المصادقة على صفقة بيع ثلاثة أوقاف أورثوذوكسية في القدس المحتلة للمستوطنين
رفضت المحكمة العليا الإسرائيليّة استئناف بطريرك طائفة الروم الأورثوذوكس ثيوفيلوس في قضية أوقاف باب الخليل في حي النصارى في القدس المحتلة وبموجب القرار تَؤول ملْكيّة فندق إمبريال وفندق بترا وبيت المعظّميّة إلى المستوطنين بحيث أبقت قرار المحكمة المركزيّة السابق دون أيّ تغيير.
وفي قرارها قالت المحكمة الإسرائيلية العليا: “بسبب السياسة الداخليّة المرتبطة بالصراع العربيّ اليونانيّ، تقوم البطريركيّة بعقد الصفقات سرًّا”. كما تستغرب المحكمة الإسرائيلية تساهل البطريركيّة في معالجة القضيّة خلافًا لِما حصل في صفقة الطالبيّة عام 2000.
وبهذا الحكم تَؤول ملْكيّة فندق إمبريال وفندق بترا وبيت المعظّميّة، الواقعة ثلاثتها داخل أسوار القدس القديمة على مَقربة من باب الخليل، لشركات إسرائيليّة مقرّبة من الجمعيّة الاستيطانيّة “عطيرت كوهانين”.
وعقبت المنظمة الأورثوذوكسية الموحدة ومجموعة الحقيقة الأورثوذوكسية في بيان مشترك بالقول إنه “لم يختلف القرار عن توقّعات الخبراء المتابعين للقضيّة، خاصّة بعد التقصير الكبير والمتعمّد (بهدف خسارة هذه العقارات) من قِبل البطريرك ثيوفيلوس والبطريركيّة في تقديم الأدلّة والبراهين التي قد تعيد هذا الأوقاف للبطريركيّة خلال المداولة في الملفّ في المحكمة المركزيّة.
وتوضحان أنه نظرًا لهذا التقصير، كانت احتمالات قبول الاستئناف الذي لم يأتِ إلّا في محاولة لكسب الوقت ولحفظ ماء الوجه بعد أن تكشّفت صفقات التسريب الرهيبة التي قام بها ثيوفيلوس ضئيلة جدًّا.
وتابعتا “على الرغم من أن قرار المحكمة العليا لم يغيّر القرار الذي سبقه، فإنّه تضمّن بعض الفقرات التي لا بدّ من التوقّف عندها وذكرها في هذا البيان التساؤل الرئيسي الذي يحوم حول الصفقات الثلاث هو: ما هي مصلحة البطريركيّة في بيع أملاك في موقع بالغ الحساسية مثل البلدة القديمة ولماذا تتم هذه الصفقات في الخفاء؟
وفي الفقرة الثانية يحاول القاضي الإجابة عن هذا التساؤل ويكتب ما يلي: بالنسبة للمصلحة في بيع الأملاك هناك إجابتان- الأولى، الوضع المادي للبطريركيّة في حينها، حيث احتاجت لمصدر دخل من أجل الدفعات الشهرية الجارية، ثانيًا- بسبب السياسة الداخلية المتعلقة بالصراع بين التيارين العربي واليوناني في البطريركيّة.
تمت الأمور سرًّا، وبسبب الحساسية المتعلقة ببيع أملاك البطريركيّة بشكل عام وبشكل خاص في القدس القديمة. ونوهتا أن ما يتعلق بتخاذل البطريركيّة، فقد كتب القاضي في القرار ما يلي: البطريركيّة قدمت ضد بباديموس الراهب اليوناني الذي عقد الصفقات شكوى في الشرطة حول سرقة شيكات واستعمال غير قانوني لشيكات للبطريركيّة ولكنها ولسبب غير معروف لم تقدّم ضده أي شكوى في الشرطة بخصوص القضية المطروحة حول الأوقاف في باب الخليل.
وتابعتا “في قضية احتيال سابقة ومعروفة لنا بقضية صفقة رحافيا-الطالبية، والتي عُقدت أيام البطريرك ذيوذوروس في أبريل/ نيسان عام 2000، قبل نحو أربع سنوات من الصفقة التي أمامنا، عرفت وأيضًا عرفت البطريركيّة كيف تتصرف بشكل جِدّيّ لإلغاء القضية مما أدى لتقديم دعاوى جنائية وإدانة المتهمين في عملية الاحتيال. بناء عليه، تصرّفات البطريركيّة في هذه القضيّة، والتي لم تتكلف فيها حتى بتقديم شكوى للشرطة، تثير الكثير من الاستغراب”.
وفي نهاية القرار كتب القاضي الإسرائيلي إنه في مرحلة متقدمة في المداولة أهملت البطريركيّة قسما من ادعاءاتها ضد قانونية الصفقة ومن بينها الادعاء الأساسي بعدم وجود مصادقة من السينودوس المقدس على الصفقة والذي رفضت البطريركية كشف بروتوكولاته وتركزت المداولات في ادعاء تقديم رشوة لبباذيموس.
وتعتبر المنظمة الأورثوذوكسية أن هذا الادعاء قد اعتمد فقط على مسودة تصريح رابع تم تبادله بين بباذيموس والبطريركيّة اثناء الاتصالات بينهم في عام 2010 مؤكدة أن هذه المسودة لا يمكن اعتمادها لإثبات مصداقية مضمونها- وأيضا استندت على تسجيل صوتي مقطّع مدته 20 ثانية لا يمكن اعتماده.
وتتابع “مع مثل هذه الأدلة الضعيفة في اثبات ادعاء الرشوة والذي يحتم وجود ادلة واضحة ومقنعة، لا تستغرب المحكمة العليا من قبول دعوى المستوطنين ورفض دفاع البطريركيّة.
وتعتبر مجموعة الحقيقة الأرثوذكسيّة والمنظمة الأرثوذكسيّة الموحَّدة أن هذا القرار القضائي يعبر عن تواطؤ ثيوفيلوس ومَجمعه في جريمة تسريب أوقاف باب الخليل والتي ستعقبها جريمة جديدة من المستوطنين في محاولاتهم إخلاء قاطني هذه العقارات من الفلسطينيّين العرب.
وعقب على ذلك الناشط الأهلي عدي بجالي بالقول لـ”القدس العربي” لقد صَدَقت مخاوف الجمهور الأرثوذكسيّ من كل تصرفات ثيوفيلوس خلال هذه القضية والتي استمرت قرابة 14 سنة فهو الذي سرّب آلاف الدونمات في القدس وقيسارية ويافا والرملة وطبريّا والناصرة وحيفا لجهات صهيونيّة لا يمكنه أن يكون أمينا على أوقاف باب الخليل التي تقع في لبّ الصراع العربي الإسرائيلي.
كذلك قال بجالي إنه لم يتوقع هذا الجمهور العربي من الإكليروس اليوناني المتواطئ دائمًا مع السلطات الإسرائيلية حماية أيّ وقف كان بعد أن ثبت تآمر بطاركتهم السابقين وأعضاء مجامعهم الفاسدة على كنيستنا وعروبتنا ومستقبلنا”.
وبالمقابل يؤكد بجالي أن المسؤولية الأعلى في هذه القضية تبقى على من يدّعون حماية القدس ومقدّساتها وأوقافها، ابتداء من اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس، حتى الحكومة ورئاسة السلطة الفلسطينية والقيادة الأردنية الوصية على المقدّسات في المدينة المقدّسة.
وتساءل هل ستتحمّل هذه المؤسّسات مسؤوليّاتها تجاه هذه الأوقاف وساكنيها؟ وهل من عقاب رادع لهذا المدعوّ ثيوفلوس؟ وهل جرى استيعاب وفهم أبعاد مطلب العرب الأرثوذكس بتعريب البطريركيّة، أم إن بيت الشعر القائل “ولو نارٌ نفختَ بها أضاءت – ولكنْ أنت تنفخ في رمادِ” سينطبق على هذه القيادات لتسقط أوقاف باب الخليل في يد المستوطنين ويُطوى ملفّها إلى أجل غير مسمّى ؟ ورغم محاولات “القدس العربي” لم نحصل على تعقيب من بطريركية الروم الأورثوذوكس في القدس المحتلة.