المرشّح الرئاسي محمد عبّو: مشكلة تونس ليست في الدستور وإنما في الطبقة السياسية الفاسدة
يرفض المرشح الرئاسي محمد عبّو نعته بـ»بوتين تونس»، مشيراً إلى أن التونسيين يحتاجون إلى الوثوق بشخصية «محلية» لا تسمح بالنيل من مصالح الدولة أو المسار الديمقراطي، وتضع حداً للفساد المستشري في البلاد.
كما يرى عبو أن الأولوية المطلقة في تونس هي لـ«تطبيق» أحكام الدستور قبل الحديث عن تعديله، مشيراً إلى أن الخلل في البلاد يكمن أساساً في الخلل في الطبقة السياسية التي فشلت في التعايش مع الدستور، كما أساءت إدارة الشأن العام في البلاد.
ويصف فترة حكم يوسف الشاهد بـ»السيئة جداً» على مستوى النمو الاقتصادي والصراعات السياسية واستغلال القضاء. ولا يخفي أيضاً قلقه «النسبي» من عودة الاستبداد، لكنه يدعو إلى الحذر من عودة ممارسات نظام بن علي «دون تخويف التونسيين».
ويحدد محمد عبو (الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي)، في حوار خاص مع «القدس العربي»، ملامح برنامجه الانتخابي الذي يقوم أساساً على قراءة الدستور بشكل جيد وتوضيح صلاحيات رئيس الجمهورية «التي تنحصر بالأساس في ثلاثة مجالات، هي الأمن القومي والمؤسسة العسكرية والعلاقات الخارجية، ويمكن ربط الأخيرة بجملة من المشاكل، من بينها الدبلوماسية الاقتصادية وكل هذا يمكن أن يكون له تبعات وتأثيرات على الجانب الاقتصادي، مع التذكير أن التسيير الدولي لدواليب الدولة هو من شأن الحكومة وليس رئيس الجمهورية».
وهو يرى عبّو أن رئيس الجمهورية «يجب أن يتصف بالمرونة، فهو يجب أن يتعامل مع رئيس الحكومة مهما كانت هويته، علماً أن خلافاً كبيراً بين الطرفين يهدّد استقرار الدولة ومصالحها. ولذلك أؤكد أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون مرناً ومنفتحاً وبراغماتياً في تعامله مع الآخرين، ومن ناحية أخرى يجب أن يدرك أنه الحامي والمسؤول الأول عن احترام الدستور في البلاد، وبالتالي يجب ألا يسمح بخرقه من أي طرف (دون أي استثناء). وأنا أتقدم بهذه الصفات للتونسيين علهم يقتنعون بذلك». ومحمد عبو هو محام وسياسي بارز، يُعتبر من أشد المعارضين لنظام الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، ويصف بعض مؤيديه بـ«بوتين تونس»، وخاصة أنه مُولع بممارسة الرياضة فضلاً عن قدرته على ضبط أعصابه خلال محاورة خصومه السياسيين.
ويعلّق عبّو على ذلك بقوله: «نحن نبحث عادة عن شخصيات في الخارج لنأخذ منها الصورة. لكن أنا – شخصياً – تكفيني صورة الشخص الذي يثق الناس أنه عندما يكون في السلطة لن يسمح بالنيل من مصالح الدولة التونسية ولن يسمح بالنيل من المسار الديمقراطي، ولن يسمح أيضاً للفساد بأن يبقى مستشرياً في البلاد. فلنكون صورة تونسية خاصة بنا فقط، دون مقارنة مع أي طرف كان». ولا يخفي عبو تخوّفه «النسبي» من عودة أساليب نظام بن علي، ويوضح بقوله: «في كل دول العالم هناك تخوّف من عودة الاستبداد، لكنها مخاوف صغيرة تبقى أحياناً في أدراج مراكز الدراسات أو الجامعات، طبعاً المواطن التونسي يخشى حدوث هذا الأمر أكثر من المواطن في ألمانيا والولايات المتحدة مثلاً، لكن يبقى الحذر واجباً دون تخويف التونسيين».
تعديل الدستور
ويطالب أغلب المرشّحين للرئاسة في تونس بتعديل الدستور، وخاصة فيما يتعلق بتغيير النظام السياسي من «برلماني معدّل» إلى نظام رئاسي، محمّلين النظام السياسي مسؤولية الأوضاع المتردية التي تعيشها البلاد.
غير أن عبو يرى أن الأولوية المطلقة حالياً هي لتطبيق أحكام الدستور قبل الحديث عن تعديله، «أي أننا يجب أولاً أن نقوله بتركيز المحكمة الدستورية وتغيير القوانين التي لم تعد تتماشى مع الدستور. وأذكّر أن المشكلة حالياً ليست فقط في الدستور، وإنما في الطبقة السياسية وفشلها في التعايش مع هذا الدستور، بمعنى أن تغيير الدستور لا يعني أن هذه الطبقة السياسية ستنجح في عملها. فالمشكلة في تونس تكمن في تجربة معينة عشناها بعد الثورة، جعلت الناس تعتقد أن الخلل في الدستور، في حين أن الخلل هو في هؤلاء السياسيين الذين أساؤوا التدبير وإدارة الشأن العام». لكنه يرى أن القانون الانتخابي قد يتسبب في بعض الإشكاليات في البرلمان المقبل «فقد يتسبب بوجود عدة كتل صغيرة ترفض التحالف فيما بيننا. وعلى كل حال فتشكيل الحكومة يقتضي الحصول على موافقة الأغلبية (50 بالمئة + واحد) من أعضاء البرلمان، والأصل – وفق الدستور- أن يقع التوافق على السياسات العامة بين الأحزاب وأن تبقى هذه الأحزاب متحالفة طيلة خمس سنوات، هذا ما ينظّر له دستورنا وهذه الصورة المثلى. ولذلك أرجو أن يكون هناك إما أغلبية لحزب واحد يتحالف مع أحزاب أصغر منه ويتفقون معاً على سياسة واحدة، أو أحزاب صغيرة يتحالفون فيما بينهم، المهم في نهاية الأمر أن يحافظوا على هذا التحالف. بقطع النظر عن موقف التيار الديمقراطي في حال تحقق هذا السيناريو». وحول الأطراف التي يعوّل عليها للوصول إلى قصر قرطاج، يقول عبو: «لا أعول على أي أطرف سياسية، وإنما على التونسي العادي الذي مل من حالة الفوضى والفساد والتسيّب والنيل من الحقوق، ويريد رئيس قادر على تطبيق القوانين وضمان الحريات والحقوق الدستورية وعدم المس بها. طبعاً الوصول إلى السلطة يتوقف على إقناع نسبة كبيرة من التونسيين الذين تضرروا من الوضع القادم ويبحثون عن تغيير مشروع يمكن أن يروه فينا».
ويؤكد أنه سيسعى – في حال وصوله لقصر قرطاج- إلى توضيح صلاحياته للتونسيين «كرئيس يسهر على تطبيق أحكام الدستور ويضمن احترام الشعب له عبر بعض القرارات التي يتخذها وتجعل الناس يطمئنون له، ومن بينها: عدم تدخل العائلة في الحكم وعدم خدمة المصالح الخاصة، والشفافية المطلقة والتوجه بخطابات مستمرة للشعب والتوجه بشكل دوري للبرلمان. فنيل الثقة هو أول هدف يجب الوصول إليه لتحقيق الإصلاحات الممكنة فيما بعد».
وكان الوزير السابق، سليم بن حميدان، دعا المرشّحين محمد عبو وقيس سعيّد وسيف الدين مخلوف إلى سحب ملف ترشحهم، مقابل دعم الرئيس السابق والمرشح الرئاسي، منصف المرزوقي، الذي اعتبر أنه «الأوفر حظاً والأكثر خبرة في مجال العلاقات الدولية وإدارة شؤون الدولة».
ويعلّق على ذلك بقوله: «سليم بن حميدان أخطأ في تقديره، لأنه يريد أن يقول إن من سمّاهم ينتمون لعائلة واحدة، لكن أنا لست من هذه العائلة، فأنا لدي تصور معين للدولة لم أجده في الأشخاص الذين ذكرهم، فلدي تصوّر مختلف للدولة القوية والعادلة، ولضرورة الالتزام بالشعارات في التطبيق والممارسة وبالديمقراطية وبإدارة الشأن العام بالاستقلال عن مراكز النفوذ في الداخل والخارج».
كتبت رأيي بصراحة
وحول الرسالة المؤثرة التي كتبها في رثاء الرئيس الباجي قايد السبسي، يقول عبو: «كتبت رأيي في السبسي بصراحة، وما كتبته هو إنساني، فأنا لم أقيمه سياسياً إلا في الجانب الذي يعنيني، لأقول للتونسيين: عندما قلت لكم يوماً إني أخشى عودة الاستبداد بنسبة خمسة في المئة عبر الباجي قايد السبسي، فأنا لم أقل إن ذلك حتمي، ولكن كان هذا تخوفاً مشروعاً، وخاصة أن الرئيس الراحل كان محاطاً بأشخاص لا يؤمنون بحقوق الإنسان ولا بالنظام الديمقراطي، وهذا الخوف لم يسمح لي بزيارته رغم أنه توفر لي – عبر بعض الوسطاء – فرصة للزيارة، وكنت أود أن أقول له ما أؤمن به (في هذا الشأن)، ولكن لعبة السياسية جعلتنا نخشى التأويلات، ولذلك لم أزره». من جانب آخر، يصف عبو فترة حكم يوسف الشاهد بأنها «سيئة جداً، وهذا ما تؤكده الأرقام، فالرجل لم يحسن تسيير الدولة، ونسبة التداين والتضخم ارتفعت في عهده، ونسبة النمو منخفضة. ولذلك أقول إنه لا يمكن الحديث عن إيجابيات تذكر في عهد يوسف الشاهد. هذا بالإضافة إلى الصراعات السياسية واستغلال القضاء في عهده».
ويعلّق على إيقاف المرشح نبيل القروي بقوله: «هناك شخص ارتكب بعض الأخطاء، فمن الطبيعي إحالته للقضاء والزج به في السجن. كل ما في الأمر هو أنني لا أستطيع أن أغافل التونسيين وأقول لهم إن لديكم قضاء طبّق القانون. قضاؤنا تعطّل كثيراً ولم يطبق القانون لعدة سنوات على السياسيين الفاسدين. هذا مدان. ومدان معه أيضاً من أعطى تعليمات لإيقاف السيد نبيل القروي بقطع النظر عن تورطه، وبرأيي إنه متورط (نبيل القروي). ورئيس الحكومة هو من أعطى تعليمات لتطبيق القانون الذي كان يفترض أن يطبق منذ مدة طويلة».
وكانت وزارة الداخلية التونسية أعلنت، قبل أيام، إيقاف المرشح الرئاسي، نبيل القروي، وإيداعه سجن المرناقية في العاصمة تنفيذاً لأمر قضائي صادر بحقه، ويتعلق باتهامه بغسل الأموال والتهرّب الضريبي. وسارع حزب القروي (قلب تونس) وأطراف سياسية أخرى إلى اتهام رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بالوقوف وراء عملية الإيقاف، وهو ما نفاه حزب الشاهد (تحيا تونس)، داعيhً إلى عدم استغلال القضية لتشويه سمعة مرشحه في الانتخابات الرئاسية.