السيناريو الأسوأ لتراجع الليرة التركية هو أزمة مالية عالمية
أزمة الليرة التركية تسببت في اضطراب بالأسواق العالمية، واتجهت أنظار المتعاملين بها إلى أحد أكبر الاقتصادات الناشئة في العالم. مخاوف من أزمة عالمية بدأت تطرق الأسواق المالية، وكتبت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن تدهور الليرة التركية أرسل هزّات ارتدادية إلى الأسواق المالية العالمية، وسط مخاوف من أن تتسبّب الأزمة المالية التركية في تأثير يشبه «مبدأ الدومينو» على اقتصادات أخرى عُرضة للخطر.
وقالت صحيفة”واشنطن بوست”الأمريكية إن هناك مخاوف بين المستثمرين من حدوث أزمة مالية عالمية جديدة. بعد أن فقدت العملة التركية أكثر من 40% من قيمتها أمام الدولار هذا العام (2018)، وتعتقد شركات قياس مخاطر اقتصادية عالمية، أن الانخفاض يعود إلى رفض الحكومة التركية رفع معدلات الفائدة، تزامناً مع ارتفاع معدلات التضخم.
ولكن ارتفع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي مع بداية تعاملات اليوم الثلاثاء 14 أغسطس، مقارنة مع أسعار مساء الإثنين بعد إعلان الحكومة التركية سلسلة إجراءات لوقف تدهور الليرة، وتوفير سيولة كافية لحماية النظام المالي والمصرفي في البلاد.
يستعرض هذا التقرير مؤشرات الخطر التي تنذر بأزمة مالية عالمية وشيكة، بسبب تراجع الليرة التركية، على طريقة مبدأ الدومينو.
مدفوعات الديون المرتفعة هي بداية الأزمة التركية
ومثل الدول التي اقترضت بحريةٍ عندما كانت الدولارات وفيرة ورخيصة، تواجه تركيا الآن مدفوعات ديون مرتفعة قد لا تكون قادرةً على تسديدها. وتتصاعد المخاوف مع تأثر العملات في الدول النامية مثل جنوب إفريقيا والأرجنتين والمكسيك وإندونيسيا سلباً بالتراجع الحاد في قيمة الليرة التركية، حسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.
والآن تعاني تركيا لأنَّ بنوكها أسرفت في الاقتراض بالدولار في السنوات الأخيرة بينما كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي يُبقي أسعار الفائدة بالقرب من الصفر. وخرقت الحكومة في أنقرة ميزانيتها لتحفيز النمو الاقتصادي، خاصةً في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري في عام 2016.
وقد تصبح الديون التركية لأوروبا صعبة السداد
ومع انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار الأميركي، فإنَّ مدفوعات الديون المستحقة على المقترضين الأتراك تصبح بسرعة غير قابلة للسداد. وحتى الآن، يقاوم أردوغان مناشدات المستثمرين لرفع أسعار الفائدة لدعم العملة، أو السعي للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي ووفقا لصحيفة The Washington Postالأميركية.
وهذا يعني خسائر كبيرة للبنوك الإسبانية والفرنسية
ولمن إذا تخلف المقترضون الأتراك عن سداد ديونهم، ستتكبد البنوك الأجنبية، خاصةً في أوروبا، خسائر كبيرة.
وفقاً لبنك التسويات الدولية في مدينة بازل بسويسرا، المصارف الإسبانية الكبرى لها ديون مستحقة بأكثر من 82 مليار دولار، في حين أنَّ البنوك الفرنسية لديها قروض مستحقة الدفع قيمتها 38 مليار دولار، حسب صحيفة The Washington Post الأميركية.
والأسواق الأخرى الناشئة مرشحة لبعض الهزات
تسببت أزمة العملة التركية في حالة عدم استقرار بأسواقٍ ناشئة أخرى مثل جنوب إفريقيا وروسيا، في ظل قلق المستثمرين من حدوث حالة ضعفٍ مماثلة هناك. وتسببت كذلك في هزةٍ في البورصات الأوروبية وفي عملة اليورو؛ لأنَّ المستثمرين يركزون على التكاليف المحتملة على المصارف الأوروبية التي لديها ديون تركية.
وقال تشاد براون، وهو خبير تجاري في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وناقد دائم للاستراتيجية التجارية للإدارة: «إذا طرأت أزمة في مكان ما من العالم مع إمكانية انتقال عدواها، فماذا سيكون رد فعل الرئيس ترمب؟ التعاون مع العالم وإظهار القيادة؟ أم (فرض) مزيدٍ من الرسوم الجمركية؟ لم تكن هذه إشارةً جيدة»
أفلست بعض الشركات وربما بعضها على الطريق
وقالت إحدى الشركات الأميركية الراقية في مجال تصنيع صناديق الحاسوب إنَّها «أُرغِمَت على الإفلاس وتصفية أعمالها» بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب مؤخراً، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
إذ أعلنت شركة CaseLabs، التي تُصنِّع صناديق حسب الطلب للحواسيب وتحظى منتجاتها بتغطيةٍ إعلامية واهتمامٍ كبيرين من أطراف مختلفة، من بينها قناة LinusTechTips الشهيرة على يوتيوب، أنَّها ستُغلِق أبوابها وتُنهي أعمالها يوم السبت الماضي.
وعلى الأرجح تقصد الشركة التعريفات التي فرضها ترمب على البضائع الصينية، وفقاً للصحيفة البريطانية.
كما تدهورت عملات في أوروبا وأفريقيا وآسيا
وتراجع اليورو قرب أقل مستوى في 13 شهراً، الإثنين 13 أغسطس 2018،
وتضرر اليورو كثيراً يوم الجمعة الماضي بعدما نقلت صحيفة «فايننشيال تايمز» عن مصدرين القول إن البنك المركزي الأوروبي قلق بشأن بنوك إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وانكشافها على تركيا.
ولامس اليورو أقل مستوى أمام العملة الأميركية منذ يوليو/تموز 2017، كما تراجع أمام الفرنك السويسري والين، لينزل إلى أقل مستوى في عام.
كما أدى هبوط الليرة التركية إلى اضطراب عملات أسواق ناشئة أخرى حيث حدث انخفاض حاد لراند جنوب إفريقيا، وازداد ضعف البيزو المكسيكي مقابل الدولار الأميركي الاثنين، إذ أدت أزمة الليرة إلى اضطراب عملات أسواق ناشئة أخرى.
وفاجأ البنك المركزي الأرجنتيني المتعاملين برفع أسعار الفائدة بمقدار 5 نقاط مئوية يوم أمس ، لكنه لم يكن كافياً لوقف البيزو الذي سجل أدنى مستوى قياسي.
وانخفضت الروبية الهندية إلى مستوى قياسي جراء أزمة العملة التركية، إذ بلغت الروبية 70.09 مقابل الدولار الأميركي مدفوعة بمخاوف المستثمرين من انتشار أزمة الليرة إلى دول نامية أخرى.
وخسرت الروبية الآن عُشر قيمتها حتى الآن هذا العام.
وفي أوروبا تواصل أسهم البنوك الأوروبية الهبوط
وتراجعت أسهم البنوك الكبرى في أوروبا، الإثنين، وأشار متعاملون إلى أن المخاوف المستمرة حيال أزمة العملة في تركيا من العوامل الأساسية التي أضرت بالقطاع.
ونزل مؤشر أسهم بنوك منطقة اليورو 1.2% وحام قرب أقل مستوى منذ أواخر يونيو/حزيران الماضي ونزل للجلسة الرابعة على التوالي.
ونزلت السندات الدولارية للبنوك التركية وأسهم البنوك الأوروبية ذات الأنشطة في تركيا مثل أوني كريديت وبي.إن.بي باريبا وبي.بي.في.أيه وآي.إن.جي.
وهبط سهم دويتشه بنك أيضاً بعدما خفض بنك أوف أميركا ميريل لينش تصنيفه السهم إلى «أداء دون أداء السوق».
وحده الدولار يصعد ومعه عبء الديون العالمية القياسية
وصلت قيمة الدولار الأميركي إلى أعلى مستوًى لها في 13 شهراً. وترتفع قيمته إلى مستوياتٍ أعلى مدفوعةً بزيادات سعر الفائدة التي أقرها مجلس الاحتياطي الفيدرالي وبيعه للسندات المالية الحكومية.
وقال الاقتصادي جاكوب فانك كيركجارد من معهد بيترسون للشؤون الاقتصادية الدولية إنَّ «الأسواق تستيقظ على حقيقة أنَّه ستكون هناك عواقب لارتفاع أسعار الفائدة. هذا جزء من عملية الانتقال بعيداً عن بيئة معدل الفائدة الصفري التي عشناها حيثُ كانت الأموال رخيصة حقاً».
وتفجَّر عبء الديون العالمية منذ الكساد الكبير. ونما إجمالي ديون الأسر والشركات والحكومات من 97 تريليون دولار في عام 2007 إلى 169 تريليون دولار في العام الماضي، وفقاً لمعهد ماكينزي غلوبال للدراسات والأبحاث في مجال الأعمال والاقتصاد.
وقال المعهد في تقريرٍ صدر في يونيو 2018، محذراً من نقاط الضعف المحتملة، أنَّ الكثير من عمليات الاقتراض الأكثر شراسة تعود لشركات، لاسيما في الأسواق النامية مثل الصين.
ورغم كل هذه المخاوف فقد تحسن أداء الليرة التركية الثلاثاء
ارتفعت بنحو 5 في المائة لتعود إلى مستوى ة 6.5 مقابل الدولار مقابل 6.88 ليلة أمس الإثنين.
وقال محللون إن ذلك قد يعني أن المستثمرين يستعيدون أعصابهم.
كما ارتفعت سوق الأسهم التركية هذا الصباح وارتفعت بأكثر من 2٪ في التعاملات المبكرة.
وتعني المكاسب الأولية أن معظم الخسائر الكبيرة التي تكبدتها يوم أمس قد تمت إعادتها، حسب تقرير نشر بموقع صحيفة express البريطانية.