الصدر هو من يرسم خارطة الحكومة الجديدة.. نتائج انتخابات العراق الصادمة قد تمثل نقطة تحول لإيران
النتيجة السيئة التي مُني بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على نحو غير متوقع في الانتخابات البرلمانية بمثابة صفعة للنفوذ الأميركي في البلاد. فقد كانت بمثابة مردود ضعيف للدعم الأميركي لمسيرة حكومة بغداد لإبادة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) واستعادة المناطق التي خسرتها الحكومة العراقية، حسب ما ذكرت صحيفة The Guardian البريطانية.
وأوضحت الصحيفة أنه رغم ذلك، قد تكون إيران هي الخاسر الأكبر، حيث أُجبر حلفاؤها من الميليشيات الشيعية بالعراق والمعروفة باسم قوات الحشد الشعبي على الحصول على المركز الثاني بعد مقتدى الصدر
ببساطة، يعتقد الصدر أنه ينبغي أن يتولى العراقيون- وليس واشنطن أو طهران أو وكلاؤهم- إدارة شؤون العراق.
ويتمثل التساؤل الملح حالياً لدى العراقيين والعالم العربي الأوسع نطاقاً فيما إذا كانت الانتخابات تشير إلى تراجع النفوذ الإيراني، الذي نما تدريجياً في أنحاء المنطقة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. فقد أدت الأحداث الأخيرة إلى إحداث ثغرات في التقدم الإيراني العتيد. باختصار، هل وصلنا إلى “إيران في القمة”؟
مقتدى الصدر في الواجهة
بمجرد إعلان النتائج الأولية، بدأت الائتلافات والأحزاب السياسية التحرك لتكوين التحالف الأكبر في مجلس النواب العراقي تمهيداً التشكيل الحكومة المقبلة. الأضواء هنا كانت مركزة على مقتدى الصدر، والذي أوضح في تغريدة له أنه مستعد للتحالف مع كافة التحالفات لتكوين حكومة تكنوقراط.
يقول الباحث السياسي العراقي والكاتب في معهد واشنطن للدراسات هيثم هادي نعمان، لـ”عربي بوست”، إن التيار الصدري بزعامة الصدر يستطيع الآن تشكيل حكومة من التكنوقراط والمستقلين في المرحلة المقبلة، “وهو ما سينتج عنه حكومة تحظى بمباركة وترحيب إقليمي ودولي”، على حد تعبيره.
ويبدو رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي هو الأكثر حظاً لتولي رئاسة الحكومة العراقية بعد شهر يونيو/حزيران المقبل. إذ أن تحالف “سائرون” المدعوم من الصدر والذي حصل على 54 مقعداً في مجلس النواب العراقي، لا يبحث عن منصب رئاسة الوزراء على الرغم من وجود شخصيات سياسية وكفوءة في سائرون. غالباً سيتنازل التحالف عن المنصب الى رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي ستم تجديد ولايته، شرط الالتزام بمبدأ إصلاح العملية السياسية في العراق.
وقال نعمان إن العبادي نجح في الخطاب السياسي والمهني والوطني، إضافة إلى ابتعاده عن التمزيق الطائفي وانتصاره على التنظيمات الإرهابية وموقفه بعد أزمة استفتاء كردستان العراق ودخول القوات العراقية إلى كركوك، فضلاً عن حياديته اتجاه إيران واقترابه من الدول العربية ومساهمته في افتتاح العراق على العالم.
وبالنسبة للصدر، فقال إنه أصبح أكثر وعياً وقدرة على إدارة القضايا بحكمة، “هو من عائلة معروفة وعريقة نيته صادقة اتجاه العراق لو أعطيته قوة وأحيط بالرجال وتمكن من تشكيل الحكومة العراقية المقبلة بالتعاون مع رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي لن يعطي فرصة للفاسدين وسيتم محاسبتهم وفق القانون”.
ويعد آية الله علي السيستاني، زعيم الشيعة في العراق، المؤيد الروحي لحركة الصدر غير الطائفية. ومن خلال رفض ولاية الفقية، المبدأ الرئيسي الذي أقره آية الله خوميني بإيران، رفض السيستاني أيضاً المبدأ الأساسي القائل بأن “الفقيه الجدير بالثقة” (أي القائد الأعلى لإيران) يحظى بسلطة مطلقة على رجال السياسة ومجتمع المؤمنين.
هل تراجعت القوة الإيرانية في العراق؟
وأوضح نعمان أن دعاية الحشد الشعبي في الانتخابات العراقية، رغم أنه في ظاهرها الدفاع عن العراق، لكنه موال لإيران بشكل كامل. وذكر أن محاولة الحشد أخذ دور سياسي إضافة لدوره العسكري سيكون بمثابة إعطاء مساحة واسعة لإيران، وهو ما سيشكل خطراً على العراق.
وحصل تحالف الفتح المدعوم من الحشد الشعبي وإيران على المركز الثاني في النتائج الأولية للانتخابات، وهو ما يعد تراجعاً واضحاً من العراقيين بالنسبة للقبول بالدور الإيراني في بلادهم.
وذكر نعمان أن إيران في مأزق سياسي واقتصادي، “نحن لا نريد إدخال العراق في الصراعات الإقليمية والدولية، والأجدر بالقيادات السياسية إبعاد تحالف الفتح التابع للحشد عن العملية السياسية تجنباً للصراعات الإيرانية الأميركية في المنطقة”.
وقدم نصائح لتشكيل الحكومة المقبلة لضمان “مستقبل عراقي متجدد ومتغير ومنفتح على الجميع”. وأضاف أنه يجب استبعاد أي دور للشخصيات السياسية الخاسرة في الانتخابات “التي صدعتنا بالطائفية والكذب”، مؤكداً على ضرورة احترام قرار الشعب العراقي في استبعادهم.
وقال إنه يجب احترام رأي المقاطعين للانتخابات، فنسبة المشاركة كانت 44%، وهي أقل من 50% من الذين حدثوا معلوماتهم واستلموا بطاقات الناخب، وبالتالي فنسبة المشاركة الفعلية هي أقل من 20% من العدد الكلي المؤهل للمشاركة.
كما أكد على ضرورة إبعاد المجموعات المسلحة، من أجل ضمان السيطرة العسكرية والسياسية على القرار العراقي، “خلاف ذلك ستتعقد الأمور أكثر، وسيتحول الشعب العراقي من ديمقراطي إلى ثوري”، على حد تعبيره.
هل وصلت إيران للقمة وحان وقت الهبوط؟
وظهرت أدلة عديدة الأسبوع الماضي على حدوث تغيّر الأحوال بالنسبة لإيران، وذلك بعد أن انسحب دونالد ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران وأعاد فرض عقوبات صارمة عليها.
ويبدو أن قيادة طهران فوجئت بإدانة الرئيس الأميركي. وفشلت حتى وقتنا هذا في صياغة رد واضح.
ورغم أن الأوروبيين عازمون على التمسك بالاتفاق، إلا أن هذا يبدو وعداً خاوياً. إذ سوف تنسحب الشركات الخاصة التي تتعامل مع إيران بعد مواجهة العقوبات الهائلة التي تفرضها وزارة الخزانة الأميركية. ولا يكاد يكون هناك ما تستطيع فرنسا أو ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي فعله لمنع تطبيق تلك العقوبات.
ومن خلال صمتها النسبي، تقر المملكة المتحدة- التي تتأرجح كالمعتاد ما بين واشنطن وأوروبا- بالفعل بهذا الواقع. ولا تستطيع إيران أن تعتمد على روسيا أو الصين، اللتين وقعتا على الاتفاق أيضاً، لإنقاذها. وتحتاج إيران لمليارات الدولارات من عائدات صادراتها النفطية لتمويل اقتصادها غير الفعال الخاضع للدولة وتدخلاتها المستمرة في سوريا واليمن على سبيل المثال وبرنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية. ويتعرض هذا التدفق النقدي لمخاطر بالغة.
كما تعرضت إيران لانتكاسة كبيرة في أحد المسارح الإقليمية خلال الأسبوع الماضي، حيث وقعت في الشرك الذي نصبته لها إسرائيل. وبدأ ذلك باعتداء يوم الثلاثاء الماضي على مرافق عسكرية إيرانية في الكسوة، جنوبي دمشق، وامتد حتى آخر سلسلة الغارات الإسرائيلية التي لم ترد عليها إيران حتى الآن.
وأطلق قادة الحرس الثوري الإيراني النار على المواقع الإسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة. ومنح ذلك إسرائيل الذريعة التي تبحث عنها لإطلاق هجوم مخطط مسبقاً على المرافق الإيرانية في أنحاء سوريا. لقد كانت ضربة قوية تقليدية. ويبدو أن الحشد العسكري الإيراني في سوريا قد توقف، على الأقل حالياً.
وفي غضون ذلك، تخاطر إيران بالتعرض لهزيمة دبلوماسية. فقد زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موسكو مرة ثانية الأسبوع الماضي، للتوفيق بين مصالحه ومصالح فلاديمير بوتين في سوريا. وأبلغت إسرائيل روسيا مسبقاً باعتداءات الأسبوع الماضي.
وقد أصبح مثل هذا التنسيق أمراً روتينياً. وترى طهران أن روسيا، شريكة إيران ظاهرياً في الحرب في سوريا، لا يمكن الاعتماد عليها. ويتم تشجيع أعدائها من السعوديين إلى حد كبير من خلال الهجوم الذي يشنه ترمب على إيران.