المسلمون في الهند: “إذا لم يقتلنا كورونا فسنموت جوعاً وظلماً”
لم يكن من الممكن لمحمد إدريش، وهو مواطنٌ هندي مسلم، مشاهدة الخطاب الذي وجَّهه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الشعب يوم 24 مارس، وحثَّ فيه 1.3 مليار هندي على البقاء في منازلهم. إذ تعَّرض تلفزيونه للنهب مع سائر الممتلكات والأجهزة الأخرى في منزله بالعاصمة الهندية دلهي، خلال أعمال الشغب الأخيرة ضد المسلمين هناك.
وحين سمع إدريش، الذي يعمل نجاراً، أنَّ مودي حثَّ الهنود على البقاء في منازلهم لوقف انتشار فيروس كورونا، هزّ رأسه مراراً، وقال لصحيفة The Guardian البريطانية: “لا أفهم… لا أفهم. ألَّا يعرف مودي أننا ليس لدينا منزل؟”.
منازلهم تحوّلت لأطلال
ففي 25 فبراير/شباط الماضي، كان منزله في حيِّ شيف فيهار من بين العديد من المنازل التي تحوَّلت إلى أطلالٍ متفحمة على يد غوغاء هندوس. وأسفر العنف الوحشي الذي اجتاح شمال شرقي مدينة دلهي طوال أربعة أيام -الذي نُفِّذ معظمه بأيدي غوغاء هندوس قتلوا المسلمين ودمروا ممتلكاتهم- عن مقتل 53 شخصاً وإصابة الآلاف.
وركضت عائلات المسلمين آنذاك دون أي شيء من أغراضهم، باستثناء الملابس التي كانوا يرتدونها، والهواتف المحمولة في جيوبهم. وجرى إيواء المئات في مخيم “عيدغاه” الإغاثي، وهو مجموعة من الخيام نُصِبَت في باحة مسجد في مصطفى آباد.
وكان المخيم منزلاً مؤقتاً لإدريش ووالديه وزوجته وأطفاله الأربعة، إذ منحهم المأوى والأمان بينما كانوا ينتظرون الحصول على تعويضٍ لتجديد منزلهم، لكنَّ سلطات دلهي أصدرت أمراً يوم الإثنين 30 مارس/آذار للعائلات بمغادرة المخيم المكتظ، خوفاً من أن يوفِّر الظروف المثالية لانتشار فيروس كورونا.
وكانت أيام المخيم معدودة، حتى قبل أن يفرض مودي إجراءات إغلاق وحظر تجوُّل غير مسبوقة في جميع أنحاء البلاد، في الأسبوع الماضي، إذ حظرت حكومة دلهي بالفعل أي تجمُّع يضم أكثر من 30 شخصاً.
وقال إدريش متحدثاً عن ذلك: “من منزلي المحترق إلى مخيم، ثم ألقيَ بي الآن خارج الخيمة بسبب فيروس كورونا. لا أفهم، لقد أمروني بمغادرة المخيم، وأمروني بأن أذهب واستأجر غرفةً، ولكن ماذا أدفع للمالك؟”.
تقول حكومة دلهي إنَّها تمنح جميع العائلات بعض الحصص الغذائية و3 آلاف روبية (حوالي 40 دولاراً)، وهو الحد الأدنى لإيجار غرفةٍ صغيرة. وهذا لا يترك أي أموال إضافية للطعام. وكذلك فمعظم المُلَّاك يطلبون وديعةً إيجارية بقيمة إيجار شهر. وقد تلقت بعض العائلات حصص إعاشة غذائية، فيما حصل البعض الآخر على نقود، بينما حصل بعضها على الاثنين معاً، وهناك عائلاتٌ أخرى لم تحصل على أيٍّ منهما.
“لا يمكنني أن أعمل حتى”
ومُنِح إدريش بعض العدس والسكر والأرز، قبل أن يؤمَر بمغادرة المخيم. ثم ظلَّ يجوب الأزقة حول المخيم حتى وجد مالكاً وافق على السماح لعائلته بالبقاء في غرفةٍ واحدة لمدة يومين أو ثلاثة أيام. وقال متحدثاً عن ذلك: “لا أعرف ماذا سأفعل بعد بضعة أيام. سيريد الإيجار بالطبع، لكنني لا أملك أي شيء. لقد خسرت كل شيء، أنا في أمسِّ الحاجة إلى العمل من أجل إطعام أسرتي، أريد أن أعمل، ولكن في ظل إجراءات الإغلاق والحظر لا يمكنني العمل حتى”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذا الإغلاق كارثي بالنسبة لفقراء الهند الذين يعملون بنظام اليومية ويعيشون على الكفاف؛ إذ يشتري السائقون، والخُدَّام، وسائقو العربات الثلاثية (التوك توك)، والنجارون، والكهربائيون، والسباكون، والحرفيون والباعة الجائلون العدس أو الخضراوات لإطعام أسرهم من أرباحهم اليومية. فلا توجد لديهم احتياطياتٌ، أو مُبرِّداتٌ مكتظة بالأطعمة المُجمَّدة، أو أي شيء مُدَّخر للأيام الصعبة. وكما قال أحد العاملين بنظام اليومية: “إذا لم يقتلني فيروس كورونا فسوف أموت جوعاً”.
وبالنسبة للمسلمين الذين دمرت أعمال الشغب حياتهم، فكل هذا ينطبق عليهم، بل وأسوأ منه. ففي ظل احتراق منازلهم كان مخيم عيدغاه ملاذاً رئيسياً لهم، باستثناء بعضهم الذين كانوا يعتمدون على صدقاتٍ من أقربائهم الذين كانوا يساعدونهم مالياً. فيما يشعر الكثيرون بحزنٍ شديد على أحبائهم الذين تعرضوا للضرب حتى الموت أو أعدموا أو قُتِلوا حرقاً، بالإضافة إلى أنَّ ألم فقدان منازلهم لم يَبرُد بعد. والآن يُفاقم فيروس كورونا معاناتهم.
من لم يمت بالكورونا مات ظلماً
في هذا الصدد، قال عبدالستار، الذي يعمل لحَّاماً: “استشاطت زوجتي غضباً حين سمعت مودي يطلب منَّا جميعاً البقاء في المنازل. لقد أحرِق منزلنا ولم يتبق أي شيء لم تلتهمه النيران، ولا حتى شمَّاعة الملابس، لم تترك النيران سوى الجدران، فما هو المنزل الذي يقصده مودي؟!”
يريد عبدالستار العودة إلى منزله في قرية بورانا غاون، الواقعة بالقرب من مدينة خاجوري خاس لبدء إصلاحه، لكنَّه هو وزوجته مهتاب يخشيان التعرُّض لمزيدٍ من العنف على يد جيرانهم الهندوس، إذ قالت مهتاب: “كل ما لدي هو البطانية التي هربت بها بعدما اتصل بنا ابني قائلاً إنَّ الغوغاء الهندوس قادمون، وطلب منَّا أن نركض بأسرع ما يمكن. اعتقدت أنَّ البطانية ستغطي أطفالي على الأقل إذا اضطررنا إلى النوم في الشارع”.
وذكرت مهتاب أنَّها تتفهَّم ضرورة اتخاذ إجراءاتٍ صارمة لحماية الناس، إذ شهدت دلهي حتى الآن 30 حالة إصابة بفيروس كورونا وحالة وفاة واحدة بسببه. واعترفت مهتاب بأنَّ مخيم عيدغاه -الذي كان مكتظاً بالعائلات في ظروفٍ غير صحية- يُعد بؤرة كارثة محتملة.
لكنَّها أضافت أنَّ ما لا تفهمه هو المكان الذي تتوقع الحكومة أن يذهب إليه أناس مثلها. وصحيحٌ أنَّ بعض العائلات تلقَّت تعويضات، لكنَّ العديد من العائلات الأخرى ما زالت تنتظر موافقة حكومة دلهي على طلباتهم.
إذ قالت: “لو حصلنا على تعويضات لَكُنَّا بدأنا في إصلاح منازلنا على الأقل. لقد حصلت على 25000 روبية (حوالي 317 دولاراً) لتلبية احتياجات عائلتي العاجلة، لكنَّنا 18 شخصاً نعيش معاً، والمال أوشك على الانتهاء. قل لي، إلى أين يجب أن أذهب؟ إلى أين؟”.
وبحلول يوم الأربعاء 25 مارس/آذار، الذي شهد إزالة الخيام، قسَّمت هي وأفراد أسرتها أنفسهم بين أربعة أقرباء في المدينة. وفي ظل سريان الإغلاق لن يتمكنوا من رؤية بعضهم بعضاً طوال ثلاثة أسابيع.
مستعمرة اللاجئين ضحايا الغوغائية الهندوسية
وعلى بعد مسافةٍ قصيرة، أصبح حي تشاندو ناغار في مدينة دلهي بمثابة مستعمرة لاجئين لضحايا أعمال الشغب، إذ فتحت بعض العائلات المسلمة في الحي منازلها لاستضافة الغرباء. ومنذ أن أحرق الغوغاء الهندوس منزل المواطن ممتاز توفير، المكون من طابقين، في شيف فيهار، يعيش في غرفةٍ مستأجرة مساحتها 3 × 3 أمتار، مع والديه وأربعة إخوة وزوجاتهم.
وقد شاهد توفير خطاب مودي في غرفة المعيشة بشقة مالك الغرفة التي استأجرها. وقال متحدثاً عن مودي: “أردت أن أخبره بأننا أصبحنا متسولين بين عشيةٍ وضحاها، ولا نعرف حتى معنى كلمة المنزل. فلو كان لدينا منزل لَسُررنا بالبقاء فيه، لكنَّه لم يعد موجوداً”.
وأشار توفير إلى أنَّ الشيء الآخر الذي يُقلقه بالقدر نفسه هو أنَّ اهتمام حكومة دلهي سيقتصر على محاربة فيروس كورونا لفترةٍ من الوقت. وقال: “هذا يعني أنَّ الحصول على تعويض سيستغرق وقتاً أطول”.