الصين تُغلق كنيسة صهيون وتواصل الحرب ضد الإسلام والمسيحية والبوذية
ستكون الخدمات في كنيسة صهيون هذا الأحد مختلفة عن المعتاد، مختلفة كثيراً، فبدلاً من استضافة 1300 شخص أو نحو ذلك في مكانهم المعتاد شمال بكين، فسوف يسير أعضاء الكنيسة في الشوارع في مجموعاتٍ صغيرة، يستمعون إلى عظةٍ على هواتفهم المحمولة، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
اضطر القس جين مينغري لنشر عظته بهذه الطريقة، بعد أن أغلقت السلطات الصينية كنيسته في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، معلنةً أنَّها غير قانونية.
وقال جين في مقابلة: «هذا جزءٌ من حربٍ شاملة ضد الدين. بدأ الحزب الشيوعي في النظر للدين كمنافس، لا يقتصر الأمر على المسيحية (البروتستانتية) فحسب، بل يمتد أيضاً ليشمل الكاثوليكية والبوذية والإسلام. إنَّهم يريدوننا جميعاً أن نتعهد بالولاء للحزب».
النزعة القومية والولاء للحزب الشيوعي فقط
تتعرض الديانات الخمس التي سمح بها رسمياً الزعماء الصينيون، وهي البوذية والكاثوليكية والطاوية والإسلام والبروتستانتية لمعاملةٍ قاسية من حكومة الرئيس شي جين بينغ، الذي أذكى النزعة القومية وعزَّز الولاء للحزب الشيوعي بطرقٍ لم نشهدها منذ عقود.
تتزامن هذه الحملة مع الجهود المبذولة من أجل «إضفاء الطابع الصيني» على الأقليات الإثنية والقضاء على التفكير «الغربي». وتستمر بعض حملات القمع منذ سنوات.
في المنطقة الغربية من شينغيانغ، موطن عرق الإيجور المسلم، البالغ عدد سكانه 13 مليون نسمة، فرضت الحكومة الصينية ضغوطاً متزايدة ضد ما تسميه «الفيروس الأيديولوجي» للإسلام.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقريرٍ من 117 صفحة، صدر هذا الأسبوع، إنَّ المسلمين يخضعون لقيودٍ دينية متزايدة ومراقبة جماعية. وأشار التقرير وتقارير أخرى إلى أنَّ المليون مسلم المحتجزين في مراكز احتجاز جماعية يعانون من التلقين السياسي القسري وسوء المعاملة والتعذيب.
وفي أماكن أخرى، مُنعت السلطات البوذية والطاوية من بناء تماثيل دينية كبيرة، أو القيام بأي استثماراتٍ تجارية جديدة.
كان معبد شاولين، وهو دير بوذي مشهور برهبانه البارعين في فنون الدفاع عن النفس، قد رفع العلم الصيني للمرة الأولى في تاريخه الذي يصل إلى 1500 عام كجزءٍ من الحملة الوطنية هذه.
وتعرّضت المسيحية إلى سياسات تدقيق ورقابة جديدة، منذ أن طبَّقت حكومة شي قواعد جديدة لتنظيم الأديان، تحت مسمى «مبادئ ترويج المسيحية الصينية في الصين للسنوات الخمس المقبلة» في مارس/آذار.
وقد أدى هذا إلى حدوث توتراتٍ جديدة في المواجهة الممتدة منذ عقود بين الفاتيكان والحزب الشيوعي، الذي لا يسمح إلا بالكنائس الكاثوليكية المرخصة من قبل الدولة، ويُعيَّن هو أساقفتها.
ويُجري الفاتيكان وبكين محادثاتٍ حول اتفاقية محتملة تتضمن اعترافاً صينياً بالبابا رئيساً لمجتمع الكاثوليك في الصين. ويمكن للفاتيكان بدوره أن يُدخل بعض الأساقفة المعينين من الصين إلى كنفه.
إلا أنَّه في نفس الوقت تعرّضت بعض الكنائس الكاثوليكية للإزالة.
وتُخضع السلطات أيضاً الكنائس البروتستانتية لمراقبةٍ متزايدة. فقد أغلقت العديد من «الكنائس المنزلية»، التي تعمل بشكلٍ مستقل عن الكنائس التي تسيطر عليها الدولة، من غوانغدونغ في الجنوب إلى هيلونغيانغ في الشمال.
كانت الحملة مكثفةً بشكلٍ خاص في هينان، وهي منطقة تقع جنوب بكين، وتُعرَف بعدد سكانها الكبير نسبياً من البروتسانت. وكانت هناك تقارير عن حرق الإنجيل هناك، وانتشرت على الشبكات الاجتماعية مقاطع فيديو تُظهر الصلبان تشتعل فيها النيران.
وخلال الأسبوعين الماضيين، وقَّعَ 279 قسيساً صينياً على رسالة عامة يعترضون فيها على اللوائح الجديدة، التي يقولون إنَّها تشمل إجبار الكنائس على وضع صور للرئيس شي، وإنشاد أغاني الحزب الشيوعي.
الدين منافس قوي
ويبدو أنَّ شي يشن حملةً ضد الدين؛ لأنَّه شعر بالقلق بشأن التنافس الأيديولوجي، حسب قول كاري كويسل، الخبيرة في جامعة نوتردام في شؤون الأديان في الصين.
يفوق عدد أتباع الديانات المختلفة عدد أعضاء الحزب الشيوعي بمقدار 4 إلى 1. فهناك حوالي 90 مليون عضو في الحزب الشيوعي الصيني، بينما يوجد 70 مليون مسيحي وفقاً لمركز Pew للأبحاث.
ويُشكِّل المسيحيون حوالي 5% من السكان، ويشكل المسلمون نحو 2%، في حين يقول حوالي 18% إنَّهم بوذيون، حسب مركز Pew.
وقالت كويسل: «بعض هذه المجموعات تنمو بسرعة كبيرة، وهذا يجعل الحكومة في غاية التوتر، ليس لأنَّهم يتحدون الدولة، بل لأنَّ الدولة ترى الدين تهديداً لوجودها. لهذا السبب تزيد الدولة من برامج التثقيف السياسي».
نفت الحكومة الصينية الشروع في أي حملاتٍ ضد الدين. وذكرت وزارة الخارجية مراراً وتكراراً أنَّ الحكومة تريد ضمان «التعايش المتناغم» بين مختلف المجموعات العرقية والأديان في الصين.
إلا أنَّ المدافعين عن الحريات المدنية يقولون إنَّ الحملة الأخيرة تمثل تصعيداً مقلقاً.
وصل القمع إلى العاصمة
إذ قالت المحامية الحقوقية وانغ يو، التي سُجنت لمدة عام في عام 2015، وهي عضوة في كنيسة صهيون عُمِّدَت فقط الشهر الماضي: «لقد كانت الضغوط موجودة على الدوام. المسألة فقط أنَّها لم تكن تنطوي دائماً على العنف أو الإرغام».
ومع إغلاق كنيسة صهيون، أكبر كنيسة منزلية في بكين، وصل القمع إلى العاصمة.
بدأت المشكلات في شهر مارس، في كنيسة صهيون، التي تفتح أبوابها في الصين منذ عام 2007 ولديها تسعة مواقع، وحوالي 1600 عضو في مقرها في بكين وحده. أرادت السلطات الحكومية أن تُركِّب الكنيسة 24 كاميرا للمراقبة. ورفض جين، مشيراً إلى حق أبناء أبرشيته في خصوصية العبادة.
ثم بدأت السلطات في إبعاد أتباع الكنيسة بمضايقتهم في المنزل أو العمل واحداً تلو الآخر، ومارست الضغوط عليهم للتخلي عن الذهاب إلى الكنيسة. وقال جين، إنَّ بعضهم طُرِدَ أطفالهم من المدارس، وبعضهم خضعت حسابات شركاتهم للتفتيش، وفقد البعض الآخر وظائفه. ونتيجةً لذلك، غادر حوالي 400 شخص الكنيسة.
وأغلقت السلطات الكنيسة يوم الأحد الماضي بالقوة.
وقالت السلطات في حي تشاويانغ في بكين، حيث تقع الكنيسة، إنَّ الكنيسة خرقت القانون بتنظيم فعالياتٍ غير قانونية، وإنَّ «موادها الترويجية غير القانونية» قد صودرت. والكنيسة الآن «محظورة قانونًا»، وفقاً لإخطار عام منشور في مدخل الكنيسة.
ولم يرُد مسؤول من مكتب الشؤون الدينية في تشاويانغ على طلب للتعليق.
عندما عاد القس جين يوم الثلاثاء 11 سبتمبر، لجمع أغراضه، احتجزته الشرطة هو وعدد من قادة الكنيسة الآخرين لعدة ساعات.
واليوم الأحد، بدلاً من عقد العظات الخمس المعتادة، يأمل جين أن يستمع أبناء الأبرشية إلى عظة هذا الأسبوع على هواتفهم. وحتى وسط هذا الإجراء، يُهيئ جين وأبناء أبرشيته أنفسهم لمجابهةٍ أخرى.
وأعلنت الحكومة الصينية هذا الشهر قواعد جديدة صارمة، واقترحت لوائح تصل إلى مستوى حظر نشر وإرسال نصوصٍ أو صور أو مقاطع صوت أو فيديو تحمل رسائل دينية من خلال مواقع شبكة الإنترنت أو التطبيقات، بما في ذلك الرسائل الفورية والبث المباشر.
ويقول جين: «الدولة لا تحاول إضفاء الطابع الصيني على الكنيسة. الكنيسة بالفعل تتسم بهذا الطابع لأنَّها مليئة بالشعب الصيني. إنَّهم يحاولون تحزيب الكنيسة (جعلها تابعة للحزب الشيوعي). نحن نريد فقط أن نُبعد الكنيسة عن السياسة».