اللاجئون السوريون تحولوا لورقة ضغط بيد الدول المستضيفة
على الرغم من أن الهدف الأساسي من استضافة اللاجئين هو الجانب الإنساني، فإنه تحوَّل في عدد من الدول إلى ورقة ضغط بيدها تستخدمها وقت ما تريد ضد خصومها الإقليميين او حتى ضد فرقائها السياسيين داخلياً.
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إنه مع وصول أعداد اللاجئين على مستوى العالم إلى مستويات قياسية، تعمل الدول على تطوير استراتيجيات متنوعة لكنها متشابهة، تربط إدارتها لملف المُهجَّرين قسرياً بأهداف السياسة الخارجية.
وفي مايو 2019، قال عباس أراغشي نائب وزير الخارجية الإيراني، إنَّه إذا استمرت صادرات النفط الخام في الانخفاض بسبب العقوبات الأمريكية، «فمن الممكن أن نطلب من إخواننا وأخواتنا الأفغان مغادرة إيران». وفي سبتمبر 2018، هددت تركيا بفتح الحدود مع سوريا والسماح للسوريين المهجرين داخلياً بالعبور إلى أراضيها، إذا شنَّ نظام الرئيس بشار الأسد «هجوماً واسعاً على إدلب».
هكذا يتم التلاعب بملف الهجرة القسرية
يتضح التلاعب بالهجرة القسرية كاستراتيجية سياسية في عدد متزايد من البلدان، ففي العامين الماضيين استخدمت كل من لبنان وكينيا وباكستان والأردن وضعها باعتبارها دولاً مضيفة للاجئين، لتقديم طلبات للدول الغربية والمنظمات الدولية.
وكشف بحث عن الهجرة كيف استفادت ثلاث دول مضيفة – هي الأردن ولبنان وتركيا- من قاطنيها من اللاجئين السوريين لتحقيق مزايا سياسية. ولاحظ البحث ظهور نوع جديد من الدول، وهي دولة ريعية تتربح من اللاجئين، يتبنى فيها من يشغلون مناصب اقتصادية أو سياسية إجراءات لتحصيل إيرادات من دول أخرى أو من فاعلين غير حكوميين، مقابل الحفاظ على مجموعات اللاجئين داخل حدودها.
في محاولة للاستفادة من المخاوف الغربية المتزايدة من التدفق الجماعي للاجئين، تمكنت بعض الدول المضيفة، بوتيرة متزايدة، من استخدام موقعها لتأمين دخل خارجي غير مستحق، كريع مقابل وجود اللاجئين.
تاريخ من الريع مقابل الإبقاء على اللاجئين
الأمثلة على الدول التي تنخرط في سلوك السعي لتحصيل ريع مقابل الإبقاء على اللاجئين داخل حدودها كثيرة. فقد وافق الاتحاد الأوروبي على دفع 50 مليون يورو (5.6 مليون دولار أمريكي) لليبيا؛ إثر تهديد معمر القذافي بأنَّ «أوروبا ستصبح سوداء».
وتفاوضت إثيوبيا على حزمة مساعدات بقيمة 500 مليون دولار هذا العام، في ضوء وضعها كدولة مضيفة لما يقرب من مليون لاجئ. تلقت جزيرتا مانوس وناورو أكثر من 5 مليارات دولار من أستراليا بين عامي 2012 و2018، لمواصلة العمل كمراكز خارجية للتعامل مع طالبي اللجوء، وهو مبلغ فلكي؛ نظراً إلى أنَّ الناتج المحلي الإجمالي السنوي لناورو هو 114 مليون دولار. أما لبنان فقد عقد شراكة بقيمة 400 مليون يورو (448 مليون دولار) مع الاتحاد الأوروبي عام 2016، بهدف تحسين الظروف المعيشية للاجئين السوريين وكذلك المواطنين اللبنانيين.
استراتيجيات السعي لاستغلال وجود اللاجئين مقابل المال: تبادل المصالح وابتزاز
ويمكن القول إنَّ هناك نوعين رئيسيين من السلوك الذي يسعى للحصول على أموال نظير وجود اللاجئين. قد تتبنى الدول استراتيجيات «تبادل المصالح» وتعتمد على التعاون بين الدول، أو قد تختار الدول طريقة الابتزاز المعتمدة على الإكراه. الطريقة الأولى تنطوي على تقديم مناشدات للحصول على المساعدة الدولية والاحتكام إلى المعايير والقانون الدولي، وتتناقض بصورة حادة مع الثانية، التي تستتبع في كثير من الأحيان تهديدات بالعمل الانفرادي.
إدارة الأردن لأزمة اللاجئين السوريين لديه، مثال واضح على تبادل المصالح. وجهت العائلة المالكة ووزراء الدولة دعوات متكررة للحصول على مساعدات اقتصادية دولية، لكنهم لم يشيروا قط إلى أنهم سيُجبرون السوريين على الخروج. قالت الملكة رانيا في قمة الأمم المتحدة عام 2016 حول اللاجئين والمهاجرين: «في بلد يسكنه 6.6 مليون أردني، فتحنا أبوابنا أمام 1.3 مليون سوري»، مضيفة: «لا يمكن أن يقع على عاتق الدول الأقرب للصراعات تحمُّل هذه المسؤولية وحدها».
كيف تختار الدول استراتيجيتها؟
يوضح البحث المقدم حول السياسات الدولية للتعامل مع أزمة اللاجئين السوريين، كيف تُجري الدول حسابات عقلانية بناءً على موقعها النسبي وقوتها في مواجهة الدول المستهدفة. عندما تستضيف الدول عدداً كبيراً من اللاجئين وتدرّك النخب المحلية أنَّ بلادهم مهمة من الناحية الجيوسياسية، فعلى الأرجح ستلجأ تلك الدول إلى الابتزاز مثل إيران، خلاف ذلك فعلى الأرجح ستنتهج الدول استراتيجية تبادل المصالح، مثلما هو الحال مع الأردن أو لبنان.
ستكون السياسات الأخيرة لإيران منطقية بمجرد النظر إليها باعتبارها سلوكاً ابتزازياً للحصول على إيجار مقابل اللاجئين الموجودين لديهما: يشكل الثلاثة ملايين لاجئ الموجودون في إيران وسيلة للضغط على الحكومة الأفغانية؛ ومن ثم على واشنطن. وربما حاولت إيران استهداف تركيا، التي يفِر إليها معظم اللاجئين الأفغان المرحلين.
ريع اللاجئين سيستمر
تشير الاتجاهات الدولية إلى أنَّ الظاهرة ستستمر: فقد زاد التردد التقليدي للدول الغربية تجاه استضافة المهاجرين واللاجئين، بصورة كبيرة على جانبي المحيط الأطلسي. يتغذى هذا التردد على سياسات «البعيد عنا، بعيد عن عقولنا» التي تكافئ دول اللجوء الأول المضيفة، على اعتبارها مناطق حاجزة لطالبي اللجوء، من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى المكسيك.
التحول العالمي نحو تسليع الهجرة القسرية ليس غائباً عن الدول المضيفة. فبعد أسابيع قليلة من اتفاق الاتحاد الأوروبي وتركيا عام 2016، هدد كبير مسؤولي الأمن القومي في كينيا بإغلاق مخيم داداب للاجئين، أحد أكبر المخيمات في العالم، قائلاً إنَّ الغرب كان يتملص منه «بثمن زهيد». وقال مسؤول أردني مستعيداً التفكير في الطريقة التي تعاملوا بها مع اللاجئين السوريين: «كان علينا ابتزاز الاتحاد الأوروبي».
لكن استراتيجيات السعي للحصول على إيجار مقابل وجود اللاجئين لم تعد تقتصر على الجنوب العالمي. فعام 2015 قال وزير الخارجية اليوناني نيكوس كوتزياس، إنَّه إذا أُجبرت اليونان على الخروج من منطقة اليورو، فـ «سيكون هناك عشرات الملايين من المهاجرين وآلاف الجهاديين» يُغرقون أوروبا الغربية.
يوحي صعود نهج ريع اللاجئين بأنَّ تحليلات سياسة القوى ليست دقيقة، إذا لم تأخذ تلك التحليلات في اعتبارها الهجرة القسرية، لا بالنظر إليها بالضرورة كأسلحة في مفهوم «الحروب الجديدة»، لكن باعتبارها أدوات للمفاوضات الدبلوماسية والنفوذ، كجزء أساسي من النظام الدولي.