الكشف عن منفذي عملية ذبح مؤذنين في الجزائر.. لم يكتفوا بقتلهما بل علقوا رأس أحدهما على باب المسجد
كشفت تحقيقات لفرق متخصصة في مكافحة الإرهاب، التابعة لجهاز الأمن في الجزائر، عن منفذي عملية إعدام مؤذنين في أحد الجوامع الجزائرية وهم عناصر من فصيل منشق عن تنظيم القاعدة بالمغرب أطلق على نفسه اسم “كتيبة الأهوال” مبايعاً داعش منذ العام 2014.
ورغم أن الفصيل لم يصدر بعد بياناً رسمياً يتبنى من خلاله العملية، إلا أن مصدر أمني اعتبر أن الجريمة التي وقعت في أحد مساجد مدينة أولاد السبع هي للثأر من أحد المؤذنين الذي كان يعمل في وقت سابق مع قوات مكافحة الإرهاب وتحديداً في صفوف الحرس البلدي.
فلخضر بن غانم صاحب 68 عاماً، وأب لـ 4 أولاد، أحد المذبوحين تقاعد مؤخراً من عمله مع قوات مكافحة الإرهاب، وانتهى به الأمر مذبوحاً الأسبوع الماضي هو وسالم بونوة “64 عاماً” وعلق رأس أحدهما على باب المسجد قبل ساعات من أذان الفجر، الذي لم يصدح صباح ذلك اليوم.
ويبدو أنأعضاء المجموعة المنفذة قد فروا إلى منطقة جبلية غابية قريبة من بلدة السبع، حيث تنشط “كتيبة الأهوال التي تنتمي لداعش.
وتعتبر هذه الجريمة هي الأولى مـن نوعها منذ سنوات طويلة.
أخطر الإرهابيين في الجزائر
وتوجه أصابع الاتهام لشخص نشرت تفاصيل عنه السومرية نيوز الأحد 27 مايو/أيار 2018، وهو الإرهابي أبو جعفر السلفي الملقب بـ”سليم الأفغاني” إمارة تنظيم “داعش”، وحسب مصادر أمنية كما قالت فإنه في الجزائر.
ووفق التفاصيل التي نشرتها أجهزة الأمن في الجزائر، تضيف “سليم الأفغاني” هو بن سليم محمد فوزي “المولود عام 1970، وينحدر مدينة سيدي بلعباس 400 كيلو متر غرب الجزائر (الولاية التي شهدت الجريمة).
الأفغاني هو “أمير سابق في جماعة “حماة الدعوة السلفية” التي حلت نفسها بسبب خلاف مع تنظيم القاعدة في شأن جدوى العمليات الانتحارية، ولم ترتبط بأي نشاط منذ سنوات، لذلك بدت عودة الأفغاني مفاجئة إلى حد كبير خصوصاً في ظل معلومات عن مقتله.”
وكان “أحد أوائل من التحقوا بما كان يسمى بالجماعة الإسلامية المسلحة قبل أن ينشق عنها في 1996، وأنه كان أميراً أيضاً في كتيبة الأهوال التي حولت تسميتها إلى حماة الدعوة السلفية.
تفاصيل الجريمة
على طاولة السحور استعداداً لصيام خامس أيام شهر رمضان، يجلس سالم بونوة رفقة عائلته، وقلبه معلق بمسجد خالد بن الوليد بالحي الغربي لبلدية واد السبع، التابعة لولاية سيدي بلعباس غربي الجزائر، كونه متطوعاً للأذان به منذ سنوات.
يضع سالم ملعقته بجانب صحن طبق تقليدي “المسفوف” (كسكس بالسكر والزبيب وهو من الأطباق المعروفة في سحور الجزائريين)، ليختمه بشربة ماء، قبل أن يخرج كعادته إلى المسجد لتأدية الأذان الأول لصلاة الفجر.
حي على الوداع
أغلق سالم “64 عاماً” بابَ بيته، الذي لا يبعد عن المسجد سوى بنحو 200 متر، مبتسماً في وجه ابنه خالد، مخبراً إياه بأن الجو “زين”، (أي جميل)، وكانت هذه الكلمة الأخيرة التي يتلفَّظ بها لعائلته.
ويقول خالد بونوة، الابن قبل الأخير لسالم لـ”عربي بوست”، إن الأذان الأول لصلاة الفجر كان يرفعه الوالد بعد 15 دقيقة على الأكثر من مغادرته البيت، لكن الدقائق تعدّت العشرين ولا صوت يعلو المئذنة”.
(في الجزائر يرفع أذان الفجر من مرة إلى ثلاث مرات، خاصة خلال شهر رمضان، وذلك لمساعدة المواطنين في النهوض وتحضير السحور، وفي منطقة أولاد السبع يؤذن مرتين، الأول إيذاناً باقتراب موعد الإمساك، والثاني لدخول وقت الفجر).
وبحسب كلام خالد “فإن والده كان حريصاً على الوقت، ونادراً ما يتأخر أذانه بدقيقة أو دقيقتين، ما جعل كل الحي وليس العائلة تعتريه شكوك واستفهامات حول سر هذا التأخر”.
ويضيف: “حتى وإن تعذَّر على الوالد رفع الأذان بسبب وعكة أو ظرف طارئ، فهناك صديقه الدائم ومساعده تطوعاً في الأذان، اسمه لخضر بن غانم، يقوم بالمهمة على أكمل وجه، لكن لم يكن أحد يتوقع أن الوالد وصديقه ذهبا ليقولا -حي على الوداع- بدل حي على الصلاة”.
لا صوت للأذان هذه المرة!
بدأت وفود المصلين تتوجه إلى المسجد الذي يقع على حواف الحي، مقابل إحدى غابات أولاد السبع، مع تقدم عقارب الساعات لتعلن دخول وقت الفجر، وبالتالي بداية الإمساك عن الطعام والشراب، ولا صوت للأذان هذه المرة.
خالد، وبحَيْرة كبيرة وبخطوات متسارعة يتوجَّه إلى المسجد لمعرفة ما حدث، واكتشاف سر غياب الأذان، رغم أنه وكما قال “في البداية اعتقدوا أن المشكلة حول انقطاع متوقع للتيار الكهربائي”.
على بعد خطوات فقط عن المسجد، يسمع خالد “كلاماً وضوضاء بداخله، وصراخاً في بعض الأحيان، وهو ما لم يكن عادياً على الإطلاق”.
ويُردف في سرد القصة: “دخلت المسجد فوجدت شخصين مطروحين، أحدهما قُبالة المحراب، والثاني على يمين المنبر، وأمام كلِّ واحد منهما بركة من الدم فوق سجادة الصلاة”.
دقات القلب تخفق بسرعة البرق، ويتقدم خالد إلى الصف الأمامي للمسجد، حيث اعتاد والده الصلاة منذ سنوات طوال، ليكتشف أن الشخصين هما والده سالم، ورفيق دربه في خدمة المسجد لخضر بن غانم.
المؤذنان ذُبحا.. رأس مفصول معلق أمام الباب
يعد يوسف مزياني من المصلين المواظبين على مسجد خالد بن الوليد بأولاد السبع، وكان أول من دخل المسجد بعد وقوع الجريمة بدقائق.
ويروي مزياني ما حدث عند اكتشافه الجريمة بالقول: “لم أسمع الأذان، وبيتي بجوار المسجد، رغم أن الأضواء كانت مشتعلة بوقت قبل بلوغ وقت الأذان الأول، قطعت طعام السحور، وتوجهت لمعرفة ما حدث”.
ويواصل سرده لـ”عربي بوست”: لقد “ذُهلت عندما دخلت المسجد، هناك رأس مفصول عن الجسد، معلق بقضيب حديدي أمام الباب الرئيسي، وجثتان أمام المنبر والمحراب، انتابني خوف كبير، وتراجعت إلى الوراء، قبل أن أقرر الدخول مرة ثانية برفقة أحد المصلين”.
لم يكن أحد في المسجد، يضيف “لقد كان باب مكتب المقصورة مفتوحاً، قمنا بستر الجثتين وتغطيتهما، وسارعنا لإخبار مصالح الدرك الوطني، والحماية المدنية، اللتين التحقتا بنا على الفور، ونقلتا الجثتين إلى مصلحة الحفظ بمستشفى رأس الماء”.
خالد ابن الضحية سالم بونوة، يؤكد “جثة والدي كانت مفصولة الرأس، في حين جثة رفيقه لخضر بن غانم كانت عليها آثار الذبح بادية على مستوى الرقبة”.
من هما سالم ولخضر؟
سالم الأب لـ5 أولاد، كان قد تقاعد من مصالح بلدية أولاد السبع منذ قرابة الخمس سنوات، للتفرغ لبعض الأعمال الحرة، والتطوع لخدمة المسجد.
كان سالم مهتماً بخدمة المسجد من خلال رفع الأذان للصلوات الخمس، كما كان حريصاً على تهيئة المحيط الخارجي له من خلال غرس بعض النباتات والورود وتنظيفه، وكان يستعد لتأدية مناسك الحج هذا الموسم.
أما الضحية الثانية فهو لخضر بن غانم “68 عاماً”، وأب لـ4 أولاد، يقول خالد “هو متقاعد عن العمل منذ سنوات، كونه كان في صفوف الحرس البلدي (جهاز مستحدث خلال العشرية السوداء بالجزائر).
واختار لخضر بعد إحالته إلى التقاعد تربية الدواجن، وإنتاج بعض الخضراوات المحلية بقرية أولاد السبع دائماً، كما كان مهتماً بالمسجد، سيما ما تعلق بتنظيفه من الداخل، وتعويض المؤذن أيام غيابه أو مرضه، يضيف محدثنا خالد بونوة.
مَن نفَّذ الجريمة؟
على الرغم من كون الجريمة لم تتبع أي بيان رسمي من المؤسسة العسكرية أو المدنية بالجزائر، إلا أن وسائل إعلام محلية تحدثت عن ضلوع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة النائمة غربي الوطن في عملية الاغتيال هذه.
وقالت صحيفة الشروق الجزائرية، إن مجموعة إرهابية مجهولة العدد، قامت بارتكاب جريمة شنعاء ببلدية أولاد السبع، التابعة لولاية سيدي بلعباس.
وكتبت تقول “عادت أيادي الغدر لتحاول بائسة بثَّ الرعب في وسط سكان بلدية واد السبع، الواقعة بالقرب من دائرة رأس الماء، على بعد 90 كلم جنوبي ولاية سيدي بلعباس”.
وقالت “إن المجموعة الإرهابية باغتت قبل دقائق من صلاة الفجر رجلين في العقد السابع من عمرهما، وقامت باغتيالهما ذبحاً، والتنكيل بجثتيهما داخل بيت الله، وفي عز شهر الرحمة والغفران”.
الصحيفة لم تتحدث عن أي مصدر أمني أو مسؤول، لكنها قالت إن البلدية هي إحدى المناطق التي اكتوت في العشرية السوداء بنار الإرهاب، وكتبت “أن السكان استرجعوا مع هذه الجريمة كوابيس الماضي”.
لكن وكالة الأنباء الرسمية في الجزائر ونقلاً عن مصدر أمني، اكتفت بالقول “إن مصالح الدرك الوطني انتقلت إلى مسجد خالد بن الوليد، حيث وجدت الضحيتين وقد فارقا الحياة”.
تمشيط واسع للمنطقة
تلفزيون النهار الخاص في الجزائر، ومن خلال مراسله بسيدي بلعباس، أكد أن السلطات العسكرية قامت بتمشيط الغابات المحاذية لمنطقة أولاد السبع مباشرة بعد وقوع الجريمة.
وأكد أن قيادة الدرك الوطني بالولاية، أمرت بفتح ملف دقيق ومستعجل لمتابعة حيثيات الجريمة، واكتشاف المتورطين فيها.
استنكار وطلب حماية
جلول حجيمي، رئيس نقابة الأئمة في الجزائر، قال لـ”عربي بوست”، إن “نقابة الأئمة مصدومة من مقتل مؤذن ومساعده في سيدي بلعباس، وهذه الصدمة تضاف إلى تلك التي عاشتها النقابة في الأخبار المتتالية بشأن الاعتداءات المتكررة على الأئمة، وكثيراً ما تصل حد القتل”.
مشيراً إلى أن النقابة “طالبت في أكثر من مرة بتوفير الحماية وظروف العمل في المسجد، لا سيما من قبل مستهلكي المخدرات، والمختلين عقلياً، بعد تسببهم في اعتداءات كثيرة عبر الوطن”.
واعتبر أن “مطالب الأئمة بتوفير شرطة المساجد، التي تحمل على عاتقها حماية المصلين والقائمين على المسجد على حد سواء، هو مطلب شرعي وحق من الحقوق”.