المقاتلة الروسية “ياك-141”.. لماذا تدين لها الطائرة الأمريكية إف-35 بفضل عظيم؟
كان انهيار الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثة عقود بمثابة كنز عسكري للولايات المتحدة، التي استطاعت الدخول إلى أسرار تتعلق بالطائرات الحربية، مكّنتها من تطوير مقاتلاتها بصورة أسرع، والمقاتلة “ياك-141” نموذجاً، فما القصة؟
مجلة National Interest الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “هل الطائرة الروسية القديمة Yak-141 كانت سبباً في تصنيع الطائرة F-35 الأمريكية؟”، رصد كواليس تصميم وتصنيع تلك المقاتلة الروسية، وكيف ساعد انهيار جدار برلين في حصول الولايات المتحدة على أسرارها.
مقاتلة سوفييتية لم تر النور
رغم كل الصياح والصراخ بشأن برنامج F-35 Joint Strike Fighter للطائرات المقاتلة، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، فإن هناك معلومة هامشية غير عادية، وغالباً ما يجري تجاهلها في تاريخ المشروع الذي تبلغ قيمته تريليون دولار: فكرة المشروع مقتبسة من طائرة مقاتلة سوفييتية من طراز Yak-141، تعرفت شركة Lockheed Martin الأمريكية على أسرار تصنيعها بعد عقد شراكة مع شركة طيران روسية يائسة كانت بحاجة إلى بعض أموال نقدية بشكل ملحّ في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.
قبل ظهور الطائرة F-35، كانت هناك الطائرة الروسية المقاتلة “Yak-141 ‘Freestyle'” متعددة الأدوار والمزودة بنظام الإقلاع والهبوط العمودي (VTOL) قد ظهرت خلال فترة مضطربة في التاريخ العسكري الروسي. على الرغم من أن أول رحلة للطائرة Yak-141 في عام 1987 كانت بمثابة مساهمة ثورية في تطوير أنظمة الإقلاع والهبوط العمودي، فإن تلك الطائرة قد جرى تطويرها بشكل كبير بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، على يد الشركات الأمريكية، في وقت لم يكن الجيش الروسي المنكسر حديثاً في وضع يسمح له بالاستمرار في تطوير الطائرة الجديدة بعد سقوط جدار برلين.
واجهت شركة Yakovlev الروسية المصنعة للطائرة Yak-141 فجأة حقيقة الرأسمالية: أي أنك بحاجة إلى المال للقيام بأشياء رائعة. وبعد ما يقرب من 30 عاماً من الرحلة الأولى لطائرة Yak-141، استطاعت قوات مشاة البحرية الأمريكية الإقلاع عمودياً من حاملات الطائرات مع طائراتها من طراز F-35B. إليكم كيف كانت المقاتلة السوفييتية التجريبية سبباً في تصنيع الطائرة F-35، أكثر الطائرات إثارة للجدل في العصر الحديث.
كان من المفترض أن تكون الطائرة Yak-141 بمثابة قفزة تكنولوجية كبيرة في برنامج الإقلاع والهبوط العمودي التابع للاتحاد السوفييتي، والذي بدأ العمل به في السبعينيات من القرن العشرين بعد أن لاحظ الاتحاد السوفييتي تطوير الطائرة النفاثة هاريير الشهيرة في المملكة المتحدة. لكن البرنامج واجه مشكلة في البداية في العمل بشكل سليم بسبب الأداء الكئيب للطراز السابق من Yak-141، وهي الطائرة Yak-38 ‘Forger، والتي اعتبرها المسؤولون العسكريون السوفييت بمثابة كومة بالية محلقة في الهواء بعد الكشف عنها في عام 1971.
رغم توافر نظام الإقلاع والهبوط العمودي الوظيفي في تلك الطائرة، فإنه كان يفتقر إلى النطاق القتالي الموسع المتوفر في الطائرة هاريير البريطانية، بالإضافة إلى نظام الرادار الموثوق به والأسلحة الفتاكة المناسبة، ناهيك عن مقعد القذف الآلي المرعب المتوفر في Yak-38، الذي ينقذ الأرواح، ويفاجأ الطيار عندما يقذفه من الطائرة دون سابق إنذار. على الرغم من أن منظمة National Interest تجادل بأن طائرة Yak-38 كانت فكرة استُخدمت بشكل مؤقت للمساعدة في سد الثغرات في الطيران البحري السوفييتي ولم تكن مخصصة للقتال في الخطوط الأمامية، فإنها ظلت الطائرة التشغيلية المزودة بنظام الإقلاع والهبوط العمودي العاملة في الترسانة السوفييتية لمدة عقد من الزمن.
صُممت الطائرة Yak-141 خصيصاً بواسطة شركة Yakovlev الروسية لمعالجة أوجه القصور في الطائرة Yak-38، وبالتحديد السرعة والمدى. كان هناك نموذجان أوليان للطائرة قد حصلا على الموافقة وطارا بالفعل في عام 1987، وحطّمت الطائرة العديد من الأرقام القياسية، التي وفقاً لما ذكرته شركة Yakovlev الروسية، تجعلها أول طائرة تقوم برحلة بنظام الإقلاع والهبوط العمودي والطيران فوق مستوى الصوت.
لكن بعد انفجار أحد النموذجين الأولين فقط أثناء الهبوط على حاملة الطائرات الأدميرال جروشيف في سبتمبر/أيلول من عام 1991، تعطل البرنامج بشكل فعال. كان الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت يحاول إنهاء الكوارث السياسية والاقتصادية التي تعرض لها، وتسبب الاضطراب الناتج الذي اجتاح المؤسسة العسكرية الروسية في خلق جبل من المشاكل كان يتعين على شركة Yakovlev التغلب عليها إذا أرادت رؤية طائرة Yak-141 تطير مرة أخرى.
الحرب الباردة تذوب
لحسن حظ شركة Yakovlev، سارعت شركة Lockheed Martin الأمريكية، المقاول الدفاعي المفضل في أمريكا، والذي تبلغ قيمة رأسماله عدة مليارات من الدولارات، لإنقاذ الموقف. مع انحسار سياسة الستار الحديدي في جميع أنحاء أوروبا، بدأت شركة Lockheed Martin الدفاعية العملاقة في ضخ الأموال في برنامج Yak-141، من أجل الحصول على بعض الأسرار الهندسية السوفييتية الرائعة. ويُزعم أن الشركتين وقّعتا اتفاقية في عام 1991 (لكن لم يُكشف عنها حتى عام 1995)، حددت التمويل لنماذج أولية إضافية من الطائرة طراز Yak-141، بما في ذلك خطة لتحليق النموذج الأولي التشغيلي المتبقي في معرض فارنبورو للطيران، في سبتمبر/أيلول 1992.
في حين أن شركة Lockheed Martin لم يكن لديها على الأرجح أي نية للمساعدة في إنتاج Yak-141 للتصدير، سيكون من المنطقي أكثر أن يكون العقد بأكمله غطاء لشراء بيانات الاختبار في برنامج Yak-141، بما في ذلك والأهم أي بيانات تتعلق بنظام الإقلاع والهبوط العمودي جرى التوصل إليها خلال سنوات الاختبار والتطوير. ولم تكن شركة Lockheed Martin هي المنظمة الأمريكية الوحيدة التي تتطلع إلى التعلم من برنامج الإقلاع والهبوط العمودي في الحقبة السوفييتية. فهناك وثيقة ترجع إلى عام 1993، نشرتها وكالة ناسا بشأن نظام الإقلاع والهبوط العمودي في الطائرة Yak وتقول الوثيقة:
“إن المعدات العسكرية التي كانت سرية للغاية في السابق، وأساساً للتخطيط الدفاعي الخاص بنا، يجري تسويقها الآن علناً في المعارض الجوية حول العالم. سمحت هذه البيئة بزيارة مكتب تصميم شركة “Yakovlev YAK” لتقييم تقنية الإقلاع والهبوط العمودي/القصير. ويعد Yakovlev هو مكتب التصميم الوحيد في الاتحاد السوفييتي السابق الذي يتمتع بخبرة في الطائرات المزودة بنظام الإقلاع والهبوط العمودي، وقد طور نموذجين للطيران، YAK-38 ‘FORGER’ وYAK-141 ‘FREESTYLE.
من المحتمل أن تكون تلك البيانات الهامة قد ساعدت في تشكيل تطوير أنظمة المحرك التي تمثل قلب وروح المقاتلة F-35 الحديثة.
إقلاع الطائرة المقاتلة F-35
بعد الكشف عن شراكة Yakovlev-Lockheed علناً في عام 1995، وانتهائها رسمياً في عام 1997، ظلت التصاميم الفريدة للطائرة Yak-141 موجودة. عندما أدخلت شركة Lockheed Martin متغير نظام الإقلاع والهبوط العمودي في تصميم الطائرة المقاتلة X-35 في برنامج Joint Strike Fighter التابع لوزارة الدفاع الأمريكية في عام 1994، كان اقتراح تصميم المحرك المقدم مختلفاً بشكل جذري عن الاقتراح الأوّلي المطور قبل صفقة Yakovlev. في الواقع جرى تغيير تصميم نظام الإقلاع والهبوط العمودي إلى “ASTOVL Configuration 141″، في حين أنه من المحتمل أن يكون هذا الاسم مصادفة، إلا أنه قد يكون بمثابة إشارة محتملة إلى الطائرة Yak-141.
من المحتمل أن تكون بيانات اختبار الطائرة Yak-141 قد جرى تطبيقها أكثر على تصميم محرك نظام الإقلاع والهبوط العمودي الخاص بشركة Lockheed بطريقة ما، على الرغم من أن الطبيعة السرية لبرنامج Joint Strike Fighter تجعل الارتباط الواضح بعيد المنال. حتى إن مجلة Air Force Magazine ذكرت وجود علاقة بين الطائرة Yak وميزة متوفرة في برنامج Joint Strike Fighter في عام 1998، بعد اختيار طائرة Lockheed، المعروفة باسم F-35 للإنتاج.
وتقول المجلة “العادم الخلفي الدوار هو تصميم مرخص من مكتب التصميم Yakovlev في روسيا، والذي جربه على الطائرة المقاتلة Yak-141 STOVL. كان العادم الأساس للنجاح التام أو الفشل، وإذا لم ينجح مفهوم الدفع فمن الواضح أننا لن نكون قادرين على المنافسة. قال دانيلز، المدير التنفيذي لشركة Boeing، إن مفهوم المروحة الصاعدة كان “على الأرجح أهم ميزة” في المنافسة”.
لكن لكي نكون واضحين لم يجر التصميم العام للطائرة F-35 على غرار الطائرة Yak-141 الروسية: لقد استخدمت الطائرة Yak-141 طريقة مختلفة لتحقيق الثبات، وكان لها ملف تعريف ديناميكي مختلف. ولكن من شبه المؤكد أن البيانات التي جرى الحصول عليها من مشروع نظام الإقلاع والهبوط العمودي السوفييتي القديم استُخدمت على الأرجح في تطوير متغير نظام الإقلاع والهبوط العمودي للطائرة F-35 Joint Strike Fighter. وهذا يعني أن المقاتلة F-35 تدين بجزء من وجودها على الأقل لبرنامج أسلحة من الحقبة السوفييتية لم يحلق أبداً في السماء.
قد لا تعتبر الطائرة Yak-141 Freestyle من الناحية الفنية سلفاً للطائرة F-35، ولكن يبدو أن طائرة JSF لديها على الأقل بعض الحمض النووي الروسي المتمثل في تصميم محركها، ومع ظهور F-35 في الولايات المتحدة ماتت الطائرة Yak-141 Freestyle موتاً هادئاً في روسيا. ومع ذلك إذا اختارت صناعة الدفاع الروسية الصاعدة المضي قدماً لتصنيع طائرة قائمة على الناقل مزودة بنظام الإقلاع والهبوط العمودي، فقد دعا أحد المشرعين الروس إلى إحياء فكرة الطائرة Yak-141، على الأرجح بمظهر جديد أكثر تخفياً لحرب باردة جديدة.