الخوف من ترمب يوحّدهم.. كيف يقضي مسلمو أميركا رمضان مع تصاعد الإسلاموفوبيا
ينطلق الأذان في أرجاء مركز مدينة هامترامك الإسلامي بولاية ميشيغان، ويبدأ احتساء عصير الليمون وتناول التمر. الشمس تغرب الساعة 8:53 مساءً بالتوقيت المحلي. يجلس نحو 100 رجل وطفل يمني أميركي في وضع القرفصاء على السجاد، يحمدون ربهم ويكسرون صيامهم.
يصف تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أجواء الصيام في المدينة الأميركية ذات الأغلبية المسلمة، في ظل الخوف من تصاعد الإسلاموفوبيا، أو “الرهاب من الإسلام” في البلاد، وسياسات التضييق على المهاجرين.
وينقل التقرير عن “عارف هاسكتش”، الزعيم الديني البوسني، أجواء الصيام، بالقول: “كما لو أنه أصبح لنا حياة جديدة (في رمضان). إننا نختبر أنفسنا بالخنوع لله”.
وعلى مسافة 100 متر من المركز، وفي هذا المطعم الجديد، تلقت “ثاريا بيجام” إخطاراً على هاتفها، يبلغها وصديقاتها الست من الأميركيات البنغال، وجميعهن طالبات جامعيات، أنه حان الوقت لاحتساء الشاي وتناول وجبات شيش الدجاج والتبولة الموجودة أمامهن.
وتذكر “أمينة أحمد” (21 عاماً): “اليوم الأول صعب، ويبدو اليوم الثاني كما لو سقطت صخرة عليك، ولكن وسرعان ما يصبح الأمر أيسر بمرور الأيام”.
وفي هامترامك، التي تعد واحدة من أسرع المدن الأميركية نشوءاً، وأول مدينة تنتخب مجلساً بلدياً أغلبية أعضائه من المسلمين، يتم الاحتفاء بشهر رمضان من قبل أعداد كبيرة ومتزايدة من السكان، إلا أنه يجلب هذا العام معه هامترامك شعوراً بالخوف والتشاؤم من جهة، وارتباطاً أكبر بالمجتمع من جهة أخرى، حيث يناضل الأهالي وسط مناخ من الإسلاموفوبيا تصاعدت حدته مع قدوم الرئيس دونالد ترمب للسلطة، بحسب الغارديان.
وينقل التقرير عن “شهيرة إسلام”، وهي طالبة أخرى من أصول بنغالية: “منذ فوز ترمب، أصبحنا أكثر حذراً ولكن ذلك أدى إلى توحد مجتمعنا. ويبحث كل منا عن الآخرين لأننا نعرف أننا مستهدفون”.
تحول “هامترامك” إلى مدينة أغلبية مسلمة
وكانت مدينة هامترامك، التي تبلغ مساحتها أكثر من 5 كيلومترات مربعة، وتحيط بها مدينة ديترويت، مركزاً للمهاجرين البولنديين الذين استقطبتهم جراء توافر وظائف بمصنع تجميع سيارات “دودج”، الذي افتتح عام 1914.
وأدى إغلاق المصنع عام 1980 إلى رحيل الأوروبيين الشرقيين بصورة نسبية، والذين كانوا يمثلون 75% تقريباً من سكان المدينة، البالغ تعدادهم أكثر من 20 ألف نسمة. واليوم، يمثل المهاجرون من اليمن وبنغلاديش الأغلبية العظمى من السكان.
ويظهر هذا التحول السريع جليّاً في واجهات المتاجر والأنشطة المحلية التي تزين الشارع الرئيسي بالمدينة، والذي يمتد لمسافة تقل عن ميل واحد. وهناك متجر للأطعمة الحلال في مواجهة متجر الأطعمة البولندي، بالإضافة إلى مقهى يستعرض الفنون المحلية إلى جوار متجر بنغالي للملابس، يبيع الأثواب الحريرية الزخرفية والحجاب اللامع الذي يتلألأ تحت شمس الربيع.
وفي أحد المقاهي، ووسط أرفف الكتب المصطفة بالطبعات الأولى القديمة من الكتب والمجلات الفنية المرصوصة، يبدأ سعد المسمري يومه بتوزيع بطاقات العمل الخاصة به وتقديم رؤيته للمدينة لأي شخص ينصت إليه.
المسمري (31 عاماً) والذي وصل من اليمن إلى الولايات المتحدة عام 2009، دون أن يكون ملماً بكلمة واحدة من اللغة الإنكليزية، تم انتخابه عضواً في مجلس المدينة، المؤلف من ستة أعضاء، عام 2015، لتصبح الهيئة تحظى بأغلبية مسلمة.
أثار ذلك النبأ غضباً بين المعلقين المحافظين الذين ذكروا الكثير من الافتراءات عن المدينة وأشاروا إلى خضوعها في الوقت الحالي لـ”الشريعة الإسلامية”.
تنقل الغارديان، في إطار رصد الأجواء الرمضانية بالمدينة، عن المسمري استنكاره للحملات التي تشن ضده، مؤكداً عزمه الاستمرار في ترشحه لمنصب مجلس الولاية، في إطار الانتخابات المقررة في نوفمبر/كانون الثاني المقبل، بالرغم من طول ساعات الصيام.
ويقول: “الأمر صعب، فأنا أتوجه إلى منازل المواطنين، وأشاهدهم يتناولون القهوة أو المياه بينما أكون صائماً ومرهقاً. ومع ذلك، يتعين عليك أن تبتسم في وجوههم وأن تتصرف بمثالية أمام الناخبين، رغم أنك لم تتناول الطعام منذ 15 ساعة”.
آثار قرارات ترمب
تعتبر مقاومة التمييز الذي تمارسه إدارة ترمب ضد المسلمين شرسة للغاية بين سكان مدينة هامترامك متعددة الثقافات وذات الأغلبية المتحررة.
فقد خرج الآلاف إلى الشوارع هنا حينما أعلن ترمب عن أول حظر سفر إلى الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني عام 2017، والذي استهدف مجموعة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة.
وفي أبريل/نيسان، أغلق أكثر من 100 نشاط محلي أبوابه هنا احتجاجاً على هذا القرار، قبل أن تصدر المحكمة العليا حكمها بشأن الحظر.
ومع ذلك، فقد أثر قرار الحظر والذي يتضمن المسافرين من اليمن، تأثيراً مباشراً على العديد من الناس هنا، بحسب تقرير الغارديان.
ويناضل “معاذ الموغاري”، مدرس العلوم والرياضيات في المدرسة المحلية والذي يبلغ من العمر 32 عاماً، من أجل التحدث عن شقيقته الكبرى إفريقية، التي تعاني مع زوجها وأطفالها في محافظة إب الخاضعة لسيطرة الحوثيين، غربي اليمن.
فقد أصبح طلبها للحصول على تأشيرة الدخول في طي النسيان، منذ تفعيل قرار الحظر، ويخشى يومياً أن تتعرض للقتل خلال تبادل إطلاق النار.
ويعمل معاذ عملاً إضافياً في برنامج ما بعد التخرج لكسب ما يكفي من المال لإرسال 500 دولار شهرياً إلى شقيقته، ما يعني أنه لا يترك لنفسه سوى قيمة الفواتير التي ينبغي سدادها.
ويقول: “إنها دائماً في عقلي، وسواء كانت على قيد الحياة أم لا، فعلى من ألقي اللوم إذا أصابها مكروه”.
الخوف من هجمات ضد المساجد
ويذكر الموغاري أنه اتخذ قراراً مزعجاً بتجنب المساجد خلال شهر رمضان، ويرجع السبب في ذلك إلى المناخ الذي يعيش به نحو 3.3 مليون مسلم في أميركا خلال عصر ترمب.
ويقول “لا أشعر بالأمان هناك. وأشعر أن شيئا ما سيحدث. نحن لا نعود حتى تنتهي الصلاة. ماذا لو أتى شخص ما ليطلق النيران علينا كما حدث في كندا؟”
يشهد شهر رمضان زيادة هائلة في التوعية بالمركز الإسلامي لخدمات الأسرة، وهي منظمة لا تستهدف الربح تساعد الأسر المسلمة الاكثر فقراً في مدينة هامترامك – والعديد منهم من اللاجئين – من خلال توزيع التبرعات الغذائية وحزم الرعاية. ويعيش 49.7% من سكان المدينة في حالة من الفقر، وفقا لبيانات الإحصاء الأميركية، وهو رقم يتجاوز أربعة أضعاف المتوسط القومي.
وتذكر سومي أكتير، مديرة الإدارة البالغة من العمر 33 عاما “يصبح الناس أكثر سخاءً في هذا الوقت من العام”، مضيفةً أن المركز سيقدم ما يقرب من ضعف عدد الحزم الغذائية، أي ما يزيد عن المعتاد بنحو 300 حزمة.
وتشغل هذه المهمة أكتير للغاية لدرجة أنها لا تجد الوقت لزيارة المسجد بعد العمل؛ ولذا تعود مباشرة إلى منزلها لطهي البرجر والباستا لطفليها قبل أن يحين موعد الإفطار.
ورغم أن إحدى الدراسات الحديثة التي أجرتها جامعة هارفارد تشير إلى أن البلدان ذات الأغلبية المسلمة التي تطول بها ساعات الصيام – تلك البلدان التي تشهد رمضان خلال فصل الصيف – من الأرجح أن تعاني تأثيراً اقتصاديا سلبياً ضئيلاً، بينما لا تواجه دول مثل الولايات المتحدة ذات الأقليات المسلمة أي تأثير اقتصادي ملموس.
وإلى جنوب مدينة هامترامك يتواجد ستاد كيوورث الذي تبلغ سعته 7000 شخصاً. وقد قام جون كينيدي بزيارته في نهاية حملته الانتخابية الرئاسية عام 1960، حيث خاطب الأغلبية البولندية وأعلن أن هامترامك “هي أقوى مدينة ديمقراطية في الولايات المتحدة”.
ويستضيف الاستاد حالياً نادي مدينة ديترويت لكرة القدم، الذي تأسس عام 2012، والذي يشارك في الدوري الوطني لكرة القدم. وقد بدأ الموسم لتوه هنا ويجتذب النادي قاعدة مشجعين من أنحاء الجماعات العرقية المختلفة بالمدينة.
وأحياناً ما ينضم” صلاح حدوة”، البالغ من العمر 28 عاماً، إلى “الحرس الشمالي”، وهم مجموعة مشجعي النادي المخلصين الذين يحضرون المباريات في تشكيلات منظمة ويطلقون قنابل الدخان داخل المدرجات. وكثيراً ما يعمل صلاح بائعاً متجولاً للأطعمة في أيام المباريات، حيث يبيع الكباب مع شريكه مرتضى عبيد.
وخلال رمضان من العام الماضي، لعب الفريق سبع مباريات على هذا الملعب، وكان الشريكان يصلان إلى المكان في الخامسة صباحاً وينصبان الكشك الخاص بهما وينامان في المدرجات قبل بدء المباراة في محاولة للحفاظ على الطاقة، ويحمدان الله هذا العام أنه لا يوجد سوى ثلاث مباريات فقط خلال الشهر، حيث تبدأ المباريات في وقت متأخر من اليوم.
ويقول حدوة أثناء سماع آذان المغرب “نادي مدينة ديترويت لكرة القدم جزء من مدينة هامترامك، وهامترامك جزء مني. وسوف اعتبر هذا المكان وطني دائماً، إنها مدينتي”.
وفي إشارة إلى التحول الذي تشهده المدينة، يقول: “عادة ما يكون أي تغيير أمر بالغ الصعوبة على الناس. ومع ذلك، ليس هناك أي تغيير خلال رمضان. فالاختلاف الوحيد في الأيام التي يأتي خلالها رمضان. ولا نسمح لأي شيء بالتأثير على الصيام، وخاصة الأمور السلبية المتعلقة بترمب”.