الشرق الأوسط يشتعل.. بسبب حسابات إسرائيل الخاطئة وتخبط ترامب وغموض بوتين
قال الصحفي البريطاني بيتر مونت إن الشرق الأوسط قد يشتعل في أي لحظة، بسبب ما وصفه بسوء قراءة إسرائيل لمواقف سوريا بالمنطقة، وهو ما تجسد في الغارة الإسرائيلية الأخيرة على قاعدة تيفور العسكرية في سوريا. وكتب بيتر بومونت، المتخصص بمناطق الصراعات في الشرق الأوسط بصحيفة The Guardian، إن الخطط الذكية بالشرق الأوسط تميل إلى “ألَّا تبدو ذكيةً فترة طويلة”. وأحد الأمثلة على ذلك، مثلما اتضح جلياً هذا الأسبوع، يتمثَّل في ترتيب “فض الاشتباك” بين روسيا وإسرائيل. اعتُبِر هذا الترتيب، الذي جرى التفاوض عليه بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في البداية، دليلاً على مهارات نتنياهو الدبلوماسية؛ فهو اتفاقٌ يطلق يد إسرائيل ضد عمليات نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله، ويحافظ على الردع الإسرائيلي عند حدودها الشمالية.
إيران تقترب من حدود إسرائيل
رد فعل روسيا وإيران على الهجمات الإسرائيلية -التي أسفرت عن مقتل 7 مستشارين إيرانيين في قاعدة التيفور- يكشف بطريقة “قاسية”، الفرضيات الكامنة وراء هذا الترتيب. على الأقل، فيما يتعلَّق بتسامح موسكو مع افتراض إسرائيل امتلاكها حرية العمل في سوريا. الحقيقة هي أنَّ إسرائيل -ونتنياهو على وجه التحديد- أساءا بشدة، قراءة مسار عودة روسيا للانخراط في الشرق الأوسط. أوجد هذا التدخل السياق المناسب لإيران كي تنشر نفوذها باتجاه الغرب أكثر من أي وقتٍ مضى، وتقترب من حدود إسرائيل كما لم يحدث من قبل.
وترمب في حالة من عدم اليقين
السبب الذي يجعل كل هذا مهماً، ضمن السياق الحالي المحموم، هو أنَّ الأحكام الإسرائيلية الخاطئة تمثل زاوية واحدة ضمن قالب خطير، متعددد الزوايا وغير متوقع. ويقارن جيمس هوهمان في صحيفة Washington Post الأميركية بين عجز إسرائيل عن التوقع في هذا الملف، وبين خطأ وزير الخارجية الأميركي الأسبق دين آتشيسون عام 1950، حين قال إن كوريا تقع خارج مجال الدفاع الأساسي للولايات المتحدة. على الجانب الأميركي، أدَّت حالة عدم اليقين المحيطة بالنوايا إلى تخبُّط دونالد ترمب بقوة. وفي غضون أيام، تحول ترمب من الإشارة إلى مسارعة بلاده للخروج من سوريا إلى موقفٍ يرجح توجيه ضرباتٍ عسكرية.
وبوتين تتسم حساباته بالغموض
نتنياهو الجريح -الذي بنى مسيرته المهنية متعهداً بأن يكون حصناً ضد إيران- يدفع الآن ثمن خطابه وتبعات أفعاله. ليس أقلها تصريحاته العلنية الدموية واللاذعة ضد إيران، على نحوٍ قد تجد طهران صعوبةً في إسقاطها من حساباتها. وفي الزاوية الأخيرة، هناك بوتين، الذي تتسم حساباته بالغموض؛ لأنَّ ذلك هو هدفه أساساً. يحيط خططه كلها بالغموض، وكذلك طموحاته وخطوطه الحمراء. ونتيجة هذا القالب ذي الزوايا المتعددة، وضعٌ قابل للاشتعال بشدة. لا يمكن فيه لأي طرفٍ في الصراع -مباشراً كان أو غير مباشر- أن يتيقن من الفرضيات التي يتحرك وفقها الآخرون.
والشرق الأوسط يحتاج إلى حكام راشدين
كل ذلك أوجد ما وصفه ستيفن بينكر، في كتابه الرائد بشأن العنف والحرب “The Better Angels of Our Nature”، بالمعضلة “الأمنية” أو “الهوبزية” الكلاسيكية. وهو وضعٌ قد تؤدي فيه تحركات دولة ما ظاهرياً، من أجل تعزيز أمنها، إلى تحرك بلدانٍ أخرى بصورة استباقية، ما يهدد بمزيدٍ من التصعيد. ومع تزايد احتمالات وقوع مزيد من العنف، فإنَّ الأمر المثير للقلق أيضاً هو ضعف الآلية الرئيسية لتجنُّب مثل هذا التصعيد. الآلية هي طبعاً عبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولكنها تبدو ضعيفة إلى حدٍ كبير نتيجة تحوُّل حق النقض (الفيتو) الأميركي والروسي إلى سلاح تحت حكم ترمب وبوتين. ويختم الكاتب مقاله بأن التاريخ علَّمنا أنَّ الحروب -من الحرب العالمية الأولى، والحرب الكورية، وحرب الأيام الستة، وحتى حرب جزر فوكلاند- غالباً ما تتأجَّج جرَّاء الإخفاقات في تبادل الرسائل وتفسيرها. وبالنظر في أنحاء الشرق الأوسط اليوم، لم يسبق قَط أن كان هذا الشعور أكثر واقعية مما هو عليه الآن. ولم يسبق قَط أن كان مثل هذا النقص في الزعماء الراشدين.