الصين وتركيا تدقان مسماراً في نعش الهيمنة الأمريكية
على مدار عام تقريباً وثمة خلاف كبير بين واشنطن وأنقرة بسبب اقتناء الأخيرة لمنظومة صواريخ روسية باتت على بعد أسابيع من وصولها لتركيا، كما أن توتراً هاماً وقع بين الصين وأمريكا على خليفة الجيل الخامس من الهاتف المحمول، مما دفع بكين وأنقرة إلى التقارب ضد سياسات ترامب.
الثلاثاء 2 يوليو، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته لبكين إنَّ تحقيق تعاون أقوى بين تركيا والصين سَيُعزّز الاستقرار العالمي. وجاءت هذه التصريحات في الوقت الذي تُختبر فيه علاقات كل من تركيا والصين مع الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية نزاعات اقتصادية ودبلوماسية، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي
التقى أردوغان بنظيره الصيني شي جين بينغ في أعقاب قمة مجموعة العشرين في اليابان، حيث التقى الزعيم التركي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبحثا طريقة لحل النزاع بشأن شراء أنقرة لمنظومة صواريخ روسية، لكن حتى الآن لا يوجد ما يشير إلى حل الأزمة الأمر الذي قد يجعل أنقرة تواجه عقوبات مؤلمة من واشنطن، التي تشعر بالقلق من أنَّ شريكتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تتحوَّل بعيداً عن التحالف الغربي.
دور تركيا في مبادرة الحزام والطريق
وقال أردوغان في بداية اجتماعه مع شي: «أعتقد أن تركيا والصين لديهما إمكانات كبيرة لتعزيز التعاون»، مضيفاً: «هذه الزيارة إلى الصين تأتي خلال فترة يواجه فيها السلام والاستقرار العالميان محنة كبيرة. لذا سيساهم تعزيز العلاقات التركية-الصينية بدرجة كبيرة ومتنوعة في الاستقرار الإقليمي والعالمي».
تُعتبَّر تركيا جزءاً من مبادرة «الحزام والطريق»، وهي مشروع ضخم للبنية التحتية بقيمة تريليون دولار تشارك فيه حوالي 70 دولة في أوروبا وإفريقيا وأجزاء أخرى من آسيا، ويمكنّه إعادة توجيه التجارة العالمية نحو ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وتركيا، الواقعة على أقصر طريق بين الصين وأوروبا، تريد توسيع الوصول إلى الأسواق في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وتستفيد من التمويل الصيني لمشروعات النقل والطاقة.
ووصفت الولايات المتحدة المُتشكّكة هذا المشروع بأنَّه نوع من «فخ الديون» ومحاولة من بكين للسيطرة على العالم النامي من خلال قروض رخيصة.
محاولة كسر الهيمنة الأمريكية
وقال شي إنَّه ينبغي للصين وتركيا العمل من أجل «دعم نظام عالمي متعدّد الأطراف تكون الأمم المتحدة محوره، نظام قائم على القانون الدولي»، وهي تصريحات وصفتها بعض التقارير الإخبارية بأنَّها إشارة إلى خلاف بلاده مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية وتصدير التكنولوجيا.
تتزامن زيارة أردوغان للصين مع مخاوف منتشرة بين حلفائه الغربيين التقليديين من أنَّه يعيد ترتيب تحالفاته نحو روسيا وقوى أخرى وبعيداً عن الغرب. رفض أردوغان التراجع عن خطة لشراء منظومة صواريخ روسية مضادة للطائرات من طراز S-400، وهي صفقة تقول واشنطن إنَّها ستضر بأمن الناتو.
قال الرئيس التركي هذا الأسبوع إنَّ بطاريات منظومة الدفاع الروسية ستصل تركيا في غضون 10 أيام، رافضاً تهديداً أمريكياً بأنَّ الكونغرس سينجح في فرض عقوبات اقتصادية على بلاده، وذلك عبر تعليق آماله على تدخل الرئيس دونالد ترامب.
الصين والبحث عن قيادة العالم
وقال إلتر توران، أستاذ فخري في العلوم السياسية بجامعة بيلغي التركية: «ترى تركيا أنَّ الصين آخذة في الصعود وأنَّه في حال تغيّر النظام العالمي، ستكون الصين أحد قادة هذا النظام الجديد»، مضيفاً: «تركيا على المدى الطويل من المرجح أن تنظر إلى الصين باعتبارها قوة موازنة ضد كل من الولايات المتحدة وروسيا».
قدَّمت الصين يد المساعدة لتركيا خلال الفترات الاقتصادية العصيبة، التي مرّت بها البلاد مؤخراً. أقرض بنك حكومي صيني تركيا 3.6 مليار دولار في يوليو/تموز الماضي عندما انخفضت قيمة الليرة التركية بشدة مقابل الدولار على خلفية نزاع دبلوماسي مع الولايات المتحدة.
ونشر أردوغان مقال افتتاحي في صحيفة Global Daily الصينية قبل زيارته لبكين يقول فيه إنَّ الدولتين لديهما «رؤية مشتركة للمستقبل«، وإنَّ «تركيا تلتزم بشدة بتعزيز تعاونها مع الصين في جميع المجالات».
وقال توران لموقع Al-Monitor الإخباري: بينما تُعتبر إمكانية تحقيق زيادة في الاستثمارات والسياحة الصينية أملاً مغرياً بالنسبة لتركيا، ثمة عدد من «أوجه عدم التوافق، التي تتنافس فيها الدولتان. على سبيل المثال، قد تكون المنتجات التركية أكثر تكلفة، لكنَّها تستطيع الوصول إلى الأسواق الأوروبية بكميات أقل على نحو أسرع كثيراً».
كذلك، اعتراضات أنقرة على معاملة بكين لأقلية الإيغور الإثنية المسلمة، التي تربطها صلات دينية ولغوية مع الأتراك، ألقت بظلالها على العلاقات الصينية-التركية.
وقال توران إنَّ «الرأي العام التركي حسَّاس للغاية تجاه قضية الإيغور الأتراك، وقد وجّهت تركيا من حينٍ لآخر انتقادات أثارت استياء الصينيين».
قضية مسلمي الإيغور
ووفقاً لجماعات حقوقية، اعتقلت الصين أكثر من مليون شخص من الإيغور في معسكرات يُجبر فيها الكثير منهم على مخالفة تعاليم العقيدة الإسلامية. في المقابل، يرفض المسؤولون الصينيون تلك الاتهامات ويصفون المعسكرات بأنَّها مراكز للتدريب المهني تهدف إلى مكافحة التّطرّف.
كانت تركيا إحدى الدول الإسلامية القليلة، التي أدانت سياسات الصين ضد الإيغور، الذين يعيشون بشكل أساسي في مقاطعة شينجيانغ في غرب الصين، حيث وُصفت بأنَّها دولة بوليسية. اتهمت وزارة الخارجية التركية الحكومة الصينية في شهر فبراير/شباط باحتجاز مليون مسلم من الإيغور في معسكرات اعتقال يتعرَّضون فيها «للتعذيب وغسيل للأدمغة سياسياً».
ومع ذلك، كانت الانتقادات التركية لمعاناة الإيغور مهادِنة نسبياً مقارنةً بدفاعها الأقوى كثيراً عنهم في الماضي القريب. كان أردوغان قد اتهم بكين قبل عقد من الزمن بالإبادة الجماعية عندما قُتل أكثر من 150 من الإيغور في اشتباكات مع أفراد من أغلبية الهان الإثنية في شينجيانغ. وفي عام 2015، أُعيد توطين مئات من الإيغور في تركيا بعد تدخل أنقرة لمنع ترحيلهم من تايلاند إلى الصين.
يبرز موقف أردوغان الأكثر تحفّظاً الآن على نحوٍ أوضح في ضوء دعمه للمسلمين المضطهدين الآخرين في جميع أنحاء العالم، مثل مسلمي الروهينغيا في ميانمار، إذ يُقدّم نفسه باعتباره زعيماً عالمياً للمسلمين.
صرَّح يوسف تونجر، المسؤول الكبير في الحزب الوطني التركي الموالي للصين، لوكالة Sputnik الروسية للأنباء قبيل زيارة أردوغان إلى بكين: «لقد أصبحت الحكومة رشيدة للغاية فيما يتعلّق بقضية الإيغور… وسنستمر في رؤية تركيا تتّخذ موقفاً إيجابياً تجاه الصين بشأن هذه القضية في المستقبل القريب «.
كتب متين جوركان، وهو كاتب عمود في موقع Al-Monitor، أنَّ المسؤولين الأتراك على خلاف بشأن كيفية الاستجابة لسياسات الصين تجاه الإيغور. يجادل المعسكر التركي، الذي يشعر بالقلق من الغرب، بأنَّه يتعيّن على تركيا تنمية العلاقات التركية-الصينية، في حين يريد المحافظون الدينيون من أردوغان أن يفعل المزيد لمساعدة المجتمع المضطهد المُتضرّر.