العراقيون يدلون بأصواتهم في أول انتخابات منذ طرد الدولة الإسلامية
لأول مرة منذ طرد تنظيم الدولة الإسلامية من البلاد يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع يوم السبت في انتخابات ستحدد شكل المساعي التي ستبذل لعلاج الانقسامات العميقة في البلاد وربما تحدث تحولا في توازنات القوى الإقليمية.
وتخوض الجماعات الطائفية والعرقية الثلاث الرئيسية في العراق، وهي الأغلبية الشيعية العربية والأقلية السنية العربية والأكراد، صراعا منذ عشرات السنين وما زالت الانقسامات العرقية متأججة بعد مرور 15 عاما على سقوط حكم صدام حسين.
وتجرى الانتخابات لاختيار أعضاء البرلمان ورئيس الوزراء بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني مما أثار توترات بين الحليفين الرئيسيين للعراق وهما طهران وواشنطن.
وأيا كان الفائز في الانتخابات التي ستجرى في 12 مايو أيار فإنه سيواجه تحديا يتمثل في إعادة إعمار العراق بعد حرب استمرت أربع سنوات مع تنظيم الدولة الإسلامية وإنعاش الاقتصاد المتداعي وتحقيق قدر من التوازن بين مصالح الأطراف الأجنبية القوية والإبقاء على الوحدة الهشة للبلاد في مواجهة توترات طائفية ونزعات انفصالية.
وقال خالد راضي (29 عاما) وهو عامل من بغداد ”بدنا أمان. عندنا قتل، عندنا سلب، عندنا خطف. ما كان عندنا ها الشيئ من قبل. الشعب اتدمر في هاي ال١٥ سنة“.
ويرى المحللون أن رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي يتقدم بفارق ضئيل على منافسيه لكن فوزه ليس مضمونا.
ورغم إعلانه هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية خلال فترة ولايته الأولى التي استمرت أربع سنوات وتمكنه من تهدئة التوترات الطائفية التي أججها سلفه وحفاظه على وحدة العراق في مواجهة مساعي الأكراد للانفصال فإنه يواجه معركة انتخابية شرسة.
* سباق ثلاثي الأطراف
واجه العبادي انتقادات بشأن الفساد الحكومي المستمر والظروف الاقتصادية الصعبة والإجراءات التقشفية التي اتخذتها حكومته بعد تراجع أسعار النفط العالمية وللمساعدة في دفع تكاليف قتال تنظيم الدولة الإسلامية.
ولا يمكنه كذلك الاعتماد فقط على أصوات طائفته لأن أصوات الأغلبية الشيعية مقسمة على غير العادة هذا العام. لكنه يتطلع لحشد التأييد من جماعات أخرى.
ويعتبر كثيرون من السنة، وليس كلهم، العبادي بديلا أقل طائفية من منافسيه الرئيسيين الشيعيين وينسبون له الفضل في تحرير مناطقهم من تنظيم الدولة الإسلامية.
لكن العلاقات ليست على ما يرام بين العبادي والأكراد منذ أن فرضت بغداد عقوبات على إقليم كردستان شبه المستقل في أعقاب محاولة فاشلة للاستقلال العام الماضي.
وحتى إذا فازت ”قائمة النصر“ التي تضم مرشحي العبادي بأغلب المقاعد سيتعين عليه خوض مفاوضات معقدة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية.
ومنافساه الرئيسيان هما سلفه نوري المالكي وهادي العامري قائد فصيل شيعي مدعوم من إيران.
وكلاهما يتمتع بقاعدة ناخبين أكثر حماسا مما لدى العبادي الذي يحظى بتأييد الناخبين البراجماتيين الذين ينظرون إليه باعتباره يتمتع بعلاقات أوثق مع العالم الخارجي وبقبول عابر للطوائف وهو أمر مطلوب لتجنب المزيد من إراقة الدماء ولجذب الاستثمارات.
ومثل العبادي، يعتمد العامري على برنامج يرتكز على الانتصار على تنظيم الدولة الإسلامية لكن أسلوب خطابه أكثر جذبا باعتباره كان قائدا ميدانيا في الصفوف الأولى وينظر إليه العديد من الشيعة باعتباره بطل حرب.
أما المالكي الذي نحي جانبا بعد أن أمضى ثماني سنوات في السلطة بعد أن خسر ثلث مساحة البلاد لصالح تنظيم الدولة الإسلامية فيتطلع للعودة.
وعلى عكس الرسالة العابرة للطوائف التي يوجهها العبادي، يصور المالكي نفسه مرة أخرى باعتباره البطل الشيعي ويقترح التخلي عن نموذج اقتسام السلطة غير الرسمي المطبق في البلاد والذي يضمن لجميع الأحزاب الرئيسية تمثيلا في الحكومة.
* مساومات تشكيل الائتلاف
تُقسم المناصب الحكومية العليا بشكل غير رسمي بين الجماعات الرئيسية في البلاد منذ سقوط صدام حسين في 2003 ونهاية عقود من هيمنة الأقلية السنية.
وخُصص منصب رئيس الوزراء وفقا لهذا التقسيم للشيعة فيما خُصص منصب رئيس البرلمان للسنة أما الرئاسة، وهي منصب شرفي في نظام الحكم العراقي، فقد خُصصت للأكراد فيما يختار البرلمان الشخصيات التي تشغل تلك المناصب.
وفي انتخابات هذا العام ترشح أكثر من سبعة آلاف في 18 محافظة للتنافس على مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 مقعدا.
ويحدد الدستور العراقي مهلة 90 يوما لتشكيل حكومة بعد إعلان نتائج الانتخابات رسميا فيما يطول أمد المساومات السياسية في تلك الفترة.
وسيكون على الحكومة الجديدة أيضا أن تتعامل مع التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران.
وحظي العبادي رئيس الوزراء بالإشادة على حنكته في إدارة المصالح المتعارضة للدولتين الرئيسيتين الداعمتين لبلاده. وبينما حافظت حكومته على علاقات جيدة مع إيران فقد اعتبر هو شخصية متوازنة. ويقول دبلوماسيون غربيون إنه سيكون المرشح الأيسر في التعامل معه.
ويعتبر المالكي، الذي دفع القوات الأمريكية للانسحاب، والعامري، الذي يتحدث الفارسية بطلاقة وقضى سنوات في المنفى في إيران خلال عهد صدام، مقربين من طهران أكثر بكثير من العبادي.
* انقسامات
تجرى الانتخابات في أجواء من الانقسام والتحرر من الأوهام داخل الجماعات الأساسية الثلاث.
وأصوات الشيعة منقسمة في ظل استياء الكثيرين من قادتهم بعد 15 عاما في السلطة لم تُنتج سوى العنف والبطالة فضلا عن بنية تحتية متداعية.
لكن إن كان الشيعة منقسمين بسبب كثرة القادة فإن السنة منقسمون لعدم وجود قيادة.
والسنة في أسوأ حال حيث يقبع الملايين منهم في مخيمات للنازحين ولا يملك كثيرون منهم أموالا ويحاولون إعادة بناء منازلهم التي دمرت في مدن تحولت إلى أنقاض ويشعرون بأنهم موصومون بشكل جماعي بالتعاطف مع تنظيم الدولة الإسلامية.
فقد القادة السياسيون السنة الذين تقلدوا مناصب في الحكومة ثقة الناس إلى حد كبير وليس هناك قيادة قومية سنية ولا هيكل حزبي.
أما الأكراد فيحملون قادتهم مسؤولية المقامرة بحكم ذاتي حصلوا عليه بصعوبة من أجل استفتاء فاشل على الاستقلال وقد يعاقبونهم بمنح أصواتهم لأحزاب غير تقليدية. لكن مثل تلك الأحزاب بدورها قد تقوض الموقف الكردي الموحد تاريخيا ككتلة مؤثرة تلعب دور صانع الملوك في البرلمان.
ويتوجه الناخبون لصناديق الاقتراع السبت فيما بدأ العراقيون في الخارج وقوات الأمن في التصويت يوم الخميس. وقالت مفوضية الانتخابات إن النتائج ستظهر بعد ”ساعات“ من إغلاق مراكز الاقتراع.
وهدد تنظيم الدولة الإسلامية بمهاجمة مراكز الاقتراع وسط تصاعد الحوادث الأمنية في الآونة الأخيرة في المناطق التي استعادتها القوات العراقية من قبضة المتشددين. لكن كثيرا من الناخبين لا يرون أن الانتخابات ستحدث أي تغيير.
وقال مصطفى طبار وهو ميكانيكي يبلغ من العمر 27 عاما ”اقترح الدولة تلغي البرلمان شلع قلع“ مستخدما تعبيرا عراقيا دارجا يعني التغيير الجذري والشامل.