المونيتور: أكراد سوريا يتلاعبون بواشنطن
يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نظيره التركي رجب طيب أردوغان في واشنطن يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني، وكلاهما بحاجةٍ إلى «اجتماعٍ جيّد»، من أجل مصلحة العلاقات الأمريكية التركية، أو ما تبقَّى منها.
يشير ترامب إلى أردوغان بصفته «صديقه» و «زعيماً رائعاً».
وهناك كثير من الأمور على المحكّ هنا. ففي حال ساءت العلاقات الثنائية بين البلدين، سيكون الرابح هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويخسر حينها الأكراد السوريون، الذين ما يزالون معتمدين على النفوذ الأمريكي لدى أنقرة، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
ضوء في نفق العلاقات الأمريكية التركية
يعمل ترامب وأردوغان وفقاً للقمم والعلاقات الشخصية، وهما يُكِنّان الإعجاب بعضهما لبعض. والبيروقراطيات والموظفون مُجرَّد ضوضاءٍ في الخلفية بالنسبة لهما، حتى يجتمع الرئيسان ليتبادلا أطراف الحديث. وحينها فقط تُتَّخذ القرارات، للأفضل أو الأسوأ، بحسب منظورك.
وهناك نوعٌ من الإلحاح في هذه القمة. وتحوَّلت العلاقات الأمريكية-التركية، التي ساءت منذ فترة، إلى حطام قطارٍ بعد الانتقادات واسعة النطاق حول «خذلان» ترامب للأكراد السوريين حين أعلن سحب القوات الأمريكية من سوريا في السادس من أكتوبر/تشرين الأول.
وبعد ثلاثة أيام، دخلت تركيا سوريا في العملية التي وصفتها بـ «عملية ربيع السلام» للقضاء على «الإرهابيين» الأكراد -الذين شاءت الأقدار أن يكونوا حلفاء واشنطن على الأرض في حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
إنهم يعادلون داعش بالنسبة لأردوغان
ولا تتفق الولايات المتحدة وتركيا، حليفتا الناتو، ولن تتفقا فيما يتعلَّق بالأكراد السوريين، خاصةً «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «وحدات حماية الشعب» اللتين تُمثلان القطاع الأكبر من «قوات سوريا الديمقراطية».
إذ أقامت الولايات المتحدة شراكةً ناجحة مع «قوات سوريا الديمقراطية» ضد داعش في سوريا. ويعتبر أردوغان «حزب الاتحاد الديمقراطي»/»وحدات حماية الشعب» بمثابة الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني»، الذي صنَّفته تركيا والولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً.
لكن واشنطن ترى غموضاً في العلاقة بين «حزب الاتحاد الديمقراطي»/»وحدات حماية الشعب» في سوريا من ناحية، و «حزب العمال الكردستاني» بتركيا من ناحيةٍ أخرى. وبالنسبة لأردوغان، فإنَّ «حزب الاتحاد الديمقراطي» و «وحدات حماية الشعب» و «حزب العمال الكردستاني» يُعادلون داعش، أو ربما أسوأ.
ويمتلك الأكراد رصيداً من النوايا الحسنة لدى الجيش الأمريكي، الذي تعاون معهم في المعركة ضد المُتشدِّدين، إلى جانب عددٍ من أعضاء الكونغرس البارزين. وفي الوقت ذاته تراجعت العلاقات الأمريكية-التركية، بسبب الخلافات في سوريا، وعلاقات أنقرة مع موسكو، ومعاملة تركيا للصحفيين والنشطاء.
ترامب: «الأكراد ليسوا ملائكة»
يختلف ترامب عن مُنتقديه في هذه المسألة، إذ لا يمتلك ارتباطاً عاطفياً بالأكراد، أو عداءً لتركيا. وقال عن الأكراد: «هم ليسوا ملائكة«، ولكنه أقرَّ بفاعليتهم بوصفهم مُقاتلين وشركاء. ولكنه لا يرغب في التحيُّز إلى جانب تركيا أو الأكراد.
وفهِم الأكراد دائماً أنَّ ارتباطهم بالولايات المتحدة قائمٌ على المُقايضة. وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في الشرق الأوسط، ولكنّه يضيع أحياناً في غمرة الأحداث.
إذ لم تلتزم الولايات المتحدة رسمياً الدفاع عن الأكراد ضد تركيا أو سوريا. وكانت شراكة الولايات المتحدة مع «قوات سوريا الديمقراطية» مُتعلقةً بقتال داعش فقط. وإذا اعتقد أيّ شخصٍ العكس؛ فلا بد أنَّ قرار ترامب المبدئي سحب القوات الأمريكية من سوريا في ديسمبر/كانون الأول عام 2018، إثر مُحادثةٍ هاتفية مع أردوغان (والتي حاول فريقه مع الوقت تغيير قراراتها)، كان بمثابة إشعارٍ بأنَّ قراراً مُشابهاً كان على بُعد مُكالمةٍ هاتفيةٍ واحدة.
رهانهم الحقيقي مع الأسد
ولم يقطع «حزب الاتحاد الديمقراطي»/»وحدات حماية الشعب» اتصالاته مع حكومة بشار الأسد مطلقاً، إذ نشر محمود بوزارسلان، في Al-Monitor، أول خبرٍ حول اجتماعٍ بين الحكومة السورية ومُمثِّلين عن الأكراد، توسّط فيه المسؤولون الروس، داخل قاعدة حميميم الجوية في أكتوبر عام 2016، أي قبل ثلاثة أعوام.
وقال مظلوم كوباني، قائد قوات سوريا الديمقراطية، لأمبيرين زمان، في مارس عام 2019: «نحن جزءٌ من سوريا بنهاية المطاف، لا نرغب في الانفصال عنها. وإذا كان هُناك حلٌ دائمٌ للمنطقة، فيجب أن يكون من خلال دمشق». وأضاف كوباني أنَّ هناك اجتماعاتٍ أُجرِيَت بين وفديهما، وأنَّه ليست هناك «عداوةٌ» مع حكومة الأسد.
ولهذا السبب، أبرمت «قوات سوريا الديمقراطية» صفقةً مع دمشق سريعاً في غضون أسبوعٍ من إعلان ترامب سحب القوات، إذ إنَّ كوباني ورفاقه ليسوا مُجرَّد ضحايا؛ بل هم أطرافٌ فاعلةٌ رفيعة المستوى.
وأوضحت أمبيرين كيف تلعب «قوات سوريا الديمقراطية» من الزوايا كافة، عن طريق استغلال الولايات المتحدة ضد سوريا، من أجل الخروج بأفضل صفقةٍ مُمكنةٍ حين يحين الوقت.
وثالثاً، ما تزال الولايات المتحدة تتعاون فعلياً مع «قوات سوريا الديمقراطية» في الحرب ضد داعش، ومن أجل الحفاظ على حقول النفط بشرق نهر الفرات، كما أوضح جاك ديتش. وتدور الأسئلة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك السلطة لتنفيذ هذه المهمة، إذ أعلن البنتاغون بالفعل أنَّ السيطرة على حقول النفط تمديدٌ لحملة الحرب ضد داعش، إلى جانب فائدتها لـ «قوات سوريا الديمقراطية». في حين نشر بريانت هاريس تقريراً حول أنَّ تولسي غابارد، النائبة عن ولاية هاواي والمُرشّحة الديمقراطية للرئاسة، تقدَّمت بمشروع قانونٍ للمساءلة حول عملية نشر القوات.
الرجل الواقف وراء الستار
يلوح شبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوق هذه القمة. إذ أكَّد الأسد الأسبوع الماضي أنَّ موسكو كانت تُسهِّل المحادثات التركية-السورية. علاوةً على أنَّ بوتين ساعد، كما ذُكر أعلاه، في تسهيل الاتصالات المُبكِّرة مع الأكراد. ويُحافظ على اتصالاتٍ مُقرَّبةٍ مع إسرائيل في ما يتعلَّق بدبلوماسيته المكوكية داخل سوريا، في محاولةٍ للحيلولة دون تصعيدٍ يشمل إيران.
وتكاتف ثلاثي الأستانا -بوتين وأردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني- مع بعضهم البعض رغم الخلافات العديدة.
إذ كان وزراء خارجية مجموعة الأستانا أهم الحاضرين في أول اجتماعٍ للجنة الدستورية السورية، التي تضم 150 عضواً، بوساطة الأمم المتحدة في جنيف الأسبوع الماضي. كما تقود مجموعة الأستانا جهود عودة اللاجئين في نهاية المطاف، إلى جانب كيفية التعامل مع قرابة الـ10 آلاف إرهابيٍ في إدلب.
الحرب هي «اختبار مصداقية» للعلاقات الأمريكية التركية
قال أردوغان هذا الأسبوع إنَّ عملية ربيع السلام كانت بمثابة «اختبار مصداقية» لأصدقاء تركيا. وهو يعتبر ترامب صديقاً ويتوقَّع منه أذناً مُتعاطفة -وليس تهديداً بالعقوبات.
إذ فرض ترامب عقوباتٍ على تركيا في الـ14 من أكتوبر. وألزم البيان الأمريكي-التركي المُشترك، الذي جرى التفاوض عليه في الـ17 من أكتوبر، تركيا بـ»تعليق» عملياتها خلال خمسة أيام من أجل السماح بانسحاب قوات «وحدات حماية الشعب» من المنطقة التركية الآمنة، إلى جانب وقف إطلاق النار بنهاية المطاف. ثم أعلن ترامب التزام تركيا بالاتفاقية، ورفع العقوبات في الـ23 من أكتوبر/تشرين الأول.
غموض حول تنفيذ الاتفاق
وهناك من يُطالبون ترامب بفرض عقوباتٍ على تركيا لانتهاكها وقف إطلاق النار، وربما من أجل الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها «الجيش الوطني السوري» -وهي قواتٌ سورية مدعومة من قِبَل تركيا، وتضُم بين صفوفها جماعات مُعارضة فاقدة للمصداقية كانت تتلقى دعماً أمريكياً، ولكنها تضُم الآن الكثير من العناصر الجهادية بحسب ما أوضح فهيم تستكين.
ومرَّر مجلس النواب بالكونغرس الأمريكي مشروع قانونٍ لفرض المزيد من العقوبات بـ403 أصوات مُقابل 16 صوتاً فقط في الـ29 من أكتوبر/تشرين الأول، ولكنه لا يزال بانتظار التصويت عليه في مجلس الشيوخ، حيث تُوجد مشاريع قوانين عقوبات مُشابهة. ونقلت صحيفة New York Times الأمريكية عن مذكرةٍ داخلية أصدرها ويليام روبوك، نائب المبعوث الأمريكي إلى سوريا.
وربما يُقنع أردوغان ترامب بأنَّ «وحدات حماية الشعب لم تُغادر المنطقة الآمنة بعد» -وحينها سيقع اللوم على الأكراد وليس تركيا. وهناك أيضاً حُجّة ضباب الحرب. إذ قال مسؤولٌ بارزٌ بوزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الجاري: «لا نزال واقفين عند سؤال أين هي الحدود، حتى نكون قادرين على وصف أيّ هجومٍ تركيٍ كبير بأنَّه يُمثِّل «انتهاكاً» واضحاً للتفاهمات».
وربما يكون ترامب تحديداً مناسباً أكثر من غيره لطبيعة المقايضة في التعامل مع الشرق الأوسط. ويجب على أردوغان أن يُدرِك أنَّ الولايات المتحدة تعتبر «قوات سوريا الديمقراطية» شريكاً قيّماً، وطالما ظلَّ مُقاتلوها خارج المنطقة الآمن؛ فيتعيَّن على تركيا أن تتركهم وشأنهم أو تُواجه إعادة فرض العقوبات. ويجب أن يعلم كذلك أنَّ تركيا هي المسؤول عن أفعال «الجيش الوطني السوري».
بوتين ينتظر الخلاف الأمريكي التركي القادم
وفي سوريا، ونظراً لطبيعة الخصومة التي تتّسم بها العلاقات الأمريكية مع موسكو، إلى جانب العداء مع دمشق وطهران؛ فإنَّ زيادة عزلة تركيا ستزيد فقط من تقييد الدبلوماسية الأمريكية داخل سوريا.
ولا يُوجد ملائكةٌ بين أطراف الصراع في سوريا، بل هُم جميعاً أبعد ما يكونون عن ذلك. إذ يتقدَّم بوتين بيدٍ ضعيفة عن طريق الحديث إلى الجميع ومُحاولة حل الخلافات.
وهناك مُبررٌ مُقنع لوقف النزيف في العلاقات الأمريكية-التركية.
يقول الكاتب «من الأفضل أن نكون شركاء، في علاقةٍ صعبة؛ بدلاً من أن نكون خصوماً يعملون من أجل لعبة النهاية السورية التي يجب أن تشمل دعماً للانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة، وانسحاباً تركياً، ويقظةً وتعاوناً ضد الإرهابيين، وعلاجاً لأزمة اللاجئين.