الطيب التيزيني : حكيم الفلاسفة المعاصرين ومناصر حقوق الانسان
الحديث عن قامة معرفية وفلسفية وهامة موسوعية في حجم ومستوى الدكتور الطيب التيزيني ، حديث مخل ومتعسف وقسري في جميع الحالات والأحوال في حق رجل مناضل ; مفكر حكيم ( لذلك اختاره السوريون ضمن مجلس الحكماء اثناء الازمة السورية سنة 2011 ) وحقوقي (مؤسس لعدد من الهيئات الحقوقية ومنها منظمة سواسية الحقوقية ) ندر حياته من اجل نصرة المظلومين والكادحين والمعذبين في الارض بلغة فرانز فانون ، ومفكر أعطى للمكتبة الفلسفية العالمية اسهامات وكتابات وابحاث مرجعية ومؤسسة للفكر العقلاني المعاصر باللغة الالمانية والعربية ، لذلك فليعذرني القارئ الكريم على عدم ايفاء الدكتور التيزيني الحمصي ما يليق بمقامه بمقالتي هاته ، ولكنني اؤمن بان ما لا يدرك كله لا يترك جله ، لذلك اقدمت على مغامرة الحديث عن مفكر موسوعي متبحر في الفلسفة والتراث والفكر متيقنا منذ البداية ان الحديث عن تيزيني مسؤولية كبيرة ومهمة شاقة ، لكن قررت التحدي .
ثمة مفكرين وكتاب وباحثين يحدثون انقلابات كبرى وثورات كوبرنيكية في عقول وأفئدة المتلقين من القراء والباحثين عموما بمجرد الاطلاع على كتاباتهم ، تلك هي تأثيرات وصدى كتب و ابحاث الدكتور الطيب تيزيني ، بسبب الاعتناء المنهجي بالموضوع المدروس وسلاسة الاسلوب وحكمة الرجل وتواضعه وإيمانه الشديد بما يقول او للدقة نقول، يقول ما يفكر به و يفكر بما يقوله ويمارس ما يفكر به في تلاحم تاريخي بين الفكر والممارسة ، اذ ان التواضع و قوة الحجة اذا التقيا لدى مفكر متنور يسهل عليه “ترويج” و”تمرير” افكاره و مخرجاتها الى عموم المتلقين .
كتابات الطيب التيزيني الذي لا يتوانى في نقده المستمر لكتاباته السابقة واستنتاجاته حسب تطور الاحداث وتراكم الخبرات المنهجية والنظرية والتاريخية، تتصف بالدقة ونفاذ البصيرة والجرأة العلمية في نقد ما يستوجب النقد لذلك نراه صريحا في تقديم مراجعات كثيرة عن افكاره السابقة ، فلم يعد يؤمن بالتراث والثورة كما عنون احد كتاباته بل بالتراث والنهضة ،ففي جواب له عن سؤال طرحه عليه الباحث والمفكر هاني نسيرة (منشور في موقع الحوار المتمدن العدد 1449- 2006) قال الطيب تيزيني :”الحديث عن كتابي “من التراث الى الثورة” في هذه المرحلة يدعوني للتساؤل فيما اذا كان هذا العنوان مازال محتفظا براهينيته المعرفية والسياسية والثقافية ، وله ضرورة تاريخية الان ، خاصة وانه ككل عمل فكري يعكس لحظته وان كان يتضمن كذلك ما يغطي لحظات اخرى لاحقة،ورئي فيه بعد عقد ونصف عقد من التفكير ان ينسحب ليفسح الطريق الان الى عنوان اخر هو “التراث الى النهضة” فمرحلته في بداية السبعينات كانت تحتمل مشروع الثورة ، بيد انه الان في سياق التحولات التالية وخصوصا مع نشاة النظام العالمي الجديد وتفكك المنظومة الاشتراكية …” ثمة اذا مراجعات فكرية وسياسية قام بها الدكتور الطيب التيزيني وهي التي يجب العمل على تطويرها واستيعابها لبدء معرفة جديدة انطلاقا من خلاصات تجربة فكرية ومعرفية وسياسية خصبة تصلح ان تكون توجيها للاجيال المقبلة . الدكتور التيزيني يصف ما يجري الان دوليا وتالثيا بالحطام المعرفي والعملي المفتوح ، داعيا في مناسبات عديدة الى الاسراع بمراجعة التراث والافكار و الطروحات بعقل نقدي تحرري لفتح الدوائر المغلقة واستنهاض الفعل الجماهيري ولو تطلب الامر البدء من الصفر من جديد . كان للمفكر الطيب التيزيني مواقف مشرفة اثناء الثورة السورية ابانت عن معدن الرجل واخلاصه للفكر والممارسة التحررين، داعيا الى اسقاط الدولة الامنية التي التهمت الشعب السوري، مناضلا من اجل القضاء على ما اسماه بالاستبداد الرباعي ( استبداد السلطة واستبداد الاعلام واستبداد الحزب الواحد واستبداد الثروة) ،وكلفه نضاله و جهره بالحق مضايقات و اعتداءات ومشاكل لا عدد لها كما انه قام بتحليل ممتاز وراهن للظاهرة الداعشية التي ارجع اسبابها الى الاستبداد الظلامي الرباعي اي الفقر وهدر الكرامة والاستبداد و الاقصاء الاجتماعي والفكري محملا للغرب مسؤولية مباشرة في استفحال الظاهرة الداعشية وسكوته عن الاستبداد وتواطؤه مع القوى الرجعية نظاما واحزابا . منتقدا الطروحات المتعسفة التي ترمي كل المسؤولية على الخارج فيما وصل اليه حالنا في الداخل ، بل يرى بان التدخل الخارجي يستدعيه مباشرة ومنطقبا الاستعداد الداخلي وترهل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
نبذة موجزة عن الدكتور الطيب التيزيني :
اورد المرحوم شاكر النابلسي في كتابه الفكر العربي في القرن العشرين الجزء الثاني ص 680 نبذة عن الطيب تيزيني جاء فيها :” مفكر واكاديمي علماني ماركسي معاصر .له مساهمات مختلفة في الفلسفة والفكر العربيين .من كتبه : من التراث الى الثورة (عدة مجلدات) ،مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ، الفكر العربي في بواكيره وافاقه الاولى، على طريق الوضوح المنهجي ، حول مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث”
خصصت مجلة الجديد اللندنية عدد7 غشت 2015 عددا خاصا للدكتور الطيب التيزيني شمل حوارا معه وعدد من المقالات التحليلية السجالية مع هذا الحوار فيما يشبه حوار على حوار وقدمت للحوار بالنبذة التالية:
“طيب تيزيني اسم بارز لمفكر عرفت الثقافة العربية اسهاماته الفلسفية والفكرية لاسيما خلال الربع الاخير من القرن العشرين حيث تحول الى اسم لافت من خلال كتبه ومحاضراته وطروحاته الفكرية انطلاقا من دمشق ، ولكن ليس انتهاء بالقاهرة ولا بالدارالبيضاء.
من مواليد مدينة حمص عام 1934 حاصل على الدكتوراة في الفلسفة عام 1967 والدكتوراة في العلوم الفلسفية1973 من المانيا.تم اختياره عام 1998 من قبل مؤسسة concordia الالمانية –الفرنسية واحدا من مئة فيلسوف عالمي في القرن العشرين.تتالت مؤلفات تيزيني منذ السبعينات حتى الان ، متناولا فيها النهضة العربية والتاريخ العربي وقضايا التراث والقضايا الاسلامية وعلاقتها بالتاريخ.عام 2011 شارك تيزيني في المظاهرات السلمية في دمشق امام وزارة الداخلية للمطالبة بالافراج عن معتقلي الرأي.”
كتب ودراسات الطيب تيزيني :(حسب ويكيبيديا)
• مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط ، دار دمشق – دمشق 1971، خمس طبعات.
• حول مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث، الوطن العربي نموذجاً، دار دمشق، دمشق 1971، ثلاث طبعات.
• من التراث إلى الثورة – حول نظرية مقترحة في التراث العربي، دار ابن خلدون، بيروت، 1976، ثلاث طبعات.
• روجيه غارودي بعد الصمت، دار ابن خلدون،بيروت، 1973.
• فيما بين الفلسفة والتراث، المؤلف نفسه، 1980.
• تاريخ الفلسفة القديمة والوسيطة، بالاشتراك مع غسان فينانس، جامعة دمشق، 1981.
• التفكير الإجتماعي و السياسي : أبحاث في الفكر العربي الحديث و المعاصر، جامعة دمشق، 1981.
• مشروع رؤية جديدة للفكر العربي منذ بداياته حتى المرحلة المعاصرة من 12 جزءا، دار دمشق، 1982.
• الفكر العربي في بواكيره وآفاقه الأولى، مشروع رؤية جديدة للفكر ، الجزء الثاني – دار دمشق، دمشق 1982.
• من يهوه إلى الله ( في مجلدين)، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي، الجزء الثالث، دار دمشق، دمشق 1985.
• دراسات في الفكر الفلسفي في الشرق القديم، جامعة دمشق، 1988.
• ابن رشد وفلسفته مع نصوص المناظرة بين محمد عبده و فرح انطون / تأليف فرح أنطون ؛ تقديم طيب تيزيني، دار الفارابي، بيروت، 1988.
• في السجال الفكري الراهن : حول بعض قضايا التراث العربي، منهجا و تطبيق ، دار الفكر الجديد، بيروت، 1989.
• على طريق الوضوح المنهجي – كتابات في الفلسفة والفكر العربي، دار الفارابي، بيروت، 1989.
• فصول في الفكر السياسي العربي ، دار الفارابي، بيروت، 1989، طبعتين.
• مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر نشأةً وتأسيساً، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي، الجزء الرابع، دار دمشق، دمشق 1994.
• من الاستشراق الغربي إلى الاستغراب المغربي – بحث في القراءة الجابرية للفكر العربي وفي آفاقها التاريخية، دار الذاكرة، حمص 1996.
• النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة، مشروع رؤية جديدة للفكر العربي، الجزء الخامس – دار الينابيع، دمشق 1997.
• من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني، دار جفرا، دمشق، 2001.
• من اللاهوت إلى الفلسـفة العربية الوسيطة، منشورات وزارة الثقافة، سوريا، 2005.
• من ثلاثية الفساد إلى قضايا المجتمع المدني، دار جفرا، 2002.
• بيان في النهضة والتنوير العربي، دار الفارابي، 2005.
• Die Matemie auffassung in der islamischen Philosophie des Mittelalters , 1972 Berlin. بالألمانية
وكتب بالاشتراك مع آخرين:
• الإسلام ومشكلات العصر الكبرى، مع بحث لباحث آخر، دمشق، 1998.
• الإسلام والعصر: تحديات وآفاق، بالاشتراك مع محمد سعيد رمضان البوطي، سلسلة حوارات لقرن جديد، إعداد وتحرير عبد الواحد علواني، دار الفكر،دمشق 1998.
• الواقع العربي وتحديات الألفية الثالثة، مع آخرون، مراجعة وتقديم ناصيف نصار، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2001.
• آفاق فلسفة عربية معاصرة، بالاشتراك مع د. أبو يعرب المرزوقي، دار الفكر، بيروت، 2001.
بعض افكار تيزيني الرئيسية:
مر فكر طيب التيزيني اسوة بالمفكرين الاخرين من مجايليه بمراحل اساسية وطفرات فكرية مختلفة ومتباينة ، تنسجم مع التحولات السياسية والمجتمعية التي يعرفها الواقع الدولي والاقليمي ، فمن تبني ماركسية قحة وصرفة تركز على التغيير والصراع الطبقيين بواسطة الاداة البوليتارية للطبقة العاملة قائدة النغيير الثوري ، الى تغيير تشارك فيه كل الطبقات والفئات المجتمعية التي لها مصلحة في التغيير اي حاملة هم ومسؤولية التغيير الثوري وفي هذا الصدد يقول الدكتور الطيب التيزيني في استجواب مع المفكر هاني نسيره المنشور في موقعه الشخصي على موقع الحوار المتمدن سنة 2006 : ” ان هذا التحول عندي من مشروع الثورة-حيث كان حسن حنفي يصفني بانني فيلسوفها بينما هو فقيهها- الى مشروع النهضة لفوارق اساسية بين المشروعين تبرز في مقدمتها ما يتصل بالحوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية لكل منهما، فمشروع النهضة مشروع الجميع الشعب والامة ككل ، اما مشروع الثورة فهو مشروع طبقة ، فهو مشروع باتجاه تموضع اجتماعي وطبقي ذي بعد غير شامل ، وان كان يحمل امكانية تحوله للشمول” ، ومن مراهنة كبيرة على الطبقة الوسطى البورجوازية الميسورة لقيادة دفة الاصلاحات الدستورية والسياسية والمجتمعية في البلدان الثالثية الى الاعتراف اخيرا من قبل المفكر طيب تيزيني بان الرهان على هذه الطبقة اصبح وهما ثالثيا وعالميا كذلك بفعل انهيار الطبقة المتوسطة واندحارها وتغير توجهاتها علميا ومحليا. كما ان الطيب تيزيني انتقل من انتقاد بل واستبعاد اي دور للاسلام السياسي وللحركات الدينية في تغيير المجتمع نحو الديموقراطية ودولة القانون ، الى الاقرار بان التطور الديموقراطي لبلداننا لابد ان يشمل الجميع ، جميع القوى المجتمعية التي من مصلحتها تغيير منظومة الاستبداد الرباعي المسيطر على اوطننا لان الواقع لا يرتفع و الاسلاميون اصبحوا صوتا مسموعا وواقعا لا يمكن مجافاته ولا استبعاده .يقول الدكتورتيزيني في استجوابه بجريدة الجديد عدد 7 غشت 2015 ص 48 موضحا قانون الاستبداد الرباعي ما يلي : “كان التراكم في مظاهر الاحتجاج على غياب الكرامة والعمل يقابله تعاظم في تراكم المزبلة، الذي ما اكتشفناه تحت مصطلح قانون الاستبداد الرباعي في المجتمعات العربية، اي الاستئثار بالسلطة والثروة وبالاعلام وبالمرجعية المجتمعية المتمثلة في ان الحزب الوحيد الحاكم يقود مع قائده الدولة والمجتمع ، من هذا جاءت عملية التمرد على الواقع المعيشي اقل من ان تحدث قطيعة مع الماضي المدجج بالمذلة والمهانة والافقار والاغتراب، واضعف من ان تواجه الحاضر بترسانته ذات الجذر المتمكن في قانون الاستبداد الرباعي ذاك” .
للدكتور الطيب تيزيني مواقف متميزة في عدد من القضايا المحورية التي تشغل بال الباحثين عن المعنى والحقيقة في عالم مبعثر مضطرب قلق ، لذلك اعطى قراءة مهمة لعدد من القضايا نستعرضها انطلاقا من كتبه وحواراته ، ونبدأ بموقفه ونظرته للعولمة ولليسار وللقومية وللتيارات والتعابير الدينية ونظرته المستقبلية للعالم الثالث والعالم عموما .
• في العولمة ، يقول الدكتور ما يلي(استجوابه بجريدة الجديد عدد 7 غشت 2015 ص 48 ) :”انها النظام الاجتماعي والمالي والعسكري الذي يبتلع الطبيعة والبشر ويخرجهما سلعا ومالا ، وهذا ما يدعو الى وضع اليد على جوهر ذلك كله .فاذا كان ماركس قد وضع يده على ما يجعل من العولمة نظاما من انتاج الاشياء عبر تحويل الانسان الى حالة مشيأة ، فان الوصول الى المقولة التالية عبر ماركس يغدو امرا منطقيا ، كلما ارتفعت قيمة الاشياء ، هبطت قيمة الانسان …مانراه انه في ظل العولمة يصبح كل العالم مهيأ لان يتحول الى اشياء وسلع ومال ، وخصوصا منها ما تراه العولمة عائقا في وجه هيمنتها الكونية مثل مفاهيم المواطنة والقانون والهوية الانسانية والوطنيةالخ، ويبدو ان المسالة تستقيم او يمكن ان تستقيم اذا ما طرح السؤال التالي واجيب عنه بصيغة مفتوحة : هل ما يفتقده الحال العربي من خطاب مواطنة وسيادة للقانون وغيرها قابل لاعادة التشكيل في ظل النظام العولمي ، وكذلك في ظل الموروث الفكري الديني والقمعي للمنطقة؟
اسئلة هامة ومركزة تحمل جدة في الطرح و تناول قضية العولمة في عصر اصبح الجميع يقبل بالعولمة حسب التصنيفات الاستهلاكية والكيشيهات المكررة وان العولمة قدر محتوم التصدي لتاثيراتها مستحيل ، لكن تيزيني يرى ان العولمة سيرورة عالمية يسري عليها ما يسري على الظاهرات الاجتماعية والاقتصادية والتعامل النقدي مع تاثيراتها مهمة اساسية وضرورية .
• في اليسار ، يقول طيب التيزيني في حوار اجراه معه الصحفي السوري سامر اسماعيل والمنشور بمجلة الفيصل عدد مارس 2017 ما يلي :” اليسار عندي ليس فكرا جاء من هنا او هناك ، انما هو تعبير عن حدث اطاح بالنظر الى العالم بوصفه نقطة واحدة، ولقد وضعت يدي على نقاط مغيبة او غائبة،ابرزها ان هناك الوجه الاخر لما كتب عن الرؤيا اليسارية..” هذه النظرة الثاقبة الاجتهادية لليسار تجعل اليساري منتمي لفضاء اوسع من الجبة الحزبية او الاقانيم المعرفية والنظرية الضيقة والتصنيفات الجاهزة ، اليساري فهم رحب خارج اسوار السياسة الحزبية الضيقة التي أنتجتها الدولة الامنية القمعية التي عملت على تجفيف منابع الفكر الحر المنفتح وفرضت على المجتمع تنميطا سياسيا وحزبيا مفروض من فوق ولا علاقة له بالتعبيرات الاجتماعية الطبيعية عن التناقضات التي تعتمل داخل المجتمعات.
• في التيارات الدينية ، يقول الطيب التيزيني بان الاسلام تمت خوصصته من طرف قوى محافظة استطاعت ان تملا الفراغ الذي اعقب فشل المشاريع الاخرى المنافسة في الساحة الفكرية والسياسية حيث فشل المشروع النهضوي اليبرالي واليساري العلماني امام استبداد و قمع الانظمة الرجعية “الوطنية” وتواطئ الخارج الاستعماري المنزع و تراجع النخب المثقفة وخفوت صوتها . لذلك يقول تيزيني ” تحول الاسلام من دين للشعب او للمسلمين الى دين للاسلاميين ، الامر الذي جعله صيغة من الايديولوجيا التي اقصت التدين الشعبي وصادرته.”
مازلنا ننتظر بفارغ الصبر صدور المذكرات السياسية والفكرية التي يعكف عليها الدكتور تيزيني بمساعدة نجلته الدكتورة منار تيزيني ونأمل ان تكون نبراسا نهتدي به وننير به اروقة الفكر والسياسة في بلداننا، التي تعرف قحطا فكريا وبؤسا ثقافيا متنامي ، فالرجل له تجربة سياسية وفكرية كبيرة ومن واجبه التاريخي نقلها الى الاجيال المقبلة .
ما يشغل بال الدكتور طيب التيزيني منذ سنة 2011 هو الثورة السورية وتموجاتها وماسيها ، لذلك لا يخلو اي حديث معه او اية محاضرة له في السنوات الاخيرة عن ذكر التراجيديا السورية و التدفق المستمر للدم السوري الذي اوغلت الجماعات الارهابية والنظام السوري في هدره يوميا امام مراى ومسمع مجتمع دولي فاقد للفعالية وللدقة نقول فاقدا للمصداقية وللروح الانسانية. كما ان طيب تيزيني يواكب على كتابة عدد من المقالات واجراء عدد من الحوارات التلفزية تواكب المستجدات السياسية السورية والدولية ويتفاعل مع الاحداث باسى شديد وحسرة كثيرا ما تغالبه دموعه المؤثرة والمعبرة عن احباطات مفكر حلم بمجتمع اكثر انسانية لكن ليس كل ما يريده المرء يدركه.
في سبيل الختم :
يعتبر التفكير النقدي لدى طيب تيزيني العماد الرئيسي المنهجي لافكاره و خلاصاته النظرية والسياسية ، لذلك يعتبر ان معضلة فكرنا في العالم “المتخلف” هو سيطرة الافكار الجامدة اللانقدية .ويبدو ان معالجة هذه الوضعية كما يقول الطيب تيزيني في كتابه فصول في الفكر السياسي العربي ص 106 : ” تشترط ادوات منهجية ومعرفية اكثر تماسكا وعمقا ودقة وتشخيصا مما هو الامر حتى الان.وهذا بدوره ينطوي على الاشارة الى ان عنصر الشك المنهجي الجدلي يمارس دورا مبدئيا في اعادة صوغ الموقف الفكري العربي في وجهه الناهض.وهنا ، نكون قد ولجنا ساحة التفكير النقدي الذي يتيح لنا ، هو وحده تحقيق هذه العملية ، وبالطبع فاننا اذ نشرع في ذلك ، فاننا نجد انفسنا مدعوين الى انجاز العملية المنوه بها ، في ضوء اعادة تقويم السابق على نحو يسمح للاحق ان يكون الوريث الشرعي لعناصره الايجابية التقدمية”.
الطيب تيزيني مدرسة فلسفية وفكرية نضالية كاملة الاركان ، يمدنا بالطاقة التفاؤلية للمستقبل باسئلته الاثيلة الحارقة و يلهمنا بتواضعه الجم وزهده المثالي وتجلده الايوبي في البحث عن الحقيقة والمعنى انقاذا للانسانية .تحية لهذا الحكيم المتفلسف في حياته وفكره ولكم معشر القراء الكرام كل التقدير والاحترام.