيش السوري من حصار القوات التركية وتجنُّبها، وهي التي تُقدَّر أعدادها بما بين 7 و9 آلاف جندي في إدلب.
السيناريو الأقرب على أرض الواقع
وإذا ما تصدَّت القوات التركية بفاعلية لهجمات الأسد، فسترغم أنقرة النظام السوري على وقف عملياته في إدلب، وستتعرقل كل الهجمات السورية الأخرى بصورة مماثلة، ثم سيصبح فصل مجالات النفوذ في إدلب واقعاً، بطول خط التماس بين الجيشين السوري والتركي. وبعد هذا الترسيم الفعلي للحدود، بالإمكان التوصل إلى اتفاق، يضع في الاعتبار الواقع الجديد الذي نشأ بمنطقة خفض التصعيد. كل شيء يعتمد على موقف تركيا واستعدادها لاتخاذ إجراءات صارمة، وليس على بياناتها.
وعلى أي حال، لا تسعى موسكو وأنقرة لقطع العلاقات، وعلى الأرجح ستواصلان السعي للتوصل إلى حلول لمعادلة إدلب، وحتى طلب تركيا الصارم انسحاب القوات السورية إلى ما وراء الخط الذي حددته مذكرة سوتشي، لا يستتبع بالضرورة عودة قوات المعارضة إلى هذه المناطق أو نقل السيطرة عليها إلى هيئة تحرير الشام. على سبيل المثال، يمكن أن تُنقَل السيطرة على المناطق التي استعادها الأسد في إدلب إلى الشرطة العسكرية الروسية والفيلق الخامس الموالي لروسيا، الذي يضم كذلك اللواء الثامن الذي يتشكَّل من مقاتلي المعارضة السورية الذين قبلوا “المصالحات”. ومن شأن هذا أن يتسبب في هجوم مضاد أهدأ من الجانب التركي. بعبارة أخرى، لا يزال هناك مجال لتسوية ممكنة التطبيق يتبناها الطرفان.