بقلم/ ليلى موسى سوار*
الشعب السوري كغيره من الشعوب الشرق الأوسطية الذي عانى في ظل نظام حكم مركزي شمولي مستبد من القضبة الأمنية وتردي في الأوضاع المعيشية وغياب الحقوق والحريات الفردية، لذلك سرعان ما انضم لمواكبة موجة الانتفاضات الشعبية التي ثارت على أنظمتها المستبدة مطالبين بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة وتحسين الأوضاع المعيشية، ولكن سرعان ما تكالبت القوى الخارجية والنظام على اجهاض هذا الحراك الشعبي السلمي في مهده، القوى التي سخرتها خدمة لأجنداتها وعقلية النظام التي تعاملت مع هذه الأحداث والمتغيرات الحاصلة على أنها مؤامرة تستهدف أمنها العروبي القومجي والعمل بشكل ممنهج على تشويه وشيطنة كل من يفكر خارج دائرته وكل ما هو معارض له.
عقد من الزمن والنظام يتعامل مع هذه الأزمة بعقلية الأنكار والالتفاف عليها، هذه العقلية التي جرت البلاد إلى حمام للدم وحرب أهلية وحروب بالوكالة، وبنية تحتية مدمرة بشكل شبه تام، وأكثر من 80% من سكانها يرزحون تحت خط الفقر، أكثر من نصف سكانها بين مهاجر ونازح، جغرافية مقسمة بحكم أمر الواقع إلى ثلاثة مناطق لنفوذ، مع وجود خمس قوى عسكرية، وأكثر من 8% أراضيها (إعزاز، الباب، جرابلس، عفرين، سري كانيه، كري سبي) محتلة من قبل دولة الاحتلال التركي، وعشرات الألاف من الضحايا والمفقودين، أكثر من ثلث جغرافيتها خارج سيطرتها.
هذه العقلية التي أسهمت إلى تعقيد الأزمة، والتي أنهكت البلاد والعباد ليأتي وباء كورونا وعقوبات قانون “قصير” لتزيد الطين بلّة. ففي ظل المعطيات المذكورة وغياب أية حلول تلوح في الأفق للأزمة السورية، يعلن النظام عن إجراء انتخابات رئاسية وهي الثانية منذ اندلاع الأزمة السورية حتى الآن، والتي اعتقد فيها ان الانتخابات المقبلة لن تختلف عن سابقتها بشيء والنتيجة محسومة من الآن رغم وجود شخصيات قبلت ان تلعب دور كومبارس في مسرحية الانتخابات هذه.
إقدام السيد بشار الأسد لهكذا خطوة وفي هذا التوقيت لم يأتِ عن عبث، فهناك جملة من المعطيات والأمور التي ستسهم في ضمان فوزه بولاية رابعة وهي كالتالي:
- غياب الأزمة السورية عن أولويات جدول أعمال القوى العظمى المنخرطة في الأزمة السورية على وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية.
- عدم وجود نية من قبل المجتمع الدولي على إنهاء الأزمة السورية على المدى القريب، وهذا ما بدا بشكل جلي وواضح من خلال مؤتمر المانحين ببروكسل وذلك من خلال رفع المخصصات الممنوحة لسورية كمساعدات إنسانية، والتركيز على الجوانب الإنسانية.
- شروط الترشح للرئاسة وفق دستور السوري لعام 2012م، والتي تضمن عدم وجود منافسين حقيقين لسيد بشار الأسد طبعاً هنا لن نأتِ إلى ذكرها لأنها باتت معروفاً للجميع.
- الاستفادة من استمرارية التناقضات القائمة بين الدول المنخرطة في الأزمة السورية.
- شرعنة روسيا وإيران لهذه الانتخابات كونهما تستمدان شرعية تواجدهما في سوريا من الحكومة السورية.
- عدم وجود دعم ورعاية دولية لقوى المعارضة الوطنية.
- سيطرت النظام على حوالي 60% من الأراضي السورية وبالتالي إجبار المواطنين وبشكل خاص الموظفين على التصويت لصالحه، وكما هو معلوم أن غالبية المعارضين للنظام أما نازح أو مهجّر، بالإضافة إلى مقاطعة تامة للمشاركة في الانتخابات في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا بالتالي مما يزيد من عدد المصوتين لصالحه.
حيث سعى النظام وداعميه من الروس والإيرانيين على تهيئة الأرضية قبل الإقدام على إجراء هذه الانتخابات، وذلك من خلال ايصال رسالة للعالم بأن سوريا في تجاه الحل، وأن النظام استطاع الصمود والحفاظ على تمسكه من الانهيار رغم حجم المؤامرة المحاكة ضده، وتصدير صورة عن الوضع الداخلي السوري بأن الأوضاع بدأت تعود إلى مجراها الطبيعي، وذلك من خلال عقد مؤتمر دولي حول عودة اللاجئين السوريين في العاصمة دمشق في نهاية العام الفائت، الذي فشل هو أيضاً في ايصال رسالته.
وكما كان للنظام رسالة واضحة بأن للنظام وحده كلمة الفصل والقول وليس هناك أي وجود لمنافس أو معارضة وذلك من خلال منع عقد مؤتمر جود في نهاية شهر أذار الفائت في العاصمة دمشق.
النظام الذي أعلن عن إجراء انتخابات في هكذا أجواء ونعتها بالصحية ما هو إلا خير دليل على افلاسه وانفصاله عن الواقع المعاش. وخوضه للانتخابات في ظل وجود تقاسم لمناطق النفوذ واحتلال إجزاء من قبل دولة الاحتلال التركي ومقاطعة أكثر من نصف السكان للانتخابات ما هو إلا خير دليل على تقبله لتقسيم سوريا واستعداده لتقديم المزيد من التنازلات في سبيل حفاظه على كرسي السلطة. عليه بمقدورنا ان نسميها مسرحية الانتخابات الرئاسية كاستراتيجية لإدارة الأزمة في سوريا من قبل النظام بحدِ ذاته وداعميه من روسيا وإيران.
إذاً، سنكون أمام انتخابات شكلية مع وجود منافسين دُمى لبشار الأسد وهما كل من السيد عبد الله سلوم عبد الله والسيد محمود أحمد مرعي مع حتمية فوز بشار في الانتخابات. واعتقد أن هذه الانتخابات لن تجلب للبلاد سوى تعقيد الأزمة أكثر فأكثر ومثلما فشلت مساعي النظام من خلال مؤتمر عودة النازحين هذه الانتخابات أيضاً لن تحظى بأية شرعية دولية وخاصة أنها تناقض مع القرار الأممي 2254.
* ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية لدى مصر