السّراج يلتقي ماكرون في الإليزيه وسط توتر حول دعم فرنسا لحفتر
بعد لقائِه في روما برئيس الحكومة الايطالية جوزيبي كونتي، الذي شدد على “ألاّ حل عسكري للأزمة الليبية”، ثم في برلين بالمستشارة الألمانية آنغيلا ميركل التي دعت إلى بحث “الحل السياسي”؛ يلتقي فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، الأربعاء في باريس، بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أن يتوجه بعد ذلك إلى بريطانيا، في ختام جولته الأوروبية الهادفة إلى حشد دعم دبلوماسي أوروبي، بما في ذلك فيما يتعلق بالهجوم الذي تشنه قوات المشير خليفة حفتر منذ أيام على العاصمة طرابلس.
يأتي هذا اللقاء وسط توتر في علاقة باريس بحكومة الوفاق المعترف بها دولياً ومقرها طرابلس، والتي تتهم فرنسا بدعم المارشال خليفة حفتر قائد ما يسمى بـ”الجيش الوطني الليبي” في الشرق. كما أنه يأتي في سياق استمرار الهجوم الذي يشنه حفتر على طرابلس، حيث حثّ قواته على القتال بشراسة خلال شهر رمضان، رغم دعوات الأمم المتحدة المتكررة لوقف الأعمال القتالية والتزام بهدنة إنسانية لمدة أسبوع.
وأيضاً يأتي الاجتماع عقب أيام من اعتراض مجموعة من الأوروبيين قبالة سواحل جزيرة جربة التونسية، والذين كشفت جهات رسمية تونسية أنهم عناصر استخبارات، بما في ذلك ثلاثة عشر فرنسياً، قالت باريس إنهم دبلوماسيون.
مصدرٌ في الاليزيه جدد التأكيد عشية هذا اللقاء ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة للطرفين؛ على أن فرنسا تدعم حكومة فائز السراج وتعارض هجوم حفتر على طرابلس؛ موضحاً أن باريس وروما وبرلين ولندن قامت قامت هذا الأسبوع بالتنسيق بشأن ترتيبات جولة فائز السراج الأوروبية، وذلك في إطار جهود تستهدف تحدث هذه الدول بصوت واحد لايجاد مخرج للأزمة الليبية، بما في ذلك وقف إطلاق النار.
هذا الموقف الفرنسي أكده وزير الخارجية جان ايف لودريان قبل خمسة أيام في حوار مع صحيفة “لوفيغارو” والذي نفى فيه انحياز بلاده إلى حفتر، معتبرا في الوقت ذاته أن هذا الأخير هو “جزءٌ من الحلّ السياسي” في ليبيا.
المحلل السياسي مصطفى الطوسة وضع لقاء ماكرون- السّراج تحت عنوان: “لقاء المُصارحة”: فالرئيس الفرنسي يريدُ توضيحات بشأن المقاربة الأمنية لحكومة الوفاق فيما يخص محاربة الجماعات المتشددة والإرهابية ومكافحة شبكات الهجرة السرية تجاه أوروبا.
وعليه؛ فإنه يجب على رئيس حكومة الوفاق الوطني أن يحاول: “ايجاد قاعدة تفاهم مع المصالح الفرنسية في ليبيا، وطمأنة الفرنسيين أن هناك شريكاً قوياً لمحاربة الإرهاب في ليبيا وهو حكومة الوفاق المعترف بها دولياً التي قضت على رأس تنظيم الدولة (داعش) في سرت”، كما تقول الناشطة السياسية والمدونة الليبية غيداء التواتي؛ موضحة أن دعم فرنسا لحفتر عسكريا أضر بالوضع الأمني الهش في البلاد وساعد على تحركات جديدة لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في الجنوب الليبي.
في المقابل، سيحاول السراج الحصول على موقف واضح من مضيفه الفرنسي بشأن الهجوم الذي تشنه قوات حفتر على طرابلس؛ خاصة وأن رئيس حكومة الوفاق يدرك أن استمرار الأعمال العسكرية يضع باريس ودولا أخرى في موقف حرج، وهي النقطة التي سيحاول استغلالها، كما يقول المحلل السياسي رامي الخليفة العلي.
وفِي ظل الموقف الفرنسي “الضبابي” حيال الأزمة الليبية؛ يعتبر المحلل السياسي المتخصص في العالم العربي، جان بيار فيليو أن باريس غارقة اليوم في جملة تناقضات، محذراً من مغبة أنّ استمرار المشهد “اللا-سياسي” الحالي في ليبيا من شأنه أن يُهمش فرنسا بشكل دائم في هذا المسرح الاستراتيجي.
وأيضاً، اعتبر السفيرُ الفرنسي السابق ميشال ديكلو، والمستشار الحالي لمعهد مونتين، أن الموقفَ الفرنسي حيال الأزمة الليبية محفوفٌ بالمخاطر. فمن حيث الصورة، تلعب الدبلوماسية الفرنسية دورًا كبيرًا في هذه القضية: لقد أعطت الانطباع خلال السنوات الأخيرة بالتفهام مع الديكتاتور المارشال خليفة حفتر، كما يقول ديكلو في تصريح لصحيفة “لوبينون” الفرنسية.
ويحذر مراقبون فرنسيون وأوروبيون من مغبة العواقب الثقيلة لهجوم حفتر على طرابلس بالنسبة لفرنسا وأوروبا، إذ أنّه من المرجح أن يخرج الصراع من طرابلس، ليمتد إلى مناطق أخرى، ويخلق متنفساً جديداً لمقاتلي تنظيم الدولة “داعش” الذين قد يستغلون فراغ السلطة والفوضى لزرع خلاياهم أو إحيائها.
ناهيك، عن مضاعفته لموجة هجرة الليبيين نحو أوروبا، التي بدأت منذ نحو عامين. كما أن تفاقم القتال في ليبيا، له مخاطر على الدول الإقليمية المجاورة، بحيث سيهدد نموذج الانتقال التونسي ويزيد من عدم الاستقرار في الجزائر.