«الصين» شعبها يتقلّص ومدنها تشيخ بشكل سريع
بالنسبة للسيدة الصينية شو ميرو (38 عاماً)، فإنَّ فكرة أن يكون لها طفل ثان فكرة مرهقة. إذ تبدأ أيامها عادة في الخامسة صباحاً، ولا تنتهي قبل الحادية عشرة مساءً، وهي حافلة بتوصيل ابنها البالغ من العمر 9 سنوات إلى المدرسة، ومساعدته في أداء واجباته المدرسية، وإعداد الوجبات وإدارة شركة لبيع الملابس عبر الإنترنت.
تقول شو لصحيفة “الجارديان” البريطانية، وهي جالسة في مطعم ماكدونالدز، بينما كان ابنها يلعب لعبة على الهاتف: «من الصعب إيجاد وقت حتى للنوم بضع دقائق على كرسي».
والأمر الأكثر إرهاقاً هو القلق المستمر حول ما إذا كانت تفعل ما يكفي لمساعدته على المضي قدماً. إذ يذهب ابنها إلى دروس الموسيقى، ودروس التايكوندو، ويتلقى دروساً إضافية في اللغة الإنجليزية. وتمضي شو الأسبوع الأول من كل إجازة صيف وإجازة شتاء في مساعدته على التجهيز للفصل الدراسي القادم. وأحياناً، تكون الواجبات ثقيلة على ابنها إلى درجة أنها تقوم بمهامه نيابة عنه، مستخدمة يدها اليسرى لتجعل كتابتها تبدو أكثر طفولية.
«هناك الكثير جداً من الأطفال، والمنافسة عالية للغاية. إذا لم تؤد بشكل جيد في المدرسة، فلا يمكنك الالتحاق بجامعة جيدة، ومن ثم ربما لن تتمكن من الحصول على وظيفة جيدة في المستقبل»، تقول شو.
كانت شو قلقة بشكل واضح عند مناقشة احتمالية طفل ثان، وهو أمر حتى ثلاث سنوات مضت كان محرماً بموجب القانون الصيني. وقالت شو: «إذا كنا سوف ننجب طفلاً ثانياً، فإنني أخشى ألا تكون لدي الطاقة اللازمة له».
هندسة طفرة المواليد
يحاول صانعو السياسة الصينيون، في مواجهة تناقص عدد السكان وتقدمهم في السن، هندسة طفرة في المواليد بعد أكثر من ثلاثة عقود من نظام تخطيط الأسرة المالتوسي (نسبة إلى الاقتصادي الإنجليزي توماس مالتوس) المعروف باسم سياسة الطفل الواحد. وكذا، فقد خفف مخططو السياسة المركزية القيود المفروضة على أحجام الأسر، ويمكن الآن لجميع المتزوجين أن يكون لهم طفلان. وثمة حديث عن إسقاط هذه القيود بالكلية، ويجرب المسؤولون المحليون، في خضم حملات الدعاية العنيفة، تقديم إعانات وحوافز للآباء.
لكنَّ هذه الجهود تبدو قليلة للغاية ومتأخرة للغاية. فمعدلات المواليد قد انخفضت، ومن المحتمل أن تستمر في الانخفاض إذ يقرر آباء مثل شو ألا يكون لهم طفل ثان. وتقاوم المزيد من الشابات دعاية الدولة والضغوط الأسرية، في الوقت الذي أدى فيه تحسين معايير التعليم ومستويات الدخل إلى تأخير الزواج والإنجاب. وعلاوة على ذلك، فإنَّ الخبراء يقولون إنَّ عقوداً من سياسة الطفل الواحد قد جعلت الأسر ذات الطفل الواحد هي القاعدة.
أعداد سكان الصين ستتقلص.. كيف سيؤثر ذلك على الاقتصاد؟
وقال يي فوشيان، وهو عالم بارز بجامعة ويسكونسن في ماديسون، وأحد المنتقدين القدامى لسياسة الطفل الواحد: «كان ينبغي للصين إيقاف هذه السياسة منذ 28 عاماً. أما الآن، فقد فات الأوان».
ويحذر علماء الديموغرافيا من أنَّ عدد سكان الصين سوف يبدأ في التقلص خلال العقد المقبل، مما قد يحرف ثاني أكبر اقتصاد في العالم عن مساره، مع ما لذلك من تأثير عالمي بعيد المدى. إذ وصل معدل المواليد في الصين، العام الماضي، إلى أدنى مستوياته منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، فبلغ عدد المواليد 15.23 مليون طفل، وهو رقم أقل بكثير من الرقم الذي توقعه المسؤولون وهو 21 إلى 23 مليون طفل.
وبحلول عام 2050، سوف يتكون ثلث سكان البلاد من أشخاص تجاوزوا الستين عاماً، وهو ما يضع ضغوطاً شديدة على خدمات الدولة والأطفال الذين سوف يتحملون وطأة رعاية الأقارب المسنين.
ويبدو هذا الاتجاه أكثر وضوحاً في نطاق الصدأ الصيني، وهي المنطقة الشمالية الشرقية المعروفة باسم «دونغبي» التي لديها أدنى معدلات ولادة في البلاد، نتيجة للتنفيذ الصارم لقيود تنظيم الأسرة والتطور المبكر للمنطقة. بالنسبة للسكان في شنيانغ، أكبر مدن دونغبي، في مقاطعة لياونينغ الوسطى، فمن الواضح سبب رغبة عدد قليل فحسب من السكان في أن يكون لديهم مزيد من الأطفال: الاقتصاد.
كانت دونغبي، الغنية بالموارد مثل الحديد والفحم، في القلب من الصناعة الثقيلة للبلاد بين فترة الخمسينات إلى السبعينات. وخلال فترة الإصلاح، انتقلت الصناعات جنوباً إلى المناطق الساحلية، فعانت الشركات التي تديرها الدولة، والتي كانت توظف معظم عمال دونغبي، من صعوبات نجم عنها نزوح جماعي إلى أجزاء أخرى من الصين.
وقال زانغ يانغ (36 عاماً)، وهو يعمل في قسم المشتريات في شركة محلية مملوكة للدولة: «شانغهاي، قوانغتشو، هذه المدن جميعها تمضي قدماً، لكنَّ شنيانغ بقيت في مكانها. هذه المباني العالية كلها لا تغير أي شيء. ينجب عدد قليل من الناس لأنَّ الاقتصاد سيء للغاية».
وخلال ذروة دونغبي، كانت شنيانغ المحور الاقتصادي للمنطقة، وكانت أحياء من المصانع تصطف على شارعها الرئيسي. أما الآن، فقد استبدلت هذه المباني بعمارات سكنية عالية وبنوك وفنادق، بينما نقلت المصانع إلى ضاحية خارج المدينة. أما المنطقة الاقتصادية الجديدة، التي صارت الموطن الجديد لهذه المصانع، فهي هادئة.
ويمشي العمال في حلل رمادية على طول الطريق قبل الظهر. وتدعو لافتة معلقة على إحدى سيارات الأجرة سكان شنيانغ أن «يقاتلوا» لتجديد شباب مدينتهم. ويجري هدم الأحياء في القطاع الاقتصادي القديم لإفساح الطريق لمباني جديدة.
مدن كبرى تشيخ بشكل سريع
معدل المواليد هنا منخفض على نحو خاص، إذ وصل إلى 8.79 لكل ألف امرأة، مقارنة بالمتوسط القومي البالغ 12.43 عام 2017. وتشيخ المدينة بشكل سريع -إذ كان ربع سكانها فوق سن الستين عام 2017، ويعتقد الخبراء المحليون للسكان أنَّ المدينة سوف تتجاوز شانغهاي قريباً، لتصبح صاحبة أعلى نسبة من السكان المسنين في البلاد.
هذا الاقتصاد المتعثر لدونغبي هو السبب الرئيسي وراء قرار زانغ وزوجته ألا يكون لهما طفل ثان. فزانغ لم يحصل على زيادة في راتبه منذ ثلاث سنين. ويتوقع أنه عندما يذهب طفله إلى روضة الأطفال في بضع سنوات، فإنَّ نصف دخله سوف يذهب إلى تعليمه الدراسي ودروسه وأنشطته الإضافية.
ويأمل زانغ أن يلتحق ابنه بجامعة في جنوب الصين وأن يكمل مهنته وحياته هناك. وقال زانغ: «ليس الأمر أنني قلق على مستقبل لياونينغ. فليس لديّ أمل بخصوصها على الإطلاق».
وقد انخفض معدل المواليد في دونغبي، التي يقطنها حوالي 109 ملايين نسمة، انخفاضاً حاداً. إذ كان متوسط الأطفال لكل امرأة 0.9 عام 2000، و0.56 عام 2015، وذلك وفقا ليي. ويعني هذا أنَّ عدد الجيل القادم سوف يكون ربع عدد الجيل السابق.
وقد أصدرت لياونينغ، الصيف الماضي، خطة تنمية السكان، وتعهدت بزيادة معدل مواليد المقاطعة من خلال «العمل الجاد لخلق رأي عام جيد حول إنجاب طفلين». ووعد المسؤولون بدراسة تقديم دعم للأسر ذات الطفلين، وتشجيع أرباب العمل على تقديم المزيد من الخدمات للأسر، ودعم النساء العائدات إلى العمل بعد الولادة.
وفي حين يقول الآباء في شنيانغ إنهم لاحظوا زيادة في منشآت رعاية الأطفال في مراكز التسوق والأماكن العامة الأخرى، فإنهم لم يروا بعد أي دعم كبير من الحكومة. إذ قال زانغ: «طوال هذه السنوات، لم يكن ثمة أي سياسات للمساعدة. إنَّ تعهدات الحكومة مثل هذه، تشبه رعداً بلا أمطار. يشبه الأمر الكذب على طفل صغير».
عدد المواليد الجدد سوف يستمر في التقلص بسرعة
وتقدم دونغبي مثلاً لما سوف يحدث في بقية البلاد. إذ لما كانت هذه المقاطعة محوراً صناعياً مبكراً، فقد تحضرت المقاطعة بسرعة وسبقت مستويات الدخول والتعليم فيها المتوسط الوطني بعدة سنوات، وهي عوامل تعمل بوصفها قيوداً طبيعية على معدلات المواليد بحسب الخبراء. وبينما تمر أجزاء أخرى من البلاد بمراحل مشابهة من التحضر والنمو الاقتصادي، فإنها تشهد انخفاضات مشابهة في عدد السكان.
وقال سونغ ليمين من معهد بحوث السكان بجامعة لياونينغ: «ليس الأمر مقصوراً على دونغبي، بل البلد بأكمله. أنت تعرف ما يقولونه في الاقتصاد: التنمية أفضل وسيلة لمنع الحمل».
ويعتقد الباحثون أنَّ المتوسط القومي للمواليد من الممكن أن ينخفض مزيداً من الانخفاض. ذلك أنَّ معدل المواليد المنخفض للعام الماضي قد فاجأ الكثيرين. وقال لينانغ جيانزهانغ، أستاذ الاقتصاد بجامعة بكين، إنه قد توقع، هو وزملاؤه، أن يصل معدل المواليد إلى ذروته عام 2017 وأن يبدأ في الانخفاض بعد عام 2018.
وكتب لينانغ في مقال افتتاحي في شهر يناير/كانون الثاني: «كما يبدو، فإنَّ هذه الذروة تحققت عام 2016، وانخفض معدل المواليد منذ ذلك الوقت… ما يمكن أن نتوقعه الآن أنَّ عدد المواليد الجدد سوف يستمر في التقلص بسرعة في عام 2019 وما بعده».
وقال لينانغ: «ويمكن القول بيقين إنه على الرغم من أنَّ 2018 شهدت عدداً منخفضاً من المواليد، فإنَّ هذا العدد لن يحصل تجاوزه خلال المئة عام القادمة. لن تشهد الصين أبداً أكثر من 15 مليون مولود جديد في المستقبل».
وتكافح الحكومات المحلية في جمع أنحاء الصين لعكس هذه الانخفاضات بالإعانات والمبادرات الدعائية والتشريعات الجديدة بخصوص إجازات العمل. وقد عرضت المستشفيات، في مدينة إكسيانتاو، في مقاطعة خوبي، تغطية نفقات الولادة، فضلاً عن تقديم إعانة بقيمة 500 يوان (60 جنيهاً إسترلينياً) (74 دولاراً) للطفل الأول، و700 يوان للطفل الثاني (104 دولارات). وفي تشانغشا، جنوبي الصين، أدرجت حملة دعائية العام الماضي «1001 من الأسباب لإنجاب طفل». وبين عامي 2016 و2017، مددت جميع المقاطعات تقريباً إجازة الوضع.
تدابير حكومية ربما تتحول لـ «قسرية»
ويشعر البعض بالقلق من أنَّ هذه التدابير سوف تصبح قسرية، بعد أن نشرت السلطات جهازاً واسعاً لتنظيم الأسرة بغرض تشجيع الولادات. وكانت السلطات فيما مضى قد حددت حجم السكان من خلال الغرامات الباهظة، والإجهاض القسري، وعمليات التعقيم.
وقالت لينا هونغ فينشر، مؤلفة كتاب Betraying Big Brother: The Feminist Awakening in China (خيانة الأخ الأكبر: الصحوة النسوية في الصين): «ثمة خطر من رؤية الحكومة فشل ما حاولت فعله حتى الآن، وأنَّ عليها أن تصبح أكثر قسرية. ثمة تاريخ طويل من التخطيط السكاني باستخدام الإكراه الشديد. ولا شك في أنَّ الحكومة من الممكن أن تتبنى تدابير قسرية».
ويقول المنتقدون إنَّه من المحتمل أن تظهر، بالتدريج، تدابير أقل عدوانية لكنها لا تزال عقابية، على مستوى محلي تحت ستار قضايا أخرى مثل منع الإجهاض الانتقائي بسبب جنس الجنين. وقد حظرت عدة مقاطعات عمليات الإجهاض بعد 14 أسبوعاً، وتطلب مقاطعة جيانغشي جنوبي البلاد توقيع ثلاثة أخصائيين طبيين قبل إجراء العملية. ووضعت المزيد من المقاطعات عوائق أمام الحصول على الطلاق، بما في ذلك اشتراط إجراء اختبار أو فترة تهدئة.
«ميلاد طفل، هو شأن من شؤون الدولة»
وقد خوفت لغة الحكومة الناس؛ إذ ورد في مقال مكتوب في صحيفة People’s Daily التي تديرها الدولة، العام الماضي: «إنَّ ميلاد طفل ليس مجرد مسألة أسرية، وإنما هو شأن من شؤون الدولة أيضاً». وفي شهر أغسطس/ آب، كتب أستاذ للاقتصاد من جامعة نانجينغ مقالاً افتتاحياً اقترح فيه إقامة «صندوق للميلاد» يساهم المواطنون فيه، ثم يحصلون على الأموال عندما يكون لديهم أطفال. أما أولئك الذين ليس لديهم أطفال، فإنهم يحصلون على المال عندما يتقاعدون.
وكتب أحد مستخدمي الإنترنت: «عندما لا تريد الأطفال، تجبر الناس على إجراء عمليات للعقم. وعندما تريد المزيد من الأطفال، فإنك تحثنا على الإنجاب. من تظنني؟».
في الوقت الراهن، ركزت الجهود على التزلف إلى النساء لكي ينجبن مزيداً من الأطفال لصالح البلاد. ويدير اتحاد نساء عموم الصين، وهو منظمة تابعة للحكومة، حملة «أسر جميلة»، التي تشيد بالنساء اللواتي يتولين أمر آبائهن وأطفالهن بوصفهن المعيل الأساسي.
وقالت جين جولي، الأستاذة المشاركة في جامعة أستراليا الوطنية، والتي تركز على الاقتصاد الصيني واقتصاديات العمل: «يرى حزب الدولة هذا التناقص في السكان مشكلة حقيقية، وأنَّ من واجب النساء الاستجابة لذلك. هذه حقبة جديدة من التحكم في الخيارات الإنجابية للنساء».
ومع ذلك، فإنَّ المزيد من النساء يقاومن الحكومة والضغط المجتمعي، وقد بدأ المسؤولون في الاستماع إلى مخاوفهن. إذ أمرت وزارتا التعليم والموارد البشرية في الصين أرباب العمل بالتوقف عن سؤال النساء المتقدمات للعمل حول حالتهن الاجتماعية وخططهن للإنجاب، وهي ممارسة شائعة.
«النساء مستخدمات للأبد في مختبر الدولة»
وقد أجرى يي ليو، عالم الاجتماع والمحاضر في مجال التنمية الدولية بكلية كينغز لندن، لقاءات مع نساء صينيات في أواخر الثلاثينيات من أعمارهن. وعندما قدمت سياسة الطفلين عام 2016، كانت معظم من أجرى معهن اللقاءات في فترة ينبغي تسميتها بالـ «الربيع الثاني» في حياتهن المهنية، وقد تجاوزن بالفعل تربية الطفل الأول، مع وجود الأقدمية والمزيد من القوة التفاوضية في العمل. وقد شعرت الكثير من هؤلاء النساء بالانزعاج الشديد من هذه السياسة الجديدة بدلاً من شعورهن بالسرور.
وقال يي: «إنهن عبء أبدي على أرباب أعمالهن؛ لأنَّ من الممكن أن ينجبن طفلاً ثانياً». وقال ثلث من أجريت معهم اللقاءات إنهن لا يرغبن في طفل ثان، مفضلين التركيز على حياتهن المهنية. وقال يي: «يشعرن أنهن تجارب للدولة. فقد كن تجارب [في ظل سياسة الطفل الواحد] والآن هن مجرد تجربة أخرى. يشعرن أنهن مستخدمات للأبد في مختبر الدولة».
هذا الاستياء العام أحد الأسباب التي من أجلها لم يوقف صانعو السياسات هذه السياسة في وقت أقرب. فبحسب لي فوشيان، الأكاديمي من ويسكونسن، كان من الممكن للصين أن تلغي الضوابط السكانية تماماً عام 1980، وكان النمو سوف يعتدل بشكل طبيعي. لكنَّ مخططي الأسرة اعتمدوا على معدل الالتحاق المتضخم بالمدارس، ومعدل المواليد المبالغ فيه الذي أبلغت عنه المستشفيات والأفراد والحكومات المحلية. وقال يي: «لماذا اتبعنا سياسة خاطئة كهذه لمثل هذا الوقت الطويل؟ لا تريد الحكومة الصينية الاعتراف بأنها على خطأ. فلو أنها قالت ببساطة إنَّ السياسة كانت خاطئة، فسوف يغضب الجمهور».
محاولات كبيرة لتحفيز الأسر على الولادة
ويبدو سكان شنغيانغ، الذين يعيشون في مدينة بها واحدة من أقل معدلات المواليد، مركزين بشكل مذهل على الأطفال. إذ تحمل مجموعات من الآباء والأجداد أطفالاً صغاراً حول مراكز التسوق الملآى بالملاعب والمتاجر التي تعلن عن دمى وألعاب اجتماعية. ويصف الآباء مدى الأنشطة التي يمكنهم الاختيار من بينها: دروس تحفيز الأحاسيس للأطفال الرضع، ودروس تعليم السباحة للأطفال، والتايكوندو، والخط الصيني، ودروس اللغة الإنجليزية أو الرسم.
ويقدم مركز «دونان للحب الحقيقي» في وسط شنيانغ نقاهة متطورة للأمهات اللواتي يتعافين بعد الولادة، وهو تقليد صيني يعرف باسم «الجلوس لمدة شهر«. وقال وانغ ليبو، الخبير في السكان بجامعة شنيانغ نورمال، إنَّ هذا جزء من التركيز على «الجودة في مقابل الكمية»، إذ تستثمر الأسر جميع مواردها في طفل واحد.
ومن بين الزبائن الـ500 الذين استقبلهم المركز العام الماضي، كان ثلاثة منهم فقط قد أنجبوا طفلاً ثانياً، وذلك على حد علم المركز. وبالنسبة للعديد من الأسر، فإنَّ الضغوط لمساعدة أطفالهم على التنافس هي السبب الرئيسي للاقتصار على طفل واحد.
ترسل شو طفلها إلى دروس خاصة وحصص إضافية، لكنها تقلق من أنه يتعرض لضغط كبير للغاية. إذ قرأت مقالات عن أطفال تعرضوا للضغط الشديد من قِبل والديهم، فقتلوا أنفسهم أو هربوا من المنزل. وتحاول شو أن تجد مكاناً في جدوله لبعض وقت الفراغ، وتشتري له جميع القصص المصورة والكتب التي يريدها. ومع ذلك، فعندما يؤدي أداءً أسوأ بقليل في اختبار أو تكليف ما، فإنها تشعر بالقلق مرة أخرى. وقالت شو: «لا يسعك إلا أن تتساءل: ماذا لو أنني دفعته للمذاكرة لمدة 10 دقائق أخرى فحسب؟».