الكاتبة اليمنية فتحية محمود صديق تكتب: ويبقى الأمل
في إطار سياسة الديوان للكتابة عن الإنسانية تلك القيمة المفقودة الآن في واقعنا الراهن تكتب للديوان الكاتبة والتربوية اليمنية فتحية محمود صديق للديوان مقالها ويبقى الأمل لتقدم لمحة أمل وتقدم إطلالة تستحق التوقف عندها..
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان متمثلًا في آدم وزوجته حواء، كان في علمه المطلق أنهما معرضان للخطيئة والزلل، وعندما دعاهما سبحانه ليسكنا الجنة، رغم أنه أطلق لهما حرية العيش فيها بأن يأكلا منها رغدًا ما يشاءا، إلا أنه وضع لهما حدًا أو ضابطًا لهذه الحرية ثمثل بعدم الأكل من (تلك الشجرة)، وكان ذلك الدرس الأول للإنسان بضرورة الانصياع للحدود التي تحد من كباح نفسه، وعدم الخضوع لرغباتها، وعندما أمر الله آدم وزوجته بأن يهبطا إلى الأرض عقابًا لهما على انتهاك أمره، لم يترك سلالتهما يهيمون فيها كالبهائم – رغم منحة العقل التي حباها الله لهم – بل أرسل لهم الرسل للهداية رحمة بهم، وحتى يستخلفوا الأرض ويعمروها وفقا لمبادئ الحق والعدل والخير فلا يطغى قوم على قوم، أو يستقوي الأقوى على الأضعف، أو يتكبر الغني على الفقير، عندئذ يستقيم ميزان الكون فلا يحدث الاختلال الذي يؤدى إلى هلاك الجميع.
ومبادئ الحق والخير والعدل هي الاطار العام التي يحتوي الإنسانية، ويربط جميع الناس برباط المحبة والرحمة والتعاطف، وتمنحهم القدرة على التعاون والتعايش والتآلف، فنحن نحتاج إلى بعضنا البعض كي نبقى ونستمر ونتطور ونقوم بدورنا في عمارة الأرض وعبادة الله سبحانه وتعالى كما دعانا.
وما نراه اليوم من سلوكيات البشر تبدو لنا خارج هذا الإطار، إلا أنها ضمن الطبيعة الانسانية المجبولة على الخير والشر، والصراع بينهما في كل مراحل تطور الكائن البشري بعد مرحلة التمييز، ولكن يجب أن لاتبقى النفس حرة طليقة أسيرة لرغباتها وأهوائها المضللة، بل يجب أن توضع لها الضوابط التي يجب أن تعمل ضمن حدودها ولا تتجاوزها، وأن تغرس فيها القيم والمبادئ الإنسانية منذ الصغر فتكون مرجعية إرشادية لكل ما تقوم به من سلوك أو قول أو عمل، وما نراه اليوم إنما هو تقصير من المؤسسات التربوية، والدينية، والأسرية في التوجيه والإرشاد وغرس القيم حتى تتأصل في النفس وتصبح طبعا ينتج عنها السلوك الذي يوافق القيم ولا يناقضها.
وإن كانت الأحداث في هذا الزمن تصور لنا أن قوى الشر قد انتصرت، وتعاظمت، وسيطرت، حيث استطاعت – على ما يبدو- أن تجند الكثير للعمل تحت لوائها ووفقا لأجندتها، وتمكنت – إلى حد كبير- من قلب الموازين إلى الحد الذي أصبح فيه الكثير للحق كارهون، إلا أن على قوى الخير أن تتماسك وأن تصمد، فمع كل هذا الضجيج الذي تحدثه قوى الشر في العالم، وهذا الحصار، وهذا الانتصار المزيف فإنها لن تنتصر، ذاك الايمان الذي يجب أن تتسلح به قوى الخير في كل مكان وهي تخوض معركة الصمود، ولنأخذ عبرة من قصص الأولين، فقد أخذ الله الظالمين بظلمهم، وأهلكهم وتحقق وعد الله بانتصار الحق على الباطل والخير على الشر وهو وعد مطلق، وقد أكد الله سبحانه وتعالى على هذا الوعد في أكثر من موضع في القرآن الكريم ، وعدًا يمنحنا القوة ويمدنا بالأمل.
علينا أن لا نفقد الأمل بالإنسانية، يقول الشاعر الهندي طاغور في ذلك :
“مهما يكن من شيء فإني لن ارتكب الخطيئة الخطيرة: خطيئة فقدان الإيمان بالإنسان أو الإذعان للهزيمة التي حاقت بنا في الوقت الحاضرعلى اعتبارها نهائية وحاسمة، بل سأظل اتطلع بأمل إلى تحول في مجرى التاريخ بعد أن تزول هذه الغمة الجاثمة، وتصفو السماء ثانية وتهدأ، وربما بزغ الفجر الجديد من أفقنا هذا، أفق الشرق، حيث تشرق الشمس. وعندئذ تهب روح الإنسان التي تهزم لتقوده من جديد الى طريقه، طريق التقدم رغم كل العوائق، ليسترد تراثه الضائع”.
وللحديث بقية..