المرأة الكردية.. من أين وإلى أين؟|| منظومة المرأة الكردستانية (الحلقة 15 )
مبدأ “التغير” هو الثابت الوحيد الذي لا يتغير:
منظومة المرأة الكردستانية
تتدفق الحياة دوماً بالتزامن مع مضاداتها ضمن تغير مستمر يمكننا وصفه بالدياليكتيكي. ذلك أنه لكل شيء مضاده. إنها ليست صدفة. بل إنه دياليكتيك الحياة ذاتها. وربما هذا ما يؤَمِّن تدفق الحياة ويُمَكِّن تطورها. ويبدو أن جوهر التغيير يتجسد في إضفاء أشكال مختلفة على شتى الانفراجات والتطورات الحاصلة في كل حدَثٍ أو ظاهرة وفي كل لحظات وأشكال الحياة.
لذا، فإن التغير يشكّل طبيعة الحياة وهو جزء لا يتجزأ منها. وعليه، فلا يمكننا الحديث عن وجود حياة في المكان الذي لا يطرأ عليه التغير والتطور. ربما لأجل ذلك قال الفيلسوف العريق هيروقليطس منذ آلاف السنين: “لا يمكننا الاغتسال من نفس النهر مرتين”، في إشارة منه إلى أن الأمر الوحيد الذي لا يتغير في الحياة، هو التغير ذاته. وبطبيعة الحال، فلا يمكننا الاستنتاج من ذلك أن كل تغيُّر هو تطور نحو الأفضل. فقد تحصل أحداث وتغيرات تتسبب بالتراجع نحو الوراء أو تحرف المسار. وعليه، فالمهم هنا هو جوهر التغير وما يدل عليه.
بالتالي، فإذا ما اعتمدنا دياليكتيك التغير الدفاق والمتواصل كمبدا ثابت في نضال الحرية، فسنواجه حينها المتغيرات الاعتيادية والطارئة على السواء بجاهزية أكبر. بل وسنكون جاهزين أيضاً للتأثير في مسار المتغيرات وفي إحداث تغييرات مؤثرة أيضاً. ذلك أن الحركات التحررية لا يمكنها الاعتماد فقط على المتغيرات الخارجية. وإلا، فستنزلق –بطبيعة الحال- نحو الانتهازية والنفعية. بل ويجب عليها حتماً إحداث التغيرات في داخلها ومن داخلها، للتأثير في المسارات الخارجية. وهذا ما يشمل جميع مناحي الحياة بالتأكيد ودون استثناء. ولعل هنا يكمن مربط الفرس ولغز تَمَكُّن حركة حرية المرأة الكردستانية من تطوير ذاتها والحفاظ على وجودها والرقي بمستواها على الدوام رغم كل المصاعب التي تلاقيها، ورغم كل الضغوط الإقليمية والدولية التي تواجهها.
الظروف الموضوعية لطرح التغيُّر والتحول الفكري:
من الضرورة بمكان أخذ التطورات السياسية الخارجية وما نجم عنها من توازنات جديدة بعين الاعتبار، إثر اعتقال القائد عبد الله أوجالان بهدف تصفية الحركة التحررية الكردية والقضاء على هوية “الكردي الحر”. وقد قَيَّم أوجالان هذه الأحداث التاريخية برؤية جذرية جديدة، وقام على إثرها بطرح التغيير البراديغمائي-الفكري الذي اتسم بأهمية استراتيجية قصوى. فرغم إيمان الحركة التحررية الكردية بشرعية النضال المشروع ضد الأنظمة الاستبدادية السائدة، وفي مقدمتها النظام التركي الفاشي، إلا أن ظروف النضال السياسي من داخل تلك الأنظمة كانت مسدودة كلياً. وعليه، كان النضال في سبيل الحفاظ على الوجود والهوية الحرة يمر -فقط وفقط- من الكفاح المسلح.
بالتالي، كان الكفاح المسلح هو الأسلوب الأساسي المعتَمَد، وحوله تتمحور جميع النضالات في شتى مجالات الحياة الأخرى. وهذا ما حَوَّلَ الحرب مع مرور الزمن من وسيلة لنيل الحرية وتمكين المساواة والحياة المشرّفة إلى هدف سامٍ. وهنا مكمن الخطر على أية حركة تحررية. ومن هنا أتى جوهر التحول الفكري الذي طرحه أوجالان من سجنه الانفرادي، بعدما كان قد عمل على تكريس الأرضية المناسبة له منذ تسعينيات القرن العشرين عن طريق إطلاق حملات “وقف إطلاق النار الأحادي الجانب” رغم كل الهجمات الفاشية والشوفينية التركية الطائشة.
التحول من الكفاح المسلح نحو الكفاح السياسي الديمقراطي:
يتمثل جوهر هذا التغيير الفكري-النظري المطروح في ضرورة الانتقال من نموذج التنظيم المتمحور حول الكفاح المسلح نحو نموذج التنظيم المتمحور حول نظرية “الساحة الثالثة”. أي الانتقال إلى الأساليب التطورية التدريجية التي تكافح ضد الأنظمة السائدة من داخلها سياسياً وتنظيمياً كأسلوب أساسي وليس من جبهة مقابلة لها عسكرياً فقط. وهذا ما يعني اعتماد أسلوب النضال الديمقراطي السياسي أساساً بهدف نيل الحرية للوطن والشعب الكردي من جهة، وفرض التحول الديمقراطي على البلاد التي ينضوي الشعب الكردي تحت لوائها وحاكميتها ويعيش ضمن حدودها من جهة أخرى.
من جهة أخرى، فإن النجاح الموفق في نضالات الحرية لدى الحركات المناهضة للأنظمة السلطوية السائدة يمر بالتأكيد من التحلي بالتعددية والتنوع في أساليب النضال. في حين أن الاكتفاء بالحفاظ على ما هو موجود من مستوى ومكتسبات، إنما يعني العقم والانسداد واللاحل. أما الإصرار على عدم التغير، فيعني الدوغمائية القالبية والجمود، والذي يعني بدوره مخالفة طبيعة الحياة ودياليكتيكها. وهو ما يؤدي حتماً إلى الاضمحلال والهامشية ومن ثم الزوال بسبب فقدان المعنى.
إطلاق “المنظومة النسائية العليا KJB“:
ثمة خاصية مهمة وأساسية تسود في البنية البشرية. ألا وهي أنه كلما كبُرَت البنية، كلما ازدادت آلياتها اتساعاً وتشابكاً وتعقيداً. ويأتي هذا التعقيد الزائد في زيادة كمّ الأجهزة والأعضاء داخل البنية البشرية المزدادة تطوراً، ما يحتّم دراسة آليات تواصل هذه الأجهزة، وتقسيم الأدوار، وتحديد مهام كل جهاز أو عضو منها. وفي حال عدم تحقق ذلك، فإن الفوضى تستفحل في البنية، ويسود الضباب عليها حصيلة ذلك. وتسري هذه القاعدة على كافة المراحل الاجتماعية مثلما تسري على جميع الأنظمة والمسارات التاريخية والحركات الاجتماعية أيضاً. فعندما يتسع نطاق وآفاق أية حركة نضالية اجتماعية، ولا تقوم هذه الحركة بتحديد المهام وتقسيم الأدوار فيما بين كياناتها وتنظيماتها، فإن الفوضى تستشري فيها، وتطغى الهلامية عليها.
انطلاقاً من ذلك، وبعد أن أسست حركة حرية المرأة الكردستانية حزبَها انطلاقاً من أيديولوجيتها التحررية المجتمعية، فإنها لم تكتف بهذه الخطوة. بل قامت بتقييم كل التطورات والتراكمات المعرفية واتساع الآفاق النضالية لديها، فارتأت الرقي بمستواها التنظيمي المتسع طردياً، لتحديد ملامح كيانها الجديد المتشابك والمعقد. فأعلنت عام 2005 عن تأسيس “المنظومة النسائية العليا KJB”.
في هذه النقطة بالتحديد تأتي أهمية ومعنى وضرورة تشكيل “المنظومة النسائية العليا KJB” بصفتها تنظيماً سقفياً جامعاً لكل الكيانات التنظيمية النسائية في كردستان، بحيث تؤدي دوراً تنسيقياً فيما بينها، وتعمل على توجيهها ودعمها. حيث شملت هذه المنظومة كلاً من: حزب المرأة “PAJK” بصفته قوة أيديولوجية ريادية في المنظومة؛ والوحدات النسائية العسكرية التي أُعلِن عنها رسمياً عام 2004 كتنظيم عسكري شبه مستقل وله خصوصياته ضمن الكيان العسكري العام، والتي أطلقت على ذاتها اسم “وحدات المرأة الحرة-ستار YJA-STAR”؛ و”اتحاد المرأة الحرة” الذي يشرف على النضالات في الساحة الاجتماعية في عموم كردستان.
تَحَوُّل KJB إلى “منظومة المرأة الكردستانية KJK“:
ثم أدت التطورات الإقليمية والدولية من جهة، والانفراج والتراكمات التي حققتها حركة المرأة الكردية من جهة ثانية إلى تناول كل هذه الظروف، وخطو خطوة أخرى نحو الأمام بإعادة هيكلة “KJB” والتعديل في بنائها، وتسميتها بـ”منظومة المرأة الكردستانية KJK” في عام 2014. وعليه، فإن KJK ليست فقط تنظيماً سقفياً جامعاً، بل وهي نظام كونفدرالي ديمقراطي شامل قائم بذاته، تنشط فيه المرأة على أعلى المستويات وفي كافة المناحي بإرادتها وبهويتها ولونها وطابعها هي.
ولكي نتعرف على طبيعة نظام منظومة المرأة الكردستانية KJK، فليس أمامنا أفضل من اعتماد ميثاق KJK كمرجع أو مصدر أساسي يشرح لنا ذلك بكل تفاصيله، وانتهال مقتطفات منه حسب الحاجة. بناءً عليه، فقد وَرَدّ في الميثاق: “إن جوهر النظام النسائي الذي تسعى KJK إلى تكريسه هو ذو طابع ديمقراطي. أما دياليكتيك العلاقة بين كافة الوحدات (الكيانات والمنظمات والشخصيات) التي تتشكل منها منظومة المرأة الكردستانية KJK، فهو كونفدرالي الطابع. أي أن تعزيز دياليكتيك العلاقة الكونفدرالية فيما بين البنى والمنظمات الموجودة في بنية KJK، هو الذي سيُظهِر ماهيتها الديمقراطية بنسبة كبرى”.
هذا وتتشكل الأجهزة والتنظيمات التأسيسية التي تُعتَبَر بمثابة العمود الفقري لنظام KJK من: “حزب حرية المرأة الكردستاني PAJK” بصفته القوة الأيديولوجية الريادية والتنظيم المؤسِّس في KJK (ويُعَدُّ مسؤولاً عن تنشئة الكوادر التي تؤدي الدور الريادي في تكريس النظام الكونفدرالي النسائي الديمقراطي)؛ ومن “وحدات المرأة الحرة–ستار YJA-STAR” بصفتها القوة الدفاعية في نظام KJK (وتُعَدُّ مسؤولة عن تدريبِ وتنظيمِ وتوسيعِ وتوجيهِ وسَوقِ وإدارةِ كافة القوات الدفاعية النسائية الموجودة ضمن قوات الدفاع الذاتي للأمة الديمقراطية)؛ ومن “منظومة الشابات” بصفتها التنظيم النسائي الشبيبي الريادي شبه المستقل في نظام KJK؛ ومن “التنظيم الكونفدرالي الديمقراطي” في كردستان ومنطقة الشرق الأوسط والساحات الدولية الخارجية.
لماذا منظومة المرأة الكردستانية KJK؟
لقد وَرَدَ في وثيقة التعريف بميثاق KJK بشأن الهدف من تأسيس KJK ما يلي: “سيشهد القرن الحادي والعشرين ثورة المرأة شرق أوسطياً وعالمياً. لكن هذا ممكن فقط بقضائنا على ظواهر “الإبادة” التي تستهدفنا نحن النساء، وتستهدف من خلالنا مجتمعاتنا. بالتالي، ينبغي علينا الإبداع في تمكين العقل الجمعي وتأسيس التنظيمات وصياغة المشاريع وممارسة الأنشطة اللازمة والمناهضة للعقل الذكوري السلطوي. كما علينا إعادة تحديد وبناء أنماط حياتنا التشاركية، التي حطّمَتها الحداثة الرأسمالية. بالتالي، فإن التشخيص السليم للمواضيع الأساسية التي تستلزم التداول والتعمق والبتّ فيها وتحديد ممارستها العملية، يتسم بأهمية مصيرية بالنسبة لنا كنساء عقدن العزم على إنجاز ثورة المرأة. إذ تتمثل أولوياتنا في تمكين التحول الكادري الضروري، وفي رسم مسار فلسفة النضال والممارسة العملية لدينا بما يتماشى مع مستوى العزم والمهام والمسؤوليات التي تقتضيها ثورة المرأة…
واعتماداً على إرثنا النضالي (والتاريخي في عموم المنطقة)، والاستمرار به في العصر الحالي؛ فكأن مقاومة ونضال المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموماً وفي كردستان خصوصاً، تُنَبِّئُ بقُرب انطلاق الثورة النسائية الثانية. ذلك أن منظومة المرأة الكردستانية KJK تتكون من النساء الكردستانيات المقاتلات من أجل حرية المرأة والفرد والمجتمع على السواء، والذي وُلِدَ وتَبرعَم على الجذور التاريخية للشعب الكردي في وطنه كردستان، الذي يُعتَبَر أحد الشرايين الحيوية في منطقة الشرق الأوسط.
كما أن KJK هي انتعاش ثانٍ خلال العقود الأربعة الأخيرةِ لروح هذه الهويات والمقاومات والوقفات النسائية الكردستانية الأبية ولغيرها من الأسماء التي لا تُعَدّ ولا تحصى لدى الشعوب التواقة إلى الحرية على امتداد هذه الجغرافيا المقدسة.
أي أن KJK هي التقاليد المنتعشة في القرن الحادي والعشرين، والتي تعود إلى تقاليد الإلهة الأم المستمرة في كردستان خصوصاً وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموماً منذ آلاف السنين، وإلى التطور المجتمعي الملتف حول المرأة، وإلى تقاليد المرأة التي تصدّت لكل هجوم استهدف وطنها وقيمها المجتمعية…
وعليه، فإننا كنساء كردستانيات وشرق أوسطيات وأفريقيات، نبحث معاً وبدأب عن الأجوبة المبدعة والسَّلِسة والغنية والمتعددة لصالح الشعوب ضد الأزمات والمجازر وظواهر الاغتراب والإبادة المنظمة ضد شعوب العالم أجمع. ما من شك في أن هذا البحث لا يقتصر على النقاش والتفكير والتعمق. بل ونخطو الخطوات العملية في هذا السياق، ونقاوم ونزداد خبرةً ووعياً. ونتسلح بفلسفة الدفاع الذاتي ونعتمد نهج الدفاع المشروع في مواجهة الهجمات التي تستهدف حريتنا ووجودنا. أي أننا نعزز من التعبئة والتوعية ضد الهجمات الأيديولوجية التي تطال كرامتنا وهويتنا النسوية، ونخطو خطوات مصيرية للإجابة على أسئلة حيوية مثل: مَن هي المرأة الحرة؟ وكيف تعيش؟ إن القيام بكل ذلك في عالَمٍ تأسست فيه العقلية الذكورية المهيمنة بكل مؤسساتها السلطوية، هو أمر صعب للغاية ويتطلب نضالاً حثيثاً. أي أن الإبادة المفروضة على المجتمعات والشعوب، تقتضي إنجاز ثورة المرأة بالضرورة”.
شكل النظام الكونفدرالي النسائي الديمقراطي في منظومة المرأة الكردستانية:
وبشأن التعريف بشكل نظام KJK، فقد نَصَّ ميثاقها على أنه: “تنظّم KJK نظامَ “الكونفدرالية الديمقراطية” النسائي وفق أسس التنظيم الذاتي والإرادة الذاتية والإدارة الذاتية ابتداءاً من المستوى المحلي نحو الأعلى. ويعتمد هذا الشكل التنظيمي على الكومونات والمجالس والأكاديميات والتعاونيات. وبإمكان منظومة المرأة الكردستانية KJK أن تطوِّر نماذج تنظيمية أخرى عند الحاجة، بهدف تلبية احتياجات وحل مشاكل وأزمات النساء والمجتمعات. وتكون تلك النماذج التنظيمية مرنة وفعالة، مع مراعاة خصوصيات كل ساحة واحتياجاتها الخاصة، سواء في كردستان أو الشرق الأوسط أو الساحات الأخرى. وبموجب ذلك تعتمد على تشكيل اللجان فيما يتعلق بتنظيم الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأيكولوجية والتعليمية والصحية والدبلوماسية والقانونية ومجالات الإعلام والنشر والإدارات المحلية والدفاع الذاتي. وتقوم هذه التنظيمات بصياغة الحلول لمشاكل المرأة في كافة مجالات الحياة”.
كما وَرَدَ أنه: “تؤدي منظومة المرأة الكردستانية KJK دوراً ريادياً في تأسيس الأمة الديمقراطية وتنظيمها بصفتها إحدى الدعائم الرئيسية للحداثة الديمقراطية وبديلاً جذرياً لذهنية ومؤسسات الدولة القومية. وبموجب ذلك تشارك في (جميع) النشاطات… التي تُشكل أبعاد الأمة الديمقراطية.
كما تُسيّرُ منظومة المرأة الكردستانية KJK كل فعالياتها في الأوساط المختلطة اعتماداً على مبدأ التمثيل المتساوي ووفق النظام التشاركي (الناطقة المشتركة والمنسقية المشتركة والرئاسة المشتركة والقيادة المشتركة)…. وذلك بهدف الحد من انعكاس الشخصية الذكورية السلطوية والشخصية الأنثوية المستَعبَدة على مسار السياسة الديمقراطية.
وتَعتَبر “الرئاسةَ المشتركة” نموذجاً مهماً للغاية من حيث أنه يُشَكّل المفتاح الذي يُمكّن المساواة التامة بين الجنسين ويؤَمّن حل قضايا الحرية بالنسبة للمرأة والرجل بنحو خلاّق. كما إنها تَعتَبره مفتاحاً محورياً في إنجاز ثورة المرأة وتمكين تَغيُّر الرجل، فتُطوِّره كنموذجِ حلٍّ يتوافق مع المنظور الديمقراطي المؤمن بالحرية ومع نظام الكونفدرالية الديمقراطية.
وتقوم بمشاطرة التجارب والخبرات، التي اكتسبتها من مختلف النماذج المعتمدة على الرئاسة المشتركة والتمثيل المتساوي، مع شتى الحركات والأحزاب والمنظمات النسائية الثورية والديمقراطية في الشرق الأوسط والعالم؛ في مبادرةٍ منها لتغيير الوجه الذكوري السلطوي للسياسة السائدة في العالم.
كل التنظيمات التي تتخذ مكانها ضمن منظومة المرأة الكردستانية KJK، تعتمد المعايير الديمقراطية في تسيير نشاطاتها وفق آلياتها الداخلية. وتهدف إلى دمقرطة السياسة بغية تحقيق التحول الديمقراطي في المجتمع، وإلى دمقرطة المجتمع بغية تحقيق التحول الديمقراطي في الدولة. وتقوم بتشكيل الآليات اللازمة لتمكين مشاركة المرأة كإرادة سياسية في ميدان السياسة الديمقراطية. وتُفعِّل القوة الديمقراطية العملية للمرأة بالتأسيس على التنظيم المشترك لها. وتمارس الدفاع الذاتي تجاه شتى أنواع الهجوم التي تهدد وجود المرأة ومجتمعيتها. وبهذا الهدف تقوم KJK بتطوير وتكريس النماذج التنظيمية مثل الكومونات والمجالس والأكاديميات والتعاونيات”.
لماذا “التنظيم النسائي الكونفدرالي الديمقراطي”؟
نَصَّت وثيقة التعريف بميثاق منظومة المرأة الكردستانية KJK في هذا الخصوص على ما يلي: “إننا نخوض حرباً عتيدة في كردستان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عشرات السنين تجاه سياسات الإنكار والإبادة التي تنفذها الفاشية التركية خصوصاً والأنظمة الإيرانية والعراقية والسورية عموماً ضد الكرد بصورة خاصة وضد شعوبها بصورة عامة. وكذلك تجاه الأنظمة الاستبدادية التي تحكم بقية البلدان الإقليمية أيضاً بقبضة من حديد، وتحارب شعوبها على اختلاف أثنياتهم وقومياتهم من كُردٍ وعرب وأمازيغ وأرمن وآشور وتركمان وشيشان.
وعليه، فإن منظومة المرأة الكردستانية KJK هي تعبير عن ضرورة وحتمية البحث عن كيفية التحول إلى نظام نسائي كونفدرالي نضالي متين. إذ تحلل ذلك بعمق، وتنظم ذاتها بالتمحور حول فلسفتها الخاصة بها، وتشكل مراكز مقاومتها في وجه البؤر المناهضة للنظام الكونفدرالي. وانطلاقاً من إدراك KJK بأن القرن الحادي والعشرين هو قرن ثورة المرأة، فإنها تناضل في سبيل أداء مهامّها المتعلقة بإنجاز هذه الثورة. وهي تقوم في هذا السياق بمشاطرة وطرح قناعتها هذه مع الحركات والشخصيات النسائية في المنطقة والعالم. حيث تدرك KJK أن الحداثة الرأسمالية تغلغلت في القرن الحالي حتى أدقّ مسامات المجتمعات، بل وأنها تهدف إلى فرض الاستسلام على المجتمعات روحياً ونفسياً. فتتطلع KJK بالمقابل إلى الوصول إلى كافة خلايا المجتمع، إيماناً منها بإمكانية الوقوف في وجه ذلك عبر تشكيل وتعزيز شبكات وكيانات الحرية الكونفدرالية.
كما تَختَبر KJK تشكيلَ أو تعزيز أو تطوير تلك الشبكات، وتناضل في سبيل ذلك في أحلك ظروف الحرب الشعواء. بل وتناشد النساء الكردستانيات والشرق أوسطيات والأفريقيات وكل نساء العالم للتشارك في هذه التجربة الفريدة بهدف تمكين الاتحاد بين النساء الكردستانيات والنساء الشرق أوسطيات تحت سقف KJK بشكل مباشر أو عبر كيانات كونفدرالية مشتركة من جهة، وبهدف المساهمة في أو الحث على تشكيل وتطوير النظام النسائي الكونفدرالي الخاص بكل بلد أو منطقة أو قارّة وفق خصوصياتها واحتياجاتها من جهة ثانية. فكلنا نعلم أن الأزمات الاجتماعية والنزعات الدولتية القوموية قضَت على حياتنا ودسَّت فيها السموم فأصابتها بالضمور والشلل. بالتالي، ولكي نسد الطريق أمام كل ذلك، فإننا نناشد بتشكيل أو تطوير الشبكات النسائية الكونفدرالية، وبخوض نضال الحرية في كافة أصقاع العالم بنحو تشاركي منظّم ومتزامن.
خلاصة:
انطلاقاً من واقع الشرق الأوسط ومن واقع المرأة الشرق أوسطية والسياسات المفروضة عليها تاريخياً وراهناً، فإنه لا بد من إيجاد سبل ووسائل النضال التحرري المشترك الهادف إلى صياغة الحلول الجذرية على صعيد المرأة والمنطقة في آنٍ معاً. ذلك أن الهجمات الفكرية والروحية والجسدية والاجتماعية والنفسية والسياسية التي تتعرض لها المرأة الشرق أوسطية على يد السلطات والأنظمة الذكورية العنفية، تحتّم علينا جميعاً التغلب على هذه الأنظمة السلطوية الذكورية. وهذا ما يقتضي بالضرورة تنظيم صفوفنا على صعيد الشرق الأوسط، لتمكين الوقفة النسائية الموحدة، ولتوحيد صوت المرأة ونضالها التحرري إقليمياً.
من هنا تأتي أهمية KJK كي تتكفل بالدور الريادي في هذا السياق، وتتبنى الإرث النضالي النسائي الشرق أوسطي، وتعمل على تنقيته من الأخطاء والنواقص والسلبيات التي تعتريه، وتسعى إلى الارتقاء به إلى مستوى التنظيم الجامع الشامل إقليمياً. بالتالي، فإن تأسيس KJK يُعتبَر خطوة استراتيجية ومحورية غير مسبوقة في تاريخ المرأة، على صعيد إشراك المرأة في شؤون البلاد والمجتمع على أعلى المستويات. حيث انعكست عملياً على كافة مناحي النضال والحياة. وما يزال نضال المرأة الكردية مستمراً، ليس من أجل ذاتها فحسب، بل ومن أجل جميع نساء الشرق الأوسط والعالم أيضاً، على أمل تمكين النضال النسائي المشترك شرق أوسطياً…
اقرأ أيضا:
المرأة الكردية.. من أين وإلى أين؟|| المؤامرة الدولية وتأسيس حزب المرأة (الحلقة الرابعة عشر)
المرأة الكردية.. من أين وإلى أين؟|| لماذا أيديولوجية حرية المرأة؟ (الحلقة 13)