الصين تعمل بشكل ممنهج على تغيير هوية المسلمين الإيجور وتشكيل جيل جديد منهم
تحت عنوان «نظام الاعتقال الصيني يفصل الأطفال عن آبائهم» علقت سيغال صمويل المحررة في مجلة «أتلانتك»على حملات الإعتقال الموسعة التي تمارسها السلطات الصينية ضد مسلمي الإيجور.
وبدأته بالحديث عن طاهر أمين الذي قالت إنه أب يحب التقاط الصور ولقطات الفيديو لابنته كل أسبوع، وهاتفه النقال مليء بصورها وهي تحمل رسومها وفي عمر السادسة كانت تحب الركوب على ظهره وكأنها أميرة وربما كان سيحملها على ظهره في سن السابعة، لكنها في الصين وهو في أمريكا. وكانت آخر مرة تحدث إليها قبل ستة أشهر وأخبرته بأنه رجل سيئ. وينتمي امين وعائلته إلى إثنية الإيغور المسلمة والتي تقطن في إقليم تشينجيانغ شمال – غرب الصين. وهم دائماً عرضة للإضطهاد بزعم أنهم يريدون الإنفصال ومسؤولون عن التطرف. وزاد القمع الحكومي لهم منذ العام الماضي وارسلت ما يقرب من مليون مسلم إلى معسكرات لكي يتلقوا فيها دروساً تثقيفية أو إعادة تعليم
.
وبحسب صحيفة «إندبندنت» البريطانية التي أجرت مقابلات مع معتقلين سابقين فقد حاولت السلطات إجبار المسلمين على نبذ دينهم والذي وصفه مسؤولو الحزب الشيوعي الصيني في واحدة من مذكراتهم الداخلية بـ «المرض الآيديولوجي» وبالمسلمين المصابين «بفيروس في عقولهم». وحاولت دفعهم لتعريف أنفسهم ضمن الثقافة الصينية وليس الإيغور.
تمزيق
وترى سيغال أن الإحتجاز الجماعي لا يؤثر فقط على المعتقلين أنفسهم بل وعلى العائلات التي انفصلت عنهم ويترك صدمته على آلاف الأطفال. وعندما يتم أخذ الأب والأم لمعسكرات «التعليم» ينقل أبناؤهم إلى بيوت الأيتام والتي تتزايد لمجابهة الطلب الكبير عليها كما ذكرت إميلي فينغ في صحيفة «فايننشال تايمز». وفي ظل سيطرة الدولة وعنايتها بهم فإن هؤلاء الأطفال ينقطعون عن آبائهم ولغتهم وثقافتهم الإيغورية. وبناء على ما قاله بعض الإيغور والخبراء لها فالدولة تقوم وعبر الدمج القسري من إعادة تشكيل جيل كامل من أبناء هذه الأقلية المسلمة. ونقلت عن ريان ثام، الباحث في تاريخ الإسلام في الصين «أعتقد أن هذا يحقق صيننة (جعلهم صينيين) للأطفال أكثـر من محاولات سـابقة».
وأشار إلى محاولات مماثلة «كانت هناك محاولة في بداية القرن العشرين لإجبار كل ما يطلق عليهم اليوم أطفال الإيغور للذهاب إلى المدرسة الصينية، ولكنها فشلت بشكل ذريع. فقد دفع الأغنياء للفقراء كي يرسلوا أبناءهم بدلاً عن أبنائهم، وكل التعليم الذي تلقاه الأطفال في المدرسة محي في البيت. ولكن عندما تخرج الآباء من الصورة تصبح عملية الصيننة سهلة». ويخشى امين على ابنته وماذا سيحصل لها في ظل هذا المناخ. فهو كأكاديمي يقوم بالدفاع والنشر عن الثقافة الإيغورية وهو ناقد شديد للسياسات الصينية ضد شعبه لا يزال يقيم في الولايات المتحدة خشية إرساله إلى معسكرات الاعتقال. وقال إنه ترك الصين لأول مرة للدراسة في أمريكا ولم تستطع زوجته وابنته الإنضمام إليه لأن السلطات الصينية صادرت جوازي سفرهما. وقال إن شقيقه وشقيقته في معسكرات الإعتقال فيما شطبه أقاربه من ارقامهم على وسائل التواصل الإجتماعي لأن السلطات الصينية تتعامل مع الإيغور الذين يعيشون في الخارج بنوع من الشك.
ومنذ وصوله إلى الولايات المتحدة العام الماضي أرضى نفسه بالمكالمة الأسبوعية مع زوجته وابنته لكن الأخيرة أخبرته في مكالمة معها في شهر شباط (فبراير) بضرورة التوقف عن الإتصال بها وبأمها. وقالت له «أنت رجل سيئ والشرطة الصينية ناس طيبون»، ولم يستطع الإتصال بها منذ ذلك الوقت. ولا يستطيع أمين التواصل مع ابنته ولا يعرف مكان وجودها. وطلقته زوجته العام الماضي لأن البقاء معه يجعلها هدفاً ولم يستطع الحديث معها منذ ذلك الوقت. وتقول سيغال إن فقدانه الإتصال مع ابنته جعلته عرضة للنوبات العصبية.
وفي اليوم الذي حدده للقائها أرسل إليها رسالة ألكترونية طلب منها تأجيل الموعد أو تغييره «لأنني لم أستطع النوم طوال الليل وكنت أفكر بعائلتي ومعرفة إن كانت زوجتي وابنتي في مأمن من الخطر. واليوم هو عيد الأضحى للإيغور حيث تجتمع كل العائلات للاحتفال». ولجأ في الليل إلى مواقع التواصل الصينية وسأل عن ابنته وزوجته وإن كان أحد شاهدهما في الشارع بدون نتيجة.
وتساءل إن كانت ابنته قد وضعت في ملجأ الأيتام وأرسلت زوجته إلى معسكرات الإعتقال. وعندما يعتقل الأب والأم يتم إرسال الأبناء «لمركز إرشاد ورعاية الأطفال» أما الكبار منهم فيرسلون إلى مراكز تدريب مهني. ونقلت فينغ من «فايننشال تايمز» عن مدرس سابق قوله «لا يسمح للطفل الذهاب إلى المدرسة مع بقية الأطفال لأن الأباء يمثلون مشكلة سياسية». ونقل الأطفال إلى ملاجئ الأيتام رغم مناشدة الجد والجدة للعناية بهم.
التجسس
ونقلت فينغ عن تقرير محلي من أن السلطات في تشينجيانغ تقوم ببناء العشرات من الملاجئ، وظهر منها 18 مركزًا في مدينة كاشغر العام الماضي. ووصف عامل في واحد منها الأوضاع فيها بالخطيرة والمزدحمة قائلاً إن ظروفها «مريعة» وأخبر راديو آسيا الحر أن الأطفال في سن 6 أشهر إلى 12 عاماً تم حجزهم مثل «حيوانات المزرعة في كوخ». وقال ثام إن عمليات القمع جعلت بعض الإيغور في تشينجاينع يخافون من توريط أبنائهم لهم عن غير قصد، حيث يطلب الأساتذة منهم التجسس عليهم.
وقال «كل شخص يخاف من أولاده» و«هم خائفون من قيام أبنائهم بإخبار الأساتذة في المدرسة شيئاً عن عاداتهم الدينية بشكل يجعلهم هدفاً للعقاب أو الإعتقال في المعسكرات». وتذكّر أمين مكالمة من ابنته في كانون الأول (ديسمبر) مع ابنته حيث كانا يتمازحان حول شكله عندما يكبر في العمر. وقالت ابنته «قد تمارس الصلاة مثل جدي» وفي ذلك الوقت قامت أمها بنزع الهاتف منها وربما عنفتها لذكر كلمة الصلاة التي تعد مكروهة لدى الصينيين. فكل كلمة تشير للدين حتى «السلام عليكم» قد تقود للسجن.
أجواء الخوف
ونقلت الكاتبة عن طالب إيغوري عمره 24 عاماً يدرس في الولايات المتحدة وكيف عاش مناخ الخوف في صغره بشينجيانغ. وقال:«عندما كنت في المدرسة الإبتدائية أتذكر كيف جاء أشخاص إلى قاعة المدرسة وسألونا: هل هناك قرآن في بيوتكم؟ وهل يقوم والداكم بنشاطات دينية؟». وقال الطالب الذي امتنع عن ذكر اسمه خشية تعرض والده في المعتقل للتعذيب «كذبت عليهم وقلت لهم إن والدي لا يمارسان أي نشاط ديني». وتذكر كيف ناشده والداه بعدم الذهاب إلى المسجد لانه لو فعل فلن يذهب وحده للسجن بل وعشيرته كلها. وزاد العنف والخوف في السنوات الماضية بشكل يذكر بأوضاع مماثلة في الماضي. وكما يقول ثام «إنها مثل الثورة الثقافية من ناحية أثرها على الناس حيث جعلت الجيران وأعضاء العائلة يتجسسون على بعضهم البعض.
وجعلت الناس يعتقدون ان زلة لسان صغيرة قد تؤدي لتدمير حياتهم» مضيفاً أن الخوف «سيترك صدمة إجتماعية ضخمة وسيتعامل معها الناس ولعقود». والمقارنة تتردد بشكل واضح مع مراد هاري، 33 عاماً وهو طبيب من الإيغور يعيش في فنلندا والذي قال إن والديه نقلا إلى معسكرات الإعتقال وأضاف «أثناء الثورة الثقافية اخذوا والدي من بيت جدي» و»نقلوا جدي إلى معسكر الأشغال الشاقة لأنه رجل متعلم وبآيديولوجية مختلفة وأخذوا والدي من بيته لبيت زوجين صينيين من إثنية الهان. كان عمره ستة او سبعة أعوام وبقي معهم لسنوات حتى انتهت الثورة الثقافية ولهذا السبب يتحدث والدي الصينية أفضل من الإيغورية».
وصمت قليلاً قبل أن يواصل كلامه «أحس أن الشيء نفسه سيحدث الآن، فقد اخذوا والدي بقوة من بيته لوضعه في مكان لا يمت إليه». وتقول سيغال إن محاولات الصين دمج الإيجور من خلال معسكرات الإعتقال والأطفال في دور الأيتام يناسب ما يقوله الناشطون في مجال حقوق الإنسان الحملة الواسعة لإعادة تشكيل وحدة العائلة الإيغورية باسم الاستقرار.
قرابة متخيلة
وفي عام 2016 أعلنت الحكومة عن «حملة التحول لعائلة» والتي توسعت إلى نظام «البقاء في البيت» حيث يقوم المسؤولون بالإنتقال مؤقتاً إلى البيوت ومراقبة والإبلاغ عنهم، حسبما جاء في تقرير لمنظمة «هيومان رايتس ووتش».
وفي كانون الأول (ديسمبر) 201 عبأت السلطات في تشينجيانغ أكثر من مليون كادر في الحزب لقضاء أسبوع في البيوت خاصة في الأرياف. ووسعت السلطات نظام «البقاء في البيت» حيث أصبح الكوادر كل شهرين يقضون خمسة أيام في بيوت العائلات المسلمة. ولا توجد ادلة عن رفض هذه او حقها في رفض الزيارات. وتراقب الكوادر وتبلغ عن أي وضع غير عادي من النظافة للإدمان على الكحول إلى المعتقدات الدينية ويتحركون لإصلاح الوضع. ويقومون بتعليم العائلات الماندرين ويطلبون منهم غناء النشيد الوطني ومدائح الحزب الشيوعي ويتأكدون من مشاركة العائلات في الطقس الأسبوعي لرفع العلم الصيني. وتظهر الصور الكوادر وهم يعيشون مع عائلات الأقلية ويشاركونهم في أدق تفاصيل حياتهم العاطفية من مثل ترتيب الأسرة للنوم وتناول الطعام وتغذية الأطفال والإشراف عليهم وتعليمهم.
وتشجع الحكومة الصينية كما يقول ثام المسؤولين الإيغور والهان للعيش معاً والإشارة لبعضهم البعض بالإخوة لتقوية حس القرابة وتقديم صورة جيدة عن البرنامج. ولاحظ هذا الوضع عندما زار بلدة تيربان التي شاهد فيها صوراً امتدت على طول كيلومتر تحت شعار «معبر الوحدة الإثنية» حيث أظهرت صور للإيغور مع «أقاربهم» وهم يمارسون الرياضة ويتبادلون الهدايا. وحتى أسبوعين ظلت إدارة العدل في الإقليم تقدم اللقاءات بين «الأقارب» على أنها مشروع ناجح.
وفي المحصلة تريد السلطات الصينية إضعاف الهوية الإيغورية من خلال سياسات تلاقح وتبدو مثل حسبة رياضة مثل إضافة «قرابة متخيلة» وفصل « الآباء عن الأبناء» ونقل «الأطفال من مكانهم لمكان آخر». وبالنسبة لأمين فهو يأمل بأن تكون المحصلة أو مجموع الحسبة الرياضية شيئاً يمكنه التعرف عليه وليس مختلفا عما كان يعرفه.