الطائرة المقاتلة.. الشبح الذي قد يغير مسار الحرب مع إيران
في ظل التوتر الكبير الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط عن احتمالية نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية بدعم بعض دول الخليج وإسرائيل، يرصد موقع The National Interest الأمريكي بعض الأسلحة التي تنوي واشنطن استخدامها في هذه الحرب وأهمها طائرة ب 2 الملقبة بالشبح.
ما هي تفاصيل هذه المقاتلة
تعد B- 2 سبيريت هي واحدةٌ من القاذفات الاستراتيجية الثقيلة الثلاث في القوات الجوية الأمريكية، وصُمِّمت في الأصل لاختراق شبكة الدفاع الجوي السوفيتية ومهاجمة الأهداف بالأسلحة النووية، لكن مهمتها تطوَّرت على مدار العقود لتشمل الهجوم التقليدي الدقيق.
وB-2 هي أكثر القاذفات تطوراً في القوات المسلحة الأمريكية، وهي الوحيدة من ثلاثة أنواع لا تزال تحمل قنابل نووية جويّة.
وفي أواخر سبعينيات القرن العشرين، عارضت إدارة الرئيس جيمي كارتر تطوير القاذفة B-1A عالية السرعة، باعتبارها إهداراً للمال الحكومي. وأُطلِع كارتر على المجال الجديد لتقنية التخفي، وكان مسؤولاً عن تطوير المُقاتلة الشبح F-117A. وبدلاً من B-1A، وافق كارتر على تطوير B-2 التي يُطلق عليها اسم «القاذفة التقنية المتقدمة» أو «القاذفة الشبح». ولم يكن معروفاً عن القاذفة في ذلك الوقت سوى أنَّها ستضم تقنيات جديدة لتفادي الرادار، وربما سيكون لها شكلٌ مختلفٌ تماماً عن القاذفات السابقة.
الإنتاج توقف منذ الحرب العالمية
أرسلت القوات الجوية الأمريكية طلب تقديم العروض في عام 1980. وفازت شركة Northrop بعقد مبدئيٍ قيمته 7.3 مليار دولار، لإنتاج 127 من قاذفات B-2، في أكتوبر/تشرين الأول عام 1981. وكانت Northrop اختياراً غريباً، إذ لم تُنتج أي قاذفات منذ الحرب العالمية الثانية.
كانت شركة Northrop تعمل في صناعة الطائرات الشبح منذ منتصف الستينيات على الأقل.
ويعمل فرع Northrop في كاليفورنيا على تطوير الطائرات التي لا يرصدها الرادار، والمواد المقاومة للرادار، داخل منشأةٍ بحثية في رانشو بالوس فيرديس. وخسرت الشركة المنافَسة لصنع نموذج اختبار تجريبي قادر على النجاة، والذي سيتحوَّل لاحقاً إلى المُقاتلة الشبح من إنتاج Lockheed، لكنها فازت بفرصة بناء نموذج اختبار طائرة شبح أخرى هي «تاسيت بلو«. وتميَّزت تاسيت بلو بأنَّها طائرةٌ خفية بزاوية 360 درجة، وهو أمرٌ لا بد منه لقاذفةٍ استراتيجية مُخترِقَة، بحسب الموقع الأمريكي.
قصة تثبيت الجناحين!
كان المهندسون يعرفون منذ فترة طويلة أن الطائرات ثابتة الجناحين لها حدٌ أدنى من التوقيع الراداري، وكانت هذه الطائرات من تخصُّص Northrop. وأنتجت الشركة أربعة نماذج من الطائرات ثابتة الجناحين: N-9M وXB-35 وYB-49 وYB-49A. ولم تختر القوات الجوية
أياً منها، لكن هذا أعطى Northrop خبرةً كبيرة في صناعة الطائرات. من المفترض أن تكون الطائرة ثابتة الجناحين -المُصمَّمة بشكل صحيح- قادرةً على تشويش الرادار، فضلاً عن أنَّ استخدام المواد المُركَّبة المُتقدِّمة يُفترض أن يخلق القاذفة المُخترِقَة القصوى التي لا يستطيع الرادار اكتشافها.
طُوِّرت القاذفة B-2 بوصفها واحدةً من المشاريع السرية، مع كل الإيجابيات والسلبيات التي تنطوي عليها. فعلى الجانب الإيجابي، طُوِّرَت بدرجةٍ عالية من السرية، وكان قليلون هم من يعرفون بالضبط كيف كان يبدو شكل B-2، قبل الإعلان عنها في عام 1988. وعلى الناحية الأخرى، ظلت التكاليف -ومشكلات التطوير التي تسببت في ارتفاع هذه التكاليف- سريةً حتى عام 1988. وارتفعت تكلفة برنامج B-2 الكلية من 35.7 مليار إلى 42.8 مليار دولار. وأُنفق قرابة المليار دولار على تقوية الجناح، استجابةً لمتطلبات القوات الجوية في حال دعت الحاجة إلى تحليق القاذفة على ارتفاعٍ منخفض.
أول مقاتلة ترى النور
كما كانت هناك مزاعم بالاحتيال والمبالغة في الثمن، وتمت تسوية واحدةٍ منها على الأقل خارج المحكمة. ويعتقد البعض أن العلاقة السيئة بين القوات الجوية وشركة Northrop كانت إحدى الأسباب التي جعلت المنافَسة على مشروع «المقاتلة التقنية المتقدمة»، التي أنتجت المقاتلة F-22A رابتور، تنتهي لصالح منافِستها Lockheed Martin وليس Northrop.
وفي الـ22 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988، بدأ طرح أول طائرة B-2 داخل مصنع 42 التابع للقوات الجوية الأمريكية في بالمديل بولاية كاليفورنيا، تحت اسم «سبيريت». وبدت القاذفة أشبه بالخَذوف، مع جزءٍ خلفيٍّ مُسنَّن. وعلى غرار تصاميم Northrop السابقة، كانت B-2 تفتقر إلى الذيل والجناح والجسم المتداخلين بانسيابية، ودُفنت محركاتها F118-GE-100 المروحية العملاقة الأربعة غير القابلة للاحتراق من صنع General Electric في عمق جسم الطائرة. وأُبقى المتفرجون على بعد 200 قدم (60.96 متر) من الطائرة، لمنعهم من التدقيق في خصائص الطائرة.
وفي وقت طرح الطائرة، كانت تكلفة الواحدة منها تُقدَّر بنحو 515 مليون دولار، مما جعلها أغلى طائرةٍ صُنِعَت آنذاك. ولم تثبت الطائرة الشبح جدارتها في المعركة، لذا بدأ الكونغرس في التعبير عن قلقه بشأن تكلفة إنتاج الـ132 طائرة المتوقعة. وعلاوةً على مسائل التكلفة والفعالية، أدَّت إصلاحات البيريسترويكا (إعادة الهيكلة) التي أقرَّها ميخائيل غورباتشوف إلى انخفاضٍ كبير في التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، مما قلَّل احتمالية نشوب صراعٍ نووي. لذا، تم تخفيض عدد الطائرات في نهاية المطاف إلى 21 طائرة فقط.
تفاصيل المقاتلة
ويبلغ طول الطائرة B-2 حوالي 21 متراً وارتفاعها يُقارب الخمسة أمتار. ويبلغ طول جناحيها 52.4 متر، تماماً مثل XB-35 وYB-49. وتبلغ سرعتها قرابة الـ1094 كم/ساعة، وتستطيع التحليق على ارتفاعٍ أقصاه 1,524 متر، ويمكنها الطيران لقرابة الـ9,656 كم بدون إعادة التزوُّد بالوقود، ولديها القدرة على التزوُّد بالوقود في الجو.
كانت القاذفة الجديدة من أوائل الطائرات العسكرية التي استخدمت موادَّ مركبة جديدة على نطاقٍ واسع. إذ أنَّ حوالي 80% من جسم الطائرة مصنوعٌ من مواد مركبة منسوجة تضم أليافاً من الزجاج والكربون والجرافيت، ويتكون الباقي من الألومنيوم والتيتانيوم.
تمتلك سبيريت أيضاً طلاء يمتص موجات الرادار، وهدفه الوحيد هو زيادة تقليص التوقيع الراداري. وصرَّح رئيس أركان القوات الجوية السابق لاري ولش بأنَّ الطائرة B-2 لها مقطع عرضي راداري بحجم «فئة الحشرات».
وتحتوي B-2 على حاويتي أسلحة مدمجتين في بطن القاذفة، ويمكنهما معاً استيعاب ما يصل إلى حوالي 27.2 طن من الذخيرة، وتحمل كل حاويةٍ منها ثمانية حواملٍ للقنابل. وفي ما يتعلَّق بالأسلحة النووية، تستطيع القاذفة أن تحمل مجموعةً متنوعة تصل إلى 16 قنبلة من طراز B61-7 بوزنٍ يتراوح بين 10 و360 كيلوطن، أو قنابل B61-11 بوزن 400 كيلوطن، أو القنابل النووية الحرارية B-83-1 بوزن 1.2 ميغاطن. وتستطيع القاذفة سبيريت حمل القنبلة B-61-12 الجديدة بإعدادات «تحديد نتاج السلاح النووي»، التي تعطيها قوةً تفجيرية بمقدار 0.3 أو 1.5 أو 10 أو 50 كيلوطن. ولا تحمل B-2 أي صواريخ حاملة للأسلحة النووية في الوقت الحالي، لكنها ستحمل صواريخ مواجهةٍ جوالة نووية طويلة المدى حين تدخل الخدمة.
الاستفادة مما حدث في الحرب العالمية
وأدَّت الحاجة إلى اختراق شبكات الدفاع الجوي المتقدمة في حقبة ما بعد الحرب الباردة إلى اكتساب قاذفات B-2 القدرة التقليدية على الهجوم. إذ تستطيع القاذفة أن تحمل 16 قنبلة مُزوَّدة بذخائر الهجوم المباشر المشترك (جدام) التي تُوجِّهُها الأقمار الصناعية، بوزن 1 طن. وفي الماضي، كانت تحمل أيضاً قنابل CBU-87 الجوية العنقودية، وموزِّعات الألغام CBU-90 Gator، ولكن يجري التخلص من ذخائر توزيع الذخائر الصغيرة في مخزون الولايات المتحدة تدريجياً. وتحمل القاذفة سلاح المواجهة المشتركة AGM-154، وهي قنبلة انزلاقية يصل مداها إلى حوالي 80.5 كم، مع نظام توجيه يعتمد على نظام تحديد المواقع (GPS). ولشَنِّ الهجمات عن بعد، يمكن أن تحمل سبيريت صاروخ AGM-158 وهو صاروخ مواجهة مشتركة من الجو إلى الأرض (جاسم)، والصاروخ جاسم ER (طويل المدى) الجديد. وأخيراً، تستطيع القاذفة B-2 حمل قنبلتين من قنابل الاختراق الهائلة (MOP) في كل حاوية أسلحة، تزن الواحدة منها حوالي 13.6 طن وبطول حوالي ستة أمتار، لمهاجمة الأهداف المُحصَّنة.
أين استخدمت هذه المقاتلة
استُخدمت القاذفة B-2 على نطاقٍ واسع في أداء دورها التقليدي. إذ أسقطت القاذفة سبيريت أول قنابلها في حرب كوسوفو عام 1999، تلتها حرب العراق في عام 2003، وكانت قاذفات B-2 من أوائل الطائرات التي أسقطت القنابل على طالبان والقاعدة في أفغانستان بعد الـ11 من سبتمبر/أيلول، فضلاً عن قصف القوات الليبية في عام 2011. واقتصرت عمليات إقلاع القاذفات على مجموعةٍ مُحدَّدة من المواقع، نظراً لحاجتها إلى تجهيزات ذات أجواء خاصة محكومة لحماية طلائها الذي يمتص موجات الرادار. وتستغرق الرحلة من أسطول سبيريت الرئيسي، في قاعدة وايتمان الجوية بولاية ميزوري، إلى العراق 38 ساعة مع إعادة تزويدها بالوقود جواً لأربع أو خمس مرات. ويمكن تشغيل أعداد صغيرة من قاذفات B-2 أيضاً من قاعدة أندرسون الجوية في جزيرة غوام بالمحيط الهادئ، وقاعدة فيرفورد التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني بالمملكة المتحدة.
ومن شبه المؤكد أنَّ قاذفات B-2 ستشارك في أي هجوم على إيران أو على البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والذي سيكون بالتأكيد جزءاً من -أو تصعيداً يُؤدي إلى- حربٍ أكبر بين بيونغ يانغ وجيرانها والولايات المتحدة. وفي حين يمكن لقاذفة B-1B شنَّ ضربات بالصواريخ الجوالة ضد أهداف مكشوفة، فسيتم إرسال قاذفة B-2 لاستهداف قيادات كوريا الشمالية شخصياً. وستلقي سبيريت قنابل الاختراق الهائلة على نظام القيادة والسيطرة الكوري الشمالي المُحصن والسري، مما يُعطِّل بشكل مثالي قدرته على إصدار الأوامر بإطلاق الصواريخ. وستُسقط قاذفات سبيريت قنابل الاختراق الهائلة أيضاً على أي منشآت قيادية محصنة يشتبه في إخفائها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، وأي مرافق خرسانية محمية لتخزين وإطلاق الأسلحة النووية.
وتستطيع B-2 سبيريت التعامل مع أي مهمة هجوم دقيقة تقريباً -تقليدية أو نووية-، وسط أي بيئة يمكن تخيلها، وفي أي نقطةٍ على سطح الأرض تقريباً. ويبدو أن قاذفة B-21 رايدر الجديدة، التي من المقرر أن تدخل الخدمة في منتصف العقد الثالث من القرن الحالي، تُشبه إلى حد بعيد طراز B-2. وفي الوقت ذاته، من المرجح أن يستمر أسطول B-2 الحالي في التحليق لمدة عشرين عاماً أو أكثر. وكل هذا يضيف إلى القوات الجوية قاذفات القنابل الشبح، ذات الأجنحة الوطواطية، لمدة أربعين أو حتى خمسين عاماً أخرى. وفي ذلك شهادةٌ على التصميم الأصلي للطائرات الشبح ثابتة الجناحين، والتي يرجع تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية.