الصورة السياسية لإسرائيل أمام الثالوث.. حماس والضفة وإيران
جولة العنف الأخيرة في القطاع انتهت هذا الصباح بهذه الدرجة أو تلك مثلما انتهت سابقاتها، وقف إطلاق النار بين إسرائيل والتنظيمات الفلسطينية دخل حيز التنفيذ بعد بضع ساعات من التقارير الأولى من غزة. ورغم نفي إسرائيل المتكرر طوال ليلة أمس. بيان الجبهة الداخلية الساعة السابعة صباحاً بشأن عودة الحياة الطبيعية في مستوطنات الجنوب قدمت موافقة رسمية بخصوص نهاية التصعيد، وبدون أن يفتح المستوى السياسي فمه. هذا الصباح أعلن رئيس الحكومة للمواطنين بأن «المعركة لم تنته».
الجولة الأخيرة كانت عنيفة، سريعة وقاتلة أكثر من سابقاتها: أربعة مواطنين قتلى لدينا و25 قتيلاً فلسطينياً في القطاع، بينهم نساء وأطفال (بالصدفة أحدهم قتل بنار خاطئة لحماس) وحوالي 700 قذيفة أطلقت على الجبهة الداخلية وشلت الحياة من أسدود وجنوباً.
هل كان لذلك أي مبرر؟ حسب كل الدلائل إسرائيل تعطي حماس ما تعهدت به لها قبل شهر ونصف. ولكنها لم تسارع إلى تطبيقه ـ تسريع تحويل الأموال القطرية وتسهيلات في الحركة في المعابر مقابل إعادة الهدوء على طول الحدود.
في الطريق إلى تحقيق هذه النتيجة، التي كما قلنا اتفق عليها قبل الانتخابات، تم إزهاق أرواح أربعة مواطنين إسرائيليين، وهو ثلثا عدد الذين قتلوا في 50 يوماً من الحرب في عملية الجرف الصامد.
هل اعتقدتم أن الجيش الإسرائيلي سيحقق في خلل استعداده للدفاع والهجوم والفجوات في التحليل الاستخباري. لا يعطي أحد تفسيراً بشأن عدم تطبيق التسهيلات، فجزء منها نابع من أسباب لا تتعلق بإسرائيل. جدول أعمال المبعوث القطري للمنطقة، محمد العمادي، تشوش، وفي أعقاب ذلك أجل تحويل الأموال من قطر إلى القطاع. ولكن كانت هناك إعاقات أخرى في تنفيذ التعهدات التي لم تسارع إسرائيل إلى حلها.
عضو الكنيست آفي ديختر (الليكود) تطوع هذا الصباح بالذهاب إلى الاستوديو، وحين سئل في مقابلة براديو «كان»، هل ينصح رئيس الحكومة بأن يظهر نفسه في وسائل الإعلام، قال إن هذا مهمة وزير الدفاع. في هذه الأثناء يحمل نتنياهو الوظيفتين في الوقت نفسه، ولكن رجاله لا يشعرون أنه يجب أن يقدموا تفسيرات مفصلة للجمهور الإسرائيلي. إذ يمكن وقت الشدة اتهام عملية أوسلو والانفصال وباقي جرائم اليسار. هذا ما يتم إذاً في اليومين الأخيرين.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الليلة الماضية سيؤدي كما يبدو إلى هدوء مؤقت، أياماً وربما أسابيع. نتنياهو محق في خشيته الأساسية من الدخول في حرب غير ضرورية في القطاع، التي ستكلفنا حياة جنود ومواطنين كثيرين. المشكلة تكمن في الخوف الإسرائيلي من الصورة التي سينظر لها سياسياً لتنازلات أكبر التي تبدو الاحتمالات بدونها ضئيلة لتحقيق أي استقرار لمدى بعيد نسبياً.
بهذه الصورة وبشكل خاص حيث تزداد قوة العنف من جولة إلى أخرى، فإن مواجهة أخرى مع حماس والجهاد الإسلامي مسألة وقت. في الجيش بدأوا الحديث عن احتمالية عملية واسعة في القطاع والنظر إليها كأمر ممكن قبل الصيف والخريف القادمين. الغليان المستمر لوعاء الضغط في القطاع الذي ينهار تحت ضعف البنى التحتية المدنية فيها، ينضم لعمليتين مقلقتين في ساحات أخرى ـ الضفة الغربية وبصورة غير مباشرة أيضاً التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران.
ثمة خطر في الضفة أن تخرج الأمور عن السيطرة بسبب خيبة أمل السلطة الفلسطينية من الخطة التي تلوح في الأفق وهي صفقة القرن، مبادرة السلام التي تقول إدارة ترامب إنها تنوي عرضها في شهر حزيران بعد انتهاء شهر رمضان. الإحباط الفلسطيني يندمج مع ضائقة اقتصادية نابعة من الأزمة مع إسرائيل بخصوص أموال السجناء ومن تقليص ميزانية المساعدات الدولية بمبادرة من الولايات المتحدة.
خطاب حربي في الخليج
ولكن الأزمة الأخطر التي قد تتطور إنما تتعلق بإيران، إذ يصعب تخيل معرفة توجهات واشنطن بخصوص طهران، ولكن يبدو أن الإدارة تسرع من جديد خطة الـ 12 نقطة التي طرحها وزير الخارجية مايك بومبيو قبل سنة، بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي. العقوبات الأمريكية تزيد الضغط على السوق الإيرانية لأنها تجبر شركات أوروبية على التخلي عن تجارتها مع طهران.
هذه الليلة أعلنت الولايات المتحدة إرسال حاملة الطائرات «ابراهام لنكولن» إلى منطقة الشرق الأوسط. الخطوة ليست شاذة كثيراً، لكن الخطاب المرافق لها حربي تقريباً. مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب، جون بولتون، أعلن أن إرسال السفينة الضخمة استهدف نقل رسالة لطهران والتحذير من أن أي هجوم على المصالح الأمريكية أو مصالح حلفائها سيتم الرد عليه بـ «قوة لا ترحم».
ليس من الواضح أن الأمريكيين يعرفون شيئاً عن خطط إيرانية سرية أو توجد هنا عملية تستهدف التعويض عن الضعف الذي أظهره الرئيس ترامب في جبهات أخرى للسياسة الخارجية، وعلى رأسها العلاقات مع سوريا وشمال كوريا. مهما كان الأمر، ثمة منحى جديد يتطور ويمكن أن يؤثر على إسرائيل، ويندمج قبل الصيف بالمشاكل التي تتبلور قرب البيت، في الساحة الفلسطينية.