الرئيس الموريتاني يسعى للتخلص من سلفه بطريقة هادئة وذكية
أكد تحليل نشر الإثنين في صحيفة «موندافريك» الآنية التي هي الطبعة الإفريقية من صحيفة لوموند الفرنسية «أن الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني الذي تسلم الرئاسة مستهل أغسطس المنصرم، يسعى للتخلص من سلفه (محمد عبد العزيز) بطريقة هادئة وذكية».
وأكد محمدو ديمبيلي، وهو أحد كبار كتاب الصحيفة، في تحليل بعنوان «غزواني يحاول التخلص من سلفه بذكاء»، أن «الرئيس الجديد بدأ بطريقة ماهرة ومخفية الابتعاد عن «أخيه» الرئيس عزيز الذي هو في الواقع وريثه، وذلك بالرغم من تأييد الرئيس غزواني لـ «الجوانب الإيجابية» لحصيلة العشرية التي حكمها سلفه». وأضاف المحلل: «يعرف الرئيس الغزواني أنه ورث بلداً ممزقاً بسبب التسيير المصلحي والفئوي للرئيس السابق ولد عبد العزيز».
«إن الثقة التي منحتها للرئيس غزواني غالبية مواطنيه في الانتخابات الأخيرة، يضيف المحلل، ستتأثر كثيراً إذا ظهر أن غزواني مجرد بيدق بيد الرئيس السابق أو مجرد شخص مسخر للرئيس المنصرف».
وزاد: «إن أول قرار يشير إلى التغيير الذي يسعى له الرئيس غزواني، هو تعيينه يوم الرابع أغسطس المنصرم لحكومة بقيادة إسماعيل الشيخ سيديا، وهو ستيني تم إقصاؤه من طرف الرئيس المنصرف، كما أن إرادة التغيير واضحة من خلال الطابع التكنوقراطي الشامل لأعضائها، الذين عينهم الرئيس غزواني دون مراعاة أن يكونوا من حزب الرئيس السابق حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، بل للسهر على تطبيق برنامج الرئيس غزواني».
وأوضح الكاتب «أن اشتمال الحكومة الجديدة على ستة وزراء (بينهم وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الثقافة ووزير التعليم العالي) من مجموعة «الحراطين» (الزنوج المستعربين) يشير إلى رغبة الرئيس الجديد في إنهاء سياسة الإقصاء التي تشكو منها هذه المجموعة منذ عقود».
وتحدث المحلل عن تغيير جديد أحدثه الرئيس غزواني في أسلوب ممارسة الحكم، وهو الأسلوب القائم على إنهاء حالة الصدام والبحث عن التوافق، وهو ما يرى المحلل أنه السبب في التحاق عدد من كبار معارضي النظام السابق بالرئيس غزواني من أمثال يحي ولد سيدي الوقف رئيس حزب «عادل»، ومحمد محمود لمات نائب رئيس حزب التكتل الذي يتزعمه أحمد ولد داده أكبر معارضي الرئيس السابق».
وأوضح المحلل «أن أول امتحان لرئيس الوزراء الموريتاني الجديد سيكون بعد غد الخميس عندما يقدم برنامج حكومته أمام دورة طارئة للبرلمان؛ فالجمعية الوطنية يسيطر عليها النواب الموالون للرئيس السابق بنسبة 92 نائباً من أصل 157، فهل هناك تخوف من أن تتعرض الحكومة لملتمس عدم ثقة خلال الدورة البرلمانية المرتقبة؟ كثيرون، يقول المحلل، يطرحون هذا الاحتمال، مع أن الحضور الكبير لنواب المنطقة الشرقية التي ينحدر منها الرئيس غزواني تبعد هذه الفرضية»، مضيفاً «أن البرلمان يشتمل، رغم ذلك أيضاً، على مجموعة المخلصين للرئيس السابق الذين قادوا حملة مطالبة بتعديل الدستور للسماح للرئيس عزيز بمأمورية ثالثة كي يستمر في الحكم».
وتابع المحلل يقول: «حتى إذا تعرضت الحكومة لسحب ثقة داخل البرلمان، فإن بإمكان الرئيس غزواني أن يستدعي انتخابات برلمانية سابقة لأوانها لحل الإشكال، مع أن الأمور لم تصل لهذا الحد، حيث أعلن قادة حزب الاتحاد تأييدهم للرئيس غزواني الذي طمأنهم بدوره بأنه لا ينوي تأسيس حزب بديل، غير أنه لا شيء يستبعد احتمال إجراء تغييرات خلال مؤتمر حزب الاتحاد المقرر في نوفمبر القادم».
«أما التغيير الآخر الذي حدث، يضيف المحلل، فهو تغيير في العمق، فالرئيس غزواني يختلف تماماً عن الرئيس عزيز، فقد أكد للوزراء في أول اجتماع للحكومة أنهم أحرار في تسيير قطاعاتهم، وأن عليهم ممارسة جميع صلاحياتهم بما يضمن تنفيذاً متقناً لبرنامجه الانتخابي الذي حصل على ثقة الشعب». «بهذه الطريقة، يقول المحلل، انتهى عهد تجميع القرارات والصلاحيات بيد شخص واحد هو رئيس الجمهورية؛ غير أن الرئيس غزواني إذا كان قد تحرر من جانب التسيير الحكومي فإنه مكبل بالظرفية المحيطة به التي ورثها من سلفه: فأمام الرئيس غزواني المصاعب الاقتصادية الناجمة عن نهب أموال وثروات البلد خلال السنوات العشر الأخيرة، مضافة إلى الكوارث التي سببتها مؤخراً فيضانات ضربت قرى ومدن الجنوب».
وختم المحلل قراءته لوضع السيسي الموريتاني قائلاً: «قبل أن يحسم الرئيس غزواني الملفات الساخنة فسيكون عليه أولاً أن يبدأ بحل القضايا العاجلة».