السلطة الفلسطينية بين خيارين: إما الإذعان لترامب وإما المواجهة المفتوحة
قبل أيام من البدء العملي لتطبيق صفقة القرن، والمتمثل بمؤتمر البحرين الذي يُعقد نهاية الشهر الحالي، يبدو الوضع العام بالأراضي الفلسطينية ضبابياً، في ظل مزيد من الضغوط التي تمارَس على السلطة الفلسطينية وقطاع غزة على حد سواء.
في ديسمبر 2017، بدأت الضغوط الأمريكية على السلطة الفلسطينية، فأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل.
طبَّق ترامب وعْده بعد مرور بضعة أشهر، وأعلن في مايو 2018، رسمياً، افتتاح السفارة الأمريكية في القدس في حفل فخم.
استهداف السلطة الفلسطينية بشكل مباشر كان واضحاً في الخطوة التالية لترامب، ففي أغسطس 2018، خفضت الولايات المتحدة دعمها المالي للأراضي الفلسطينية بأكثر من 500 مليون دولار، لا سيما مشاريع التنمية والبنية التحتية التي تنفذها وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
كانت الأضرار الاقتصادية المحتملة نتيجة هذه القرارات على الضفة الغربية وقطاع غزة هائلة، حيث أثّرت في نحو مليوني شخص، كما حذرت «الأونروا» من أنها تعاني مجدداً نقصاً بالتمويل لهذا العام، رغم تقديم بعض الدول الخليجية والأوربية دعماً للوكالة.
وما يعكس تصلُّب الموقف الأمريكي من السلطة، هو أن المساعدات التي كانت مخصصة لقوات الأمن الفلسطينية تم وقفها أيضاً في فبراير/شباط 2019، لتحلَّ محلها جهود أوروبية، اهتمت بتدريب قوات الأمن، وتقديم المشورة إليها.
هذا المشهد السابق إضافة إلى رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس استقبال أي تحويلات ضريبية من إسرائيل، جعل السُّلطة الفلسطينية غارقة في عجز كبير بالموازنة، فمند مطلع العام الحالي، يتقاضى الموظفون الحكوميون، وضمنهم ضباط الأمن أنفسهم الذين يتعاونون مع إسرائيل، نصف راتب فقط.
وتقدّر أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أنه سيكون أمام السلطة الفلسطينية شهران إلى ثلاثة أشهر فقط قبل بدء الانهيار إذا استمر المسار الحالي.
غزة ليست أحسن حالاً من الضفة الغربية
في غزة لا يبدو الحال أفضل بكثير، فنتيجة الحصار المفروض منذ 13 عاماً، وتقليص عمل الأونروا، خاض القطاع خلال الأشهر الماضية، عدة جولات من المواجهة مع إسرائيل، في ظل وضع اقتصادي معدوم يخيم على سكان القطاع.
حالة التهدئة التي يعيشها القطاع تبدو هشة، فعلى الرغم من الهدوء الذي يخيم على الحدود، فإن المواجهة القادمة قد تشتعل في أي لحظة، بسبب عدم استجابة الإسرائيليين لشروط المقاومة مقابل وقف إطلاق الصواريخ، بدءاً من تخفيف الحصار عن القطاع، وبناء محطات الكهرباء، وتوسيع منطقة الصيد البحري.
هذا الأمر بدأ يدفع الأوضاع في القطاع للتصعيد، فمع دخول فصل الربيع، عاد الفلسطينيون يطلقون البالونات الحارقة باتجاه الأراضي الإسرائيلية، متسبِّبة في إشعال الحرائق بالأراضي الزراعية، وهو الأمر الذي دفع الاحتلال إلى توجيه مزيد من الضغط على الفلسطينيين، بفرضه حظراً بحرياً على الصيادين.
الاستسلام والرضوخ أو المواجهة المفتوحة
هذه الأوضاع التي تعيشها الأراضي الفلسطينية تعكس حالة من عدم الاستقرار، وعدم وضوح في أفق المستقبل الفلسطيني، فمن جهة فإن المسكنات التي يتم إعطاؤها لقطاع غزة والضفة الغربية على حد سواء غير دائمة، فمن المحتمل أن تمل الدول العربية والأوروبية من التصرف كآلة صرف أموال بدلاً من واشنطن.
من جهة أخرى، فإن إصرار السلطة الفلسطينية على رفض صفقة القرن سيمنح حكومة نتنياهو المقبلة -وهو الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات مجدداً- ضوءاً أخضر للبدء بضمّ المستوطنات في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي تم التلميح إليه في تسريبات بنود صفقة القرن.
وفي حال نجح مؤتمر البحرين في تحقيق أهدافه، واستطاع أن يجلب حاضنة عربية له، فإن السلطة الفلسطينية ستكون أمام تحدٍّ كبير: إما الاستسلام والرضوخ للصفقة، وهو أمر ستدفع ثمنه شعبياً، ولن تسمح به بعض الفصائل الفلسطينية، وإما أن تعلن المواجهة المفتوحة، بحلّ نفسها وخروج الأوضاع عن السيطرة في الضفة الغربية وقطاع غزة.