المتهمة بقتل شقيق زعيم كوريا الشمالية تكشف كيف تورطت في عملية الاغتيال
قبل أكثر من عام، وفي مطار العاصمة الماليزية كوالالمبور، اغتيل كيم جونج-نام، الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أونج، في حين لا تزال هذه القضية تخفي وراءها فصولاً لم تُكشف حتى الآن.
وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية،أحد فصول هذه القضية المعقدة السيدتان المتهمتان بتنفيذ الجريمة، إحداهما حاولت أمها إنكار علاقتها بها، والثانية لا تريد أن تكشف تفاصيل حياتها.
وفي البداية، تظاهرت بيناه أم ستي عائشة المتهمة الأولى، عدة مراتٍ بأنها لا تعرف ابنتها المتهمة بقتل كيم جونع-نام.
وفي أحد الأيام كانت بيناه تزور طبيباً في المدينة حين لاحظ موظف الاستقبال اسم قريتها البعيدة الهادئة رانكا سومر، وهو اسمٌ شاع ذكره في نشرات الأخبار المسائية، فسألها بخبثٍ: «كم يبعد بيتك عن بيت ستي؟»، فأجابته بيناه: «إنَّه بعيدٌ جداً، إنَّني لا أعرفها حتى».
لكن في المنزل، بعيداً عن الغرباء المتطفلين والجيران، كانت الأم الإندونيسية لا تقدر على النوم، فالادعاءات التي تزعم أنَّ ابنتها قد اغتالت كيم جونغ-نام، الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، كانت مرعبةً وخياليةً، بحسب الصحيفة البريطانية.
قصة اغتيال شقيق كيم
وفي عام 2017، وُجهت تهمة القتل لكلٍّ من ستي البالغة من العمر وقتها 26 عاماً، والفيتنامية دوان تاي هونغ البالغة من العمر 30 عاماً، واتُّهمتا برش غاز الأعصاب السام «في إكس» على وجه كيم جونغ-نام بمطار كوالالمبور في الثالث عشر من فبراير/شباط من العام نفسه.
وبعد أن أبعده أخوه غير الشقيق، قضى كيم جونغ-نام العقد الأخير من حياته في المنفى ينتقد النظام الذي كان من المفترض أن يقوده. وأثار مقتله مزاعم بأنَّ بيونغ يانغ خططت لعملية اغتيالٍ سياسيٍّ خارج حدودها، وهي تهمةٌ نفتها كوريا الشمالية. ولا يزال 4 كوريين شماليين مطلوبين على أثر الاعتداء، الذي تسبب في أزمةٍ دبلوماسيةٍ بين كوريا الشمالية وماليزيا، وجلب الانتباه مرةً أخرى لأحد أكثر الأنظمة ذات القدرة النووية في العالم عزلةً.
مكالماتٌ من السجن
بعد مرور 18 شهراً، تصلي بيناه لينتهي كل هذا قريباً.
وفي مكالماتها العادية من السجن، تقول ستي لأمها إنَّهما قد خُدعتا، واعتقدتا أنهما تؤديان مقلباً في برنامجٍ تلفزيوني. وتوضح بيناه الأمر، فتقول: «قالت لي: (يا إمي، هذا الأمر برمته كان فخاً، لقد خُدعت)». ويقول المحامون إنَّ الفتاتين قد دُفع لهما لعمل مقالب مماثلةٍ بالمطارات والفنادق ومراكز التسوق في الأيام السابقة لاغتيال كيم.
ويثق غوي سون سينغ، محامي ستي، بأنه سيُطلَق سراحها، زاعماً أن الأدلة ظرفية. وقال إنَّه لم يكن هناك شهودٌ رأوا موكلته تهاجم كيم، وصور كاميرات المراقبة لم تؤكد بشكلٍ قطعي أنَّها هاجمته، ولم يكن على جسدها أي آثارٍ لغاز الأعصاب. وقال كذلك إنَّ ستي لم تذهب إلى الحمام لغسل يديها بعد الحادثة، ولم تحاول الهرب من البلاد؛ بل ذهبت للتسوق، ثم ذهبت بعد ذلك لعملها.
وتتصل ستي بأمها كل بضعة أيامٍ ويبدو أنَّها تتعامل مع الضغط جيداً، حتى إنها تتمكن من الضحك أحياناً، لكنها تشعر بالأسى حيال دوان تاي هونغ، التي لا تأتيها زياراتٌ كثيرةٌ في السجن.
ستُصدر المحكمة الماليزية غداً، السادس عشر من أغسطس 2018، حكمها بشأن ما إذا كانت ستبرِّئ السيدتان أم لا. وإذا لم تبرِّئهما فسيبدأ المحامون في الترافع. وإذا وجدت المحكمة أنهما مذنبتان بعد ذلك، ستواجهان عقوبة الإعدام.
تبقى مكالمات ستي لأمها محكومةً بمدة 5 دقائق، وهي مدةٌ غير كافيةٍ لتسمع الأم الحكاية الكاملة التي انتهت بتورطها في ملحمة كيم.
كانت آخر مرة رأت الأم فيها ابنتها الوحيدة حين مرت لزيارتهم في المنزل خلال يناير من العام الماضي، وأعلنت أنها ستصبح نجمةً تلفزيونيةً.
وتقول بيناه مرددةً كلمات ابنتها: «أمي، سأصبح ممثلةً. لقد جاءني عرضٌ ودوري سيكون لعب المقالب. طلبتُ منها أن تتأكد أنَّ ما ستفعله حلالٌ، وقالت طبعاً يا أمي إنَّه حلال».
وتتابع: «وها قد صارت على التلفزيون. لكن ليس كما كنت آمل».
أما المتهمة الثانية دوان فقد وُلدت لعائلةٍ فقيرةٍ شمالي فيتنام. أبوها يعمل بواباً، وأمها توفيت العام الماضي بمرضٍ في القلب. وقد كانت أمل عائلتها الكبير، إذ وضعت العائلة كل مدخراتها لتذهب الفتاة إلى المدرسة في العاصمة الفيتنامية هانوي.
وحين بلغت الثامنة عشرة غادرت قريتها نغيا بينه لتبدأ دورةً تدريبيةً في الصيدلة، غير أنَّها سرعان ما انسحبت منها. والتزمت دوان الصمت حيال حياتها الشخصية أثناء المحاكمة، لكنَّها أبدت خوفها على سلامة أبيها، الذي سُمح له بزيارتها مرةً واحدةً فقط. وقد حاولت صحيفة “الجارديان” التحدث إلى عائلتها، لكنَّ السلطات الفيتنامية رفضت الطلب.
محاولة الحفاظ على الهدوء
تعيش بيناه وزوجها أسريا في منزلٍ أصفر متواضعٍ في قريةٍ جاويةٍ غربيةٍ تكسوها حقول الأرز وأشجار الموز. كل يومٍ يجلس أسريا ليبيع التوابل والكركم والزنجبيل، فيما تهتم بيناه بالبيت.
كلاهما لم يغادر البلاد يوماً. وبعد اعتقال سيتي تدبرت وزارة الخارجية أمر استصدار جواز سفرٍ لها، لكن بيناه قالت إنَّ الذهاب إلى كوالالمبور فكرةٌ مرعبةٌ.
وقالت: «لا أظن أنني أستطيع الذهاب إلى هناك وحدي، أنا لا أعرف شيئاً عن الشوارع، ولا فكرة لديّ أين سأذهب، أو سآكل أو سأنام. أنا قرويةٌ والمدينة ستسبب لي صدمةً حضاريةً».
بعد أن أنهت ستي دراستها الإعدادية التي برعت خلالها في الرياضيات والعلوم الدينية، انتقلت إلى جاكرتا في مقتبل مراهقتها للعمل في مصنع ملابس. وبعد سنواتٍ قليلةٍ تزوجت من ابن صاحب المصنع، وأنجبت ريو وهي في الثامنة عشرة. ويعيش ابنها مع أبيه، لكنَّه على اتصالٍ بجدته، ويعلم أنَّ أمه في السجن، بحسب الصحيفة البريطانية.
وحين فشل زواجها عام 2012، انتقلت ستي إلى مدينة باتام الإندونيسية، التي يمكن الذهاب إليها من سنغافورة بالعبَّارة، وهناك عملت في متجرٍ للملابس، وحلمت بأنَّ تصبح فنانة تجميل.
ومع اقتراب حكم المحكمة تحاول بيناه ألا تشعر بالقلق، وتدعو الله أن تخرج ابنتها قريباً.
وتقول إنَّها ستطبخ وتختم القرآن مع ابنتها حين تعود للمنزل، وستنام معها في نفس الغرفة حتى تشعر بقربها منها.
وتضيف: «أنا مؤمنةٌ بأنَّها ستخرج؛ لأنَّها ليست مذنبةً. هي لم تتعمد إيذاء أي شخصٍ. إنَّها ابنتي وأنا أصدقها».