الضربات على سوريا لن تغير شيئا على الصعيد العسكري
الضربات العسكرية الأخيرة على سوريا أول خطوة غربية موحدة ضد نظام بشار الأسد منذ بدء الأزمة السورية التي دخلت عامها الثامن. لكن ميدانيا يرجح ألا تدخل هذه الضربات تغييرات جوهرية على موازين القوى.
الغارات التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على مواقع في سوريا السبت 14 أبريل جاءت “كرد قوي” على استخدام النظام السوري المفترض لأسلحة كيمائية في مدينة دوما. لكن حظوظ هذه الضربات في تغيير الأوضاع على الميدان أو التوزع العسكري الحالي في المنطقة ضئيلة، لأنها تأتي متأخرة .
فدورالولايات المتحدة وفرنسا في الأزمة السورية ما فتئ يضعف منذ 2013 ، حتى أصبح التواجد العسكري الأمريكي في سوريا يقتصر على 2000 عنصر من القوات الخاصة لا سيما في غرب الفرات في منطقة منبج ، حيث توجد أيضا قوات فرنسية .
وهذا التوزع العسكري يعتبر ضئيلا مقارنة مع الانتشار العسكري الروسي الضخم في سوريا، وكذلك التواجد الإيراني حيث يدعم النظامان قوات نظام بشار الأسد .. علما أن عدد قوات حزب الله اللبناني الحليفة للنظام السوري في سوريا وحدها يناهز5000 جندي بحسب تقديرات عدة خبراء.
سياسة أمريكية مرتبكة في سوريا
تتميزالسياسة الأمريكية في سوريا منذ عدة سنوات بضعف إستراتيجي، في حين لم تتغير سياسة حلفاء النظام السوري قيد أنملة. فالتردد الأمريكي في التعامل مع الأزمة السورية يعود إلى سبتمبر/أيلول 2013 حين تراجع باراك أوباما في آخر لحظة عن التدخل إثر استخدام غاز السارين في الغوطة وهو ما أفقد الموقف الأمريكي مصداقيته.
وفي نفس الفترة تقريبا وضعت الولايات المتحدة برنامجا لتكوين آلاف الجنود لمحاربة بشار الأسد تحت غطاء وكالة الاستخبارات الأمريكية “سي آي آي” قرب الحدود مع الأردن. لكن تقارب هؤلاء المقاتلين من ميليشيات متشددة تحول إلى فشل تام قبل أن يقرر دونالد ترامب إبقاء البرنامج نهائيا في يوليو 2017.
وتواصل عدم وضوح الإستراتيجية الأمريكية في سوريا مع وصول ترامب إلى الحكم، ففي 29 مارس/آذار الماضي أكد دونالد ترامب سحبه القريب جدا للقوات الأمريكية المتمركزة في الغرب السوري، مكذبا بذلك تصريحات وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون الذي أكد قبل شهرين أن القوات الأمريكية سترابط طويلا في هذه المنطقة.
وردا على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكد البيت الأبيض الأحد أن المهمة الأمريكية في سوريا لم تتغير، وأن ترامب عازم على عودة القوات الأمريكية من سوريا في أقرب وقت ممكن. وكان ماكرون قد قال في مقابلة تلفزيونية الأحد إنه أقنع الرئيس الأمريكي بالبقاء مدة طويلة في سوريا.
جوليان تيرون الأستاذ في العلوم السياسية يقول إن الضربات العسكرية التي قامت بتنسيقها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، تحمل في طياتها عودة إلى المواقف الدولية المشتركة التي اختفت منذ فترة طويلة.
ويضيف أن “هذه الضربات لن تغير في ميزان القوى العسكرية في المنطقة لكن الإستراتيجية تتغير لأنها تظهر القوى الغربية الدولية في صف واحد ولم تكتف هذه المرة بالتصريحات. والتحرك العسكري الأخير سيشكل ضغطا ملموسا على الأطراف المعنية بالنزاع “. فاليوم القوات الحليفة للنظام السوري، أي روسيا وإيران، هي التي تدير اللعبة في سوريا بعد أن دفعت ببيادقها إلى مناطق سيطرة المعارضة في حين ركزت الولايات المتحدة الأمريكية والقوات الغربية الحليفة لها على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
تغييرات إستراتيجية و دبلوماسية
في كل المعارك التي دارت في سوريا، كان للغربيين دور المراقب أساسا. فمجلس الأمن لم يتمكن حتى من الاتفاق حول هدنات إنسانية لا سيما في الغوطة الشرقية بسبب الفيتو الروسي المتكرر.
بل ويرى الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط فاربيس بالانش أن المبادرة العسكرية المشتركة قد تضع الغرب في وضعية صعبة عسكريا، فمن الممكن “أن تُستهدف القوات الأمريكية والفرنسية في المنطقة ، كما قد تستهدف في شمال سوريا ولبنان…حزب الله قد يحاول الثأر لقتلاه والإيرانيون قد يجندون حلفاءهم على الأرض لطرد الغربيين”.
ويشار إلى أن تركيا أكدت الاثنين أن تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يمكن أن تؤدي إلى قطيعة بينها وبين روسيا، وذلك بعد إعلان ماكرون أن الضربات الجوية على سوريا ليل الجمعة السبت تسببت في تباين بين أنقرة وموسكو حول هذا الملف.