السعودية مدعوَّة للانضمام إلي الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني «فخٌ» أم «مشروع عملاق»؟
بما لن تؤدي دعوة باكستان الرياض للانضمام إلى مشروع الممر الاقتصادي المشترك مع الصين (CPEC)، الذي يقدَّر حجمه بمليارات الدولارات- فقط إلى تعزيز التجارة الثلاثية؛ بل يمكن أن تضعف أيضاً معارضة الولايات المتحدة والهند له، بحسب خبراء ومحللين.
والخميس 20 سبتمبر/أيلول 2018، وجَّهت إسلام آباد دعوة رسمية إلى الرياض للانضمام إلى مشروع «الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني» لتصبح «شريكاً استراتيجياً ثالثاً».
ومن المقرر أن يزور وفد سعودي رفيع المستوى، يضم وزيرا «المالية» و»الطاقة والصناعة والثروة المعدنية»، الشهر المقبل (أكتوبر/تشرين الأول 2018) باكستان؛ لوضع اللمسات الأخيرة على «شراكة اقتصادية مهمة» تتعلق بمشروع «الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني»، الذي يعد جزءاً من «مبادرة الحزام والطريق» في الصين (المعروفة أيضاً بطريق الحرير الجديد).
ويأتي هذا التطور إثر زيارة قام بها رئيس وزراء باكستان، عمران خان، للسعودية قبل أيام، في أول جولة خارجية له منذ توليه منصبه الشهر الماضي (أغسطس/آب 2018).
وتم التوقيع على مشروع «CPEC» بين الصين وباكستان في 2014، وتبلغ تكلفته 64 مليار دولار.
ويهدف المشروع إلى ربط مقاطعة شينشيانغ الصينية ذات الأهمية الاستراتيجية شمال غربي البلاد، بميناء غوادار الباكستاني، من خلال شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز.
وسيوفر المشروع للصين وصولاً أقلَّ تكلفةٍ إلى إفريقيا والشرق الأوسط، وسيعود على باكستان بمليارات الدولارات؛ لتوفيرها تسهيلات العبور لثاني أكبر اقتصاد في العالم.
الترويكا الاقتصادية الجديدة
ويرى عبد الخالق علي، وهو محلل سياسي وأمني يقيم في كراتشي، أن «دعوة السعودية ستؤدي ليس فقط إلى تعزيز التجارة الثلاثية، وإنما ستعمل أيضاً على تشكيل ترويكا اقتصادية جديدة في المنطقة».
وقال علي لـ»الأناضول»: «ستستفيد البلدان الثلاثة من نواحٍ كثيرة».
وأوضح أن «المملكة العربية السعودية ستجد -حال انضمامها إلى المشروع- سبيلاً جديداً ضخماً لدعم صادراتها من النفط والصادرات الأخرى، في حين أن باكستان والصين ستحصلان على شريك ثري، ما سيساعد على توسيع نطاق المشروع، والتأثير إيجابياً على الاقتصاد الدولي».
في حين يعتقد شهيد حسن صديقي، وهو محلل اقتصادي مقيم بكراتشي أيضاً، أن الرياض تنوي تعزيز صادراتها النفطية من خلال «CPEC».
وقال «صدّيقي» لـ»الأناضول»، إن «الانضمام إلى (CPEC) سيوفر طريقاً جديداً وسبلاً إضافية لتعزيز الصادرات النفطية السعودية».
وأوضح أن «أعلى معدل للعائد الداخلي على الاستثمار في باكستان يجتذب الاقتصادات الناشئة، وضمنها السعودية، والصين تحقق بالفعل عائدات تزيد على 20% من استثماراتها هنا؛ ومن ثم لماذا لا تستفيد الرياض من هذه الفرصة؟».
وتابع قائلاً: «في المقابل، ستحصل باكستان على عوائد ضخمة، بالإضافة إلى ما تستعد بالفعل للحصول عليه من صادرات الصين عبر ميناء غوادار الاستراتيجي في إطار المشروع المذكور».
الفوز على معارضي المشروع
وأكد عليّ أن مشاركة الرياض في «CPEC» ستضعف معارضة الولايات المتحدة والهند للمشروع.
وقد عارضت الاثنتان المشروع منذ فترة طويلة، باعتباره «فخ الديون» للبلدان النامية، ومن ضمنها ذلك باكستان.
ولفت عليّ إلى أنه «ليس لدى واشنطن ونيودلهي تجارة ضخمة مع الرياض فحسب؛ بل تتمتعان أيضاً بعلاقات دبلوماسية قوية معها؛ ومن ثم لن يكون من السهل على الاثنتين معارضة المشروع».
وأضاف أن «انضمام الرياض سوف يمهد الطريق لدول الخليج الأخرى الغنية، ومن ضمنها الإمارات العربية المتحدة والكويت للانضمام إلى المشروع العملاق أيضاً».
والدعم السعودي لـ»CPEC»، يتابع عليّ، يعني دعم منطقة الخليج بأكملها، باستثناء بعض الدول، وفي مقدمتها إيران، بصفتها خصم السعودية اللدود.
لا اعتراض
ولم يتنبأ «صدّيقي» بأي اعتراض من الصين على انضمام شريك ثالث إلى المشروع العملاق.
وأضاف: «لقد تمت العملية برمتها بموافقة الصين، حيث زار قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، بكين مؤخراً، والتقى الرئيس الصيني؛ لتسوية الأمر قبل دعوة السعودية».
وقال أيضاً إن قائد الجيش الباكستاني أكد للقيادة الصينية «عدم حدوث أي تغيير» في المشروع الاقتصادي المشترك بين البلدين، رغم التغيير الأخير الذي طرأ على الحكومة الباكستانية.
و»باجوا» هو أرفع مسؤول باكستاني يزور الصين، البلد الحليف لباكستان، منذ تولي الحكومة الجديدة التي يقودها رئيس الوزراء عمران خان، السلطة في أغسطس/آب 2018.
ونوّه الخبير الاقتصادي إلى أنها «اتفاقية ثنائية مع الصين كشريك رئيسي، ولا شك في أن دعوة السعوديين للانضمام إلى المشروع لن تجري دون موافقة بكين».
كما أن «الدعوة المذكورة لن تضر بمصالح بكين».
وأشار «صدّيقي» إلى أن «أهداف الصين واضحة للغاية، وهي استثمار مليارات الدولارات من الاحتياطيات، والحصول على أعلى العائدات لتعزيز دخل الفرد، وتعزيز دورها في الأنظمة المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتوسيع نطاق نفوذها السياسي.
وأكد أن «المشروع يحقق جميع أهدافها بنجاح، فلماذا تعترض على المشاركة السعودية؟».
الانعكاسات السياسية
ولم يستبعد «صدّيقي» وجود بعض الدوافع السياسية وراء إدراج السعودية في «CPEC».
وبهذا الخصوص، قال: «ستسعى السعودية بكل تأكيد، للحصول على شيء مقابل استثمارها، وأخشى أن يكون الهدف من هذه الخطوة هو إشراك باكستان في مشاكل الشرق الأوسط، لا سيما باليمن».
ورفضت إسلام آباد، مراراً وتكراراً، الانضمام إلى الحرب التي قادتها السعودية في اليمن، وهي خطوة أدت إلى توتر العلاقات الباكستانية-السعودية في الماضي القريب.
واتفق فريدوس افتخار، المحلل السياسي الذي يتخذ من إسلام آباد مقراً له، برأيه مع «صدّيقي»، قائلاً إن «الصراع في اليمن لا يمكن التغاضي عنه في سياق الاستثمار السعودي بباكستان».
ووصف «افتخار»، في تصريحه لـ»لأناضول»، التطور الأخير، بأنه «فرصة لم يسبق لها مثيل».
ومع ذلك، قال إنه «على ثقة بأن باكستان ستواصل التركيز على جهودها لتحقيق السلام في المنطقة».
أما عليّ فيقول: «يجب أن تتنبه إسلام آباد إلى هذه النقطة، وأن تكون قد أوضحت ذلك بشكل صريح قبل توجيهها الدعوة للرياض».
واختتم حديثه بالقول: «لن تكون باكستان جزءاً من الصراع في الشرق الأوسط»