الصين تستثمر عشرات المليارات من الدولارات في العالم العربي
قالت مجلة The Economist البريطانية إن الحكومة العمانية تسعى للحصول على حصة في صناعة تجهيز السفن بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، من خلال تجهيز مدينة الدقم لتصبح ميناءً ضخماً.
استثمارات صينية ضخمة في عمان
وقالت المجلة المتخصصة في الملف الاقتصادي إن هناك تحالف شركات صينية يسعى لاستثمار 10 مليارات دولار لبناء منطقة اقتصادية على مساحة ألف هكتار، في دولة عمان، حيث قال ريجي فيرميولن الرئيس التنفيذي لشركة ميناء الدقم العمانية: «إنهم يريدون دخول كل أسواق البتروكيماويات، الزجاج، الألواح الشمسية، بطاريات السيارات».
وطوال عقود من الزمن كانت المملكة الوسطى (الصين) تعتبر الشرق الأوسط محطة وقود لها فتقريباً نصف نفط الصين يأتي من الدول العربية وإيران. ويُصدر القليل منه في الاتجاه الآخر. وفي عام 2008، جذبت المنطقة أقل من 1٪ من صافي الاستثمار الأجنبي المباشر للصين. ولكن بعد عقد من الزمان ظهر المال الصيني في كل مكان: موانئ في عُمان ومصانع في الجزائر وناطحات سحاب في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر.
إضافة إلى ذلك تعهدت الصين العام الماضي بضخ 23 مليار دولار في صورة قروض ومساعدات للدول العربية ووقعت اتفاقيات استثمارية وإنشائية أخرى بقيمة 28 مليار دولار.
بالإضافة إلى الاستثمارات الصينية الضخمة في العالم العربي
وقالت المجلة البريطانية، إن العالم العربي أصبح متعطشاً لمثل هذه الاستثمارات. فقد انخفضت معدلات تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر السنوي بمقدار الثُلثين منذ عام 2008 وعجزت إلى حد كبير عن ملاحقة باقي الأسواق الصاعدة.
فعلى سبيل المثال مصر التي تشتهر بقطنها، تتخبط شركات النسيج الحكومية وسط حالة من الفوضى، وتعمل بآلات لم تُحدث منذ عقود.
وبظهور الصين على الساحة، تعهدت في يناير الماضي باستثمار 2.1 مليار جنيه مصري (121 مليون دولار) لبناء مصانع نسيج حديثة خارج نطاق القاهرة. ويأمل المسؤولون في مصر أن يخلق هذا المشروع أكثر من 100 ألف فرصة عمل.
وحسب تقديرات المؤسسة البحثية American Enterprise Institute، وقَّعَت الصين منذ عام 2005 اتفاقيات تشييد بقيمة 148 مليار دولار مع دول عربية. ولكن أكثر من ثلث هذا المبلغ خُصِّصَ لمشروعات الطاقة التي لن توظف كثيراً من السكان المحليين رغم أهميتها.
وعلى سبيل المثال، شيدت شركة China State Construction Engineering Corporation منتجع شيراتون خمس نجوم في الجزائر وسجناً أقل فخامة جنوب شرق العاصمة الجزائرية. وفي هذه المشاريع والعشرات غيرها في الجزائر بقيمة إجمالية تبلغ 16 مليار دولار، نفذ نحو 40 ألف عامل صيني معظم الأعمال.
لكن التجارة بين الصين والعالم العربي تشهد عدم توازن واضحاً
ففي عام 2017 استوردت تونس بضائع بقيمة 1.9 مليار دولار من الصين، وهو ما يمثل 9% من إجمالي وارداتها. وصدرت بضائع بقيمة 30 مليون دولار فقط إلى الصين. وقال لطفي بن ساسي مستشار رئيس الوزراء التونسي: «25% من عجزنا التجاري يرجع للصين وحدها». فعادة ما تُصنع الحلي التي تُباع للسياح في الأسواق في المصانع الصينية وليس في ورش عربية.
وتأمل بعض الدول العربية أن يُسهم التذوق الصيني المتزايد لزيت الزيتون في خفض عجزها التجاري قليلاً. لكن الصين لن توفر فرص عمل لملايين العاطلين العرب.
وتتبع الصين بدلاً عن ذلك النموذج الذي أثقل كاهل بعض الدول الآسيوية والإفريقية بديون مرهقة. ولكن الحكومات العربية كانت أكثر حذراً. فمثلاً لا يوجد بالدول العربية مطار شبيه بـ»مطار الأشباح» في سريلانكا الذي شُيد برأس مال صيني ولم تقلع منه رحلة واحدة.
وأيضاً الجزائر التي تئن بسبب انخفاض أسعار النفط وارتفاع عجز ميزانيتها إلا أنها أوقفت توقيع صفقات كبرى مع شركات صينية منذ عامين. وقفزت قروض البُنى التحتية التي قدمتها الصين إلى الشرق الأوسط إلى عشرة أضعاف من عام 2015 إلى 2016 حتى بلغت 3.5 مليار دولار.
ولكن أكثر من نصفها ذهب إلى الإمارات العربية المتحدة لتمويل مشروعات مثل توسعة مطارات دبي، الأكثر ازدحاماً في العالم. وليس لدى دول الخليج الغنية مثل الإمارات العربية المتحدة أي مشكلة في سداد مثل هذه القروض الكبيرة.
وتخشى الإمارات من مستوى الاستثمارات الصينية الضخمة في المنطقة
ورغم أن الإمارات العربية المتحدة ترغب في جذب الاستثمارات الصينية، فهي قلقة على طموحاتها. إذ يقول المسؤولون في موانئ دبي العالمية، وهي من أكبر مشغلي الموانئ المملوكة لحكومة دبي، إن شبكتها من الموانئ ومحطات السكك الحديدية ستُكمل مبادرة الحزام والطريق، وهي برنامج لمشروعات بنية تحتية عالمية تتبناه الصين. وربما يكون الأمر كذلك ولكن مبادرة الحزام والطريق تعد تهديداً أيضاً.
فتقريباً نحو ثلثي الصادرات الصينية إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا تمر عبر الموانئ الإماراتية. وإذا أصبح ميناء غوادار في باكستان الذي تموله الصين مركزاً للشحن العابر فربما يستقطب الأعمال التجارية من ميناء جبل علي التابع لموانئ دبي العالمية. فيما يمثل ميناء الدقم تهديداً مماثلاً.
وأبدت الدول الأخرى النشطة في المنطقة قلقها بسبب الأمن. فبعدما فازت شركة صينية بمناقصة تشغيل ميناء جديد في حيفا، وهي ثالث أكبر مدن إسرائيل ومقر السفن الحربية الأمريكية عند الاستدعاء، طلبت أمريكا من إسرائيل التراجع عن هذا القرار. كما تلقت عُمان إنذاراً مماثلاً بشأن الدقم.
وقال دبلوماسي أمريكي في مسقط «يمكنهم أخذ جزء من المنطقة الاقتصادية لكننا نرغب في إبعادهم عن الجانب العسكري». وخلال الشهور الأخيرة وقعت عُمان اتفاقيات تسمح للبحرية الأمريكية والبريطانية بالعمل في الدقم. فيما لم تحصل الصين على امتيازات كهذه.
ومن بين الأسباب التي تجعل الصين شريكاً جذاباً هو أن أموالها تأتي مع قيود قليلة.
إذ يسمح لها مبدؤها السياسي «عدم التدخل» بإقامة علاقات مع ألد الأعداء -مثل السعودية وإيران، وإسرائيل وسوريا- وتجعل منها محاولة مفيدة لتقليل خطورة أمريكا، التي يخشى الحكام العرب أن تتخلى عنهم. ولكن غياب التعاون الاستراتيجي ينتج آثاراً سلبية.
وبدون السفن في البحر المتوسط احتاجت الصين إلى مساعدة اليونان لإخراج مواطنيها من ليبيا التي مزقتها الحرب. ولذا فإن افتتاح أول قاعدة عسكرية للصين في الخارج في جيبوتي عام 2017 ربما يحمل دلالة على طموحات أوسع.
ويتحدث المسؤولون العرب عن الصين، بعدما كانوا يتجاهلونها في الماضي، باعتبارها قوة إقليمية صاعدة من نوع أكثر مرونة من أمريكا أو روسيا. إذ أجبر تدفق السياح الصينيين على فنادق القاهرة الموظفين على تعلم لغة الماندرين الصينية وطهي الأكلات الصينية. كما يضع إتقان الدبلوماسيين الصينيين للغة العربية نظراءهم الغربيين في وضع محرج.